تحوّل كلامي عن الاكتفاء بالذات إلى مغالاة في نظر بعض الزملاء، فاستعادوا الكلام السائد عن كوننا لا يمكن أن نعيش العزلة عن الآخرين لأننا جزء منهم وحياتنا لا تمر بيسر من دون الآخر مهما كان.
بينما ما أعنيه هو تجنب جحيم الآخر وفق تعبير سارتر، عندما يكون الاكتفاء بالنفس ولوك الذكريات حلا للطمأنينة. فعندما تكون الوحدة خيارا لتجنب تطفل الآخرين وتذمرهم وملامتهم، فإن متعة استعادة الذكريات بالنسبة إلى كبار السن أفضل بكثير من ثرثرة الآخرين. هكذا كتبت من قبل، وبالأمس فند المؤلفان ماركوس باكينغهام وآشلي جودال الأكاذيب السائدة التي تغلف حياتنا بوصفها الطريقة الأمثل للعيش، في كتابهما الجديد “تسع أكاذيب عن العمل: دليل القائد ذي التفكير الحر إلى العالم الحقيقي”، وقدمت له صحيفة فايننشيال تايمز عرضا بوصفه الكتاب الأمثل للقراءة اليوم وغدا لتحقيق التوازن بين حياة العمل والحياة الشخصية.
من بين الأكاذيب التسع التي يعتقد باكينغهام وجودال أنها توجد انفصالا بين الطريقة التي يعرف بها الناس أنهم يعملون بشكل أفضل، وبين الطرق التي يتم بها إخبارهم عن الكيفية التي ينبغي عليهم العمل بها. هي تحوّل النصائح والاقتراحات التي يروّج لها علماء النفس والطب بوصفها مقدسات منقذة، بينما الواقع أننا أطباء أنفسنا بقليل من المعرفة.
يعتقد المؤلفان أن الطريقة التي نفكر ونتحدث بها ونبني وفقها عملنا، غير فعالة، وبالتالي يقدمان رؤى عن كيفية كسر هذه الممارسات المتأصلة التي تعمل على عرقلتنا. ويسميانها بالأكاذيب التسع. فهما ينصحان الإنسان بأن “يحب ما يفعله بدلا من مجرد القيام بما يحبه” لتحقيق التوازن المستحيل بين حياة العمل والحياة الشخصية.
لأن التذمر هو الطريق الأمثل كي يكره الإنسان حياته، بينما تَقَبل الأمور كما هي يعني الاستمرار مع المتاح، من دون أن يعني ذلك التخلي عن التوق إلى التغيير، فهذا أمر نؤجله بعد أن ننجز ما لدينا.
لقد وصل الإنسان إلى مرحلة ليفهم بها تكوينه كمثال للكائن العاقل، بالتزامن مع تفاقم الضغوط عليه، فبدلا من موت البشر من الجوع والأوبئة في الحقب السابقة صاروا يموتون اليوم من التخمة! وتلك معادلة توضح أن الحياة أفضل في كل الأحوال مما كانت عليه، بينما تكمن المعضلة في طريقة فهمنا لعلاقتنا مع أنفسنا.
الحكمة التقليدية السائدة والمتوارثة ليست الحل الأمثل دائما، وعلينا أن نتخلص من القلق عندما نهملها لأننا ببساطة يجب أن نفهم ما نريد، وليس ما يريده الآخر.
< كرم نعمة