نظم منتدى الزهراء للمرأة المغربية ظهيرة يوم الجمعة 25 شتنبر 20120 ندوة علمية في إطار مشروع “حقوق القاصرات مسؤولية جماعية” بشراكة مع وزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان والعلاقات مع المجتمع المدني، وذلك لتقديم ومناقشة مذكرته الاقتراحية للحد من تزويج القاصرات، بالمشاركة الحضورية لممثلين عن كل من وزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان ووزارة الأسرة والمساواة والتضامن والتنمية الاجتماعية، الى جانب ثلة من القضاة والمحامين وخبراء من علم الاجتماع والقانون والشرع وجمعيات المجتمع المدني ومهتمين وباحثين، بينما شارك آخرون عبرآلية التناظر الرقمي، بالإضافة إلى نقل الأشغال مباشرة على صفحة المنتدى.
استهلت أشغال الندوة بكلمة ترحيبية من طرف رئيسة المنتدى، عزيزة البقالي، عبرت من خلالها عن شكرها وتقديرها للجهود التي تبذلها وزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان، من أجل دعم مشاريع الجمعيات الحقوقية، وتمكينها من أداء أدوارها المجتمعية. كما عبرت عن امتنانها العميق للمشاركين والمشاركات الذين استجابوا للدعوة.
بعدها أعطيت الكلمة لممثل وزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان، خالد اليمني الذي أشاد بالجهود التي يبذلها المنتدى في الدفاع عن حقوق المرأة، كما نوه بالجهد والقيمة العلمية للدراسة والبحث الميداني الذي تم إنجازهما في إطار أنشطة المشروع، وثمن إدارة المنتدى للنقاش العمومي حول تزويج القاصرات من خلال اللقاءات الحوارية التي حرصت الوزارة على حضورها ومتابعة فعالياتها.
هذا ورحب ممثل الوزارة بالمخرجات النهائية لهذا المشروع، والذي أعلن أنها ستكون ضمن التقرير التركيبي الجامع الذي ستعده الوزارة ليعكس مختلف آراء ومقترحات المجتمع التي سترفعها جمعيات المجتمع المدني، والتي من شأنها تسريع تنزيل مقتضيات الخطة الوطنية للديمقراطية وحقوق الإنسان خاصة في القضايا التي اعتبرتها الخطة خلافية ومنها قضية تزويج القاصرات.
وفي مستهل تقديم المذكرة موضوع الندوة، ثمنت عزيزة البقالي الدينامية التشريعية التي عرفتها بلادنا والتي توجت بإصلاحات دستورية مهمة في المجال الحقوقي عموما وحقوق المرأة والأسرة على وجه الخصوص، وأكدت الحاجة إلى ملائمة مختلف قوانين المملكة مع مقتضياته ومراميه.
وفي هذا السياق، توقفت عند قانون مدونة الأسرة الذي تم إقراره سنة 2004 بعد مسار طويل من المشاورات ونضال وترافع جمعيات المجتمع المدني العاملة في مجال حقوق المرأة والأسرة، لتؤكد أنه آن الأوان اليوم للمطالبة بمراجعة العديد من مقتضياته بعد مرور أكثر من 14 سنة من التطبيق. وفي هذا السياق، أوضحت المتدخلة أن المنتدى يرتكز في مقاربته لتعديل المقتضيات المتعلقة بتزويج القاصرات أو غيرها من القضايا في قانون مدونة الأسرة ككل على أربع منطلقات رئيسة أولاها ضرورة الاحتكام للمقتضيات الدستورية الناظمة لمرجعية مؤسسة الأسرة وحقوق أفرادها، وثانيها أهمية استحضار مقاصد الإسلام من الزواج، والاهتمام بحماية الطفولة والنهوض بحقوقها، وثالثها الحرص على الوفاء بالتزامات المملكة الواردة في المواثيق الدولية ذات الصلة، ورابعها الحاجة الملحة لتعميق فهم ظاهرة زواج القاصر عبر دراسات وإحصائيات علمية دقيقة.
وأكدت عزيزة البقالي، أن المذكرة تعكس قناعة المنتدى بأن محاصرة تزويج القاصرات ببلادنا تحتاج إلى مقاربة شمولية تستحضر من جهة، الجانب الاجتماعي والاقتصادي وتركز على المدخل التربوي، ومن جهة أخرى، تستند إلى القانون لأجل التأطير البيداغوجي المرحلي لهذه الممارسة المجتمعية في أفق إنهاءها. وعلى هذا الأساس، فإن مذكرة المنتدى تضمنت جملة من المقترحات لتعديل المادة 20 ومتعلقاتها من قانون مدونة الأسرة بهدف إحاطة زواج القاصر بكل الشروط والضمانات التي تجعله استثناء فعليا لا يقبل إلا في حدود ما قد تتطلبه المصلحة الفضلى للقاصر، كما اقترحت مجموعة من المقتضيات القانونية والتدابير التنظيمية الموازية لتنزيل أفضل للقانون.
ومن جهة أخرى، فإن المذكرة طالبت الجهات الوصية بالعمل على مصاحبة المقاربة القانونية باعتماد سياسة أسرية ناجعة تركزعلى إعادة الاعتبار للأدوار الأسرية، وتأهيل مكونات الأسرة، وضمان سياسة تعليمية تصون حق الفتيات في التعليم الأساسي، وكذا استكمال مسارهن الدراسي بالإعدادي والثانوي، مع مناشدتها لضرورة الانخراط المسؤول للمؤسسات الإعلامية في نشر الوعي بحقوق القاصرات.
وفي جلسة القراءات المتقاطعة للمذكرة، قدم كل من السادة أنس سعدون دكتور في الحقوق وعضو نادي قضاة المغرب، ومحمد الزردة رئيس قسم قضاء الأسرة بطنجة، وأسماء المودن محامية بهيئة المحامين بطنجة ورئيسة شبكة شمل للوساطة الأسرية، ومحمد الباكير محام بهيئة البيضاء وأستاذ القانون الجنائي بجامعة الحسن الثاني، وكاتب عام لجمعية حقوق وعدالة وجهات نظرهم في التعديلات المقترحة في المذكرة، حيث اعتبر الدكتور أنس سعدون أن ما يجعل زواج القاصرات مطروحا بقوة كموضوع على مائدة النقاش العمومي، هو كثرة المشاكل المترتبة عن هذا الزواج، والتي تترجم لاحقا في ملفات طلاق أو تطليق أو نفقة أو شكايات الطرد من بيت الزوجية أو عنف زوجي أو إهمال الأسرة، مما يؤكد هشاشة الأسر المبنية على عقود زواج أحد طرفيها قاصرا، وخاصة الزوجة، مع أن هذه الظاهرة تكون في الغالب الأعم مغلفة بأسباب الفقر والإقصاء والتهميش.. وأضاف “توجد اليوم مقاربتين، الأولى تروم منع زواج القاصرات بإلغاء الاستثناء وتثبيت القاعدة، ومقاربة ثانية تروم التقليل والحد من الظاهرة بشكل تدريجي عن طريق تحديد سن أدنى للزواج وهو 16 سنة مع إحاطة المسطرة بضمانات تهدف بالأساس حماية الطرف القاصرعن طريق الجمع بين الخبرة الطبية والبحت الاجتماعي عن طريق مؤسسة المساعدة الاجتماعية، واعتبار الخاطب طرفا في المسطرة، يشارك بدوره في البحت الاجتماعي”، واعتبر أن المذكرة التي قدمها منتدى الزهراء تختار المقاربة الثانية، حيث اقترحت تقنين مجموعة من الممارسات الفضلى التي تقوم بها بعض المحاكم لتقييد زواج القاصر من قبيل التنصيص على اسم الخاطب في المقرر الصادر بالإذن بالزواج، حتى لا يتحول هذا المقرر إلى شهادة تفيد صلاحية الطرف القاصر للزواج بشكل مطلق، وإنما ينبغي أن يكون مقيدا بوضعيات وظروف شكلت محور البحت الاجتماعي مثل احترام التكافؤ في السن بين الزوجين، وان يكون الطرف الآخر عديم السوابق ويتوفر على القدرة المادية على إنشاء أسرة ..مقترحا التنصيص على اعتماد البحث الاجتماعي المستند إلى مؤسسة المساعدة الاجتماعية، والتنصيص على توقيع الخاطب الراشد على الطلب باعتباره طرفا في الدعوى، وكذا تحمله أداء مصاريف وضع الطلب والخبرة الطبية، كما دعا إلى اعتبار طلاق القاصر طلاقا تعسفيا .. مؤكدا في ختام مداخلته على أن إشكالية تزويج القاصرات هي بالأساس مسؤولية واضعي السياسات العمومية وينبغي ألا تخرج عن دائرة الاستثناء الضيق لأن الاصل في الزواج ابرامه بين راشدين يتحملان معا مسؤلية الأسرة الموضوعة تحت رعايتهما المشتركة.
وفي نفس السياق ركز الأستاذ محمد الزردة رئيس قسم قضاء الأسرة بطنجة في تدخله على مجموعة من الاقتراحات القانونية لتقييد زواج القاصر من بينها تحديد الاختصاص المحلي بالنسبة لطالبة الإذن بالزواج، علاوة على الاختصاص النوعي باعتماد هيئة قضائية جماعية للبت في طلبات الإذن بزواج القاصر، وعلى مستوى اجراءات تحقيق الاستماع أوصى بالاستماع للخاطب كذلك، كما طالب باشتراط عدم تجاوز عمر الخاطب ضعف سن القاصر، وأوصى بإجراء البحث الاجتماعي على مستوى اسرتي القاصر والخاطب على حد سواء، كما اقترح التنصيص على دور النيابة العامة في مجال إجراء بحث موازي للتحقق من مدى احترام البحث الاجتماعي للنقط القانونية والواقعية لأسرتي القاصرة والخاطب.
ومن جهة أخرى، نبه المتدخل إلى عدم الاقتصار لمعالجة زواج القاصر على المادتين 20 و21 بل ينبغي إعادة النظر كذلك في مواد أخرى ذات صلة، من قبيل المادتين 4 و49 من المدونة، كما دعا إلى إيجاد مؤسسة للتأهيل الإجباري للزواج خاصة بالنسبة للقاصرين. الغاء ووقف ثبوت الزوجية بديل وحل، أما بخصوص السن الأدنى للزواج، فقد اعترض على تحديده في 16 سنة، لأنه سيصبح هو سن الزواج، ثم عاد ليعتبر أنه من وجهة نظره الشخصية ينبغي منع زواج القاصر نظرا للعديد من الإشكالات والآثار السلبية التي تنشأ عنه، واعتبر أن هذا الزواج دون سن الأهلية ليس في مصلحة طفولتنا.
من جهته، انتقد الأستاذ محمد الباكير التعاطي القانوني مع الموضوع، إذ أنه يركز على مفهوم القصور الذي يفترض تدابير لحماية القصور والضعف، بينما التعامل الذي ينبغي أن يكون بمنطق الطفولة مما يفرض على المشرع اعتبارها مصلحة اجتماعية محمية. وفي هذا السياق انتقد كذلك تحديد سن أدنى للزواج في 16 سنة، ودعا راسمي السياسة العمومية إلى تحمل مسؤوليتهم في اعتماد 18 سنة كسن أدنى والحزم في تنزيل ذلك، كما شدد على ضرورة تحديث تصور المجتمع المغربي لمفهوم الأسرة وللزواج والرقي بمنظوره للطفولة وتحقيق حمايتها.
وفي معرض مناقشتها للمادة 20 من قانون مدونة الأسرة، رجحت الاستاذة أسماء المودن الابقاء على الاستثناء بتزويج القاصر، مع إقرار قواعد تمكن من مزيد من الحماية للقاصر، واعتبرت أن الرهان يقع على المشرع لضبط السلوك المجتمعي وتوجيهه في اتجاه الحد من هذا الزواج الذي مازال مع الأسف يفرضه الواقع. حيث نبهت إلى أنها بحكم الممارسة المهنية وكذا الاحتكاك مع العديد من الحالات الواردة على مراكز الاستماع، ترى أن اختيار القطع مع زواج القاصر مرة واحدة، قد يؤدي إلى ظواهر أسوء كالممارسة الجنسية خارج إطارها القانوني، وإنجاب الأطفال خارج مؤسسة الزواج وغيرها، ودعت إلى اعتماد التدرج في إنهاء تزويج القاصر وتهيئ المجتمع لرفض هذا الزواج مبدئيا وواقعا.
وفي هذا الجانب ثمنت كل المقترحات التي تضمنتها مذكرة المنتدى بهذا الخصوص باستثناء مطلب تخويل النيابة العامة حق الطعن في مقرر الإذن بزواج القاصر،كما أكدت على أهمية دور المساعدين الاجتماعيين في إجراء البحث الاجتماعي الذي من شأنه أن يساعد القاضي في اتخاذ قراره بالقبول أو الرفض، وطالبت بإرساء بسياسة عمومية للأسرة.
ومن زاوية نظر شرعية مقاصدية، أبدت الأستاذة مونية الطراز بعض الملاحظات والتدقيقات بخصوص مذكرة المنتدى، كما أكدت على أن موضوع زواج القاصرات يحتاج إلى معالجةٍ قائمة على نظرٍ فقهي تجديدي من طرف المؤسسات الدينية الرسمية، بما يُفضي إلى ملائمة النصوص الشرعية مع متطلبات العصر الراهن، داعية هذه المؤسسات للأخذ بالمفهوم الحديث لزواج القاصر المرتكز على أهلية الرشد، وعدم التمسك بالمحدد القديم الذي يربط أهلية الزواج بالبلوغ. كما أبرزت المتحدثة الحاجة في موضوع الأسرة عموما والزواج على وجه الخصوص إلى تكثيف التوعية الدينية القائمة على الاجتهاد الديني.
ومن وجهة نظرعلم الاجتماع، أوضح الدكتور عبد الرحيم عنبي، في سياق مناقشته لمخرجات البحث السوسيولوجي الذي استندت عليه المذكرة، أن زواج القاصر ليس قضية اجتماعية جديدة، ونبه إلى أن قرار زواج القاصر لا يكون غالبا قرارا فرديا، حيث تتدخل فيه أطراف متعددة من الوسط العائلي والاجتماعي للفتاة، كما يرتبط بالنظرة الدونية التي مازال مع الأسف ينظر بها إلى المرأة في بعض المناطق، حيث يعتبر الزواج في بعض الأحيان تخلصا من العار، كما نبه في إطار البحث السوسيولوجي إلى أهمية البحث عن الطرف الثاني في زواج القاصر وهو الخاطب والإجابة عن سؤال لماذا يقبل الرجال وهم راشدون وقد يكونوا متقدمين في السن على الزواج بفتاة لم تصل إلى سن الأهلية. كما دعا المنتدى إلى تدقيق بعض معطيات الدراسة المتعلقة ببني ملال، حيث اعتبر أنها أغفلت الإشارة إلى الهجرة الدولية وأثرها على ارتفاع ظاهرة زواج القاصرات في المنطقة وكذا الهدر المدرسي. وفي الأخير دعا إلى العمل على تصحيح ذهنية المجتمع في ما يتعلق بنظرته إلى الأسرة وإلى الزواج وكذا في نظرته للفتاة.
وفي نهاية تدخلات الخبراء تقدمت، ذة بنسدرين وذ بنزروالة بصفتهما أعضاء اللجنة العلمية، بتقديم التوضيحات اللازمة حول العمل العلمي الذي تم إنجازه، كما تفاعلا مع بعض الملاحظات والقضايا المثارة، وبعد ذلك تقدم باقي المشاركين والخبراء الحاضرين والمتابعين عن بعد بتقديم اقتراحات وملاحظات إضافية على توجهات واقتراحات المذكرة التي أعده المنتدى ليختتم اللقاء بتجديد الشكر للسادة والسيدات الأعضاء المشاركين في أشغال هذه الندوة العلمية وللحضور الكرام.
وجدير بالذكر أن المذكرة الاقتراحية موضوع الندوة تأتي كثمرة مباشرة لعمل بحثي وتشاوري تم إجراءه من قبل منتدى الزهراء للمرأة المغربية سنة 2019، والذي اهتم بتسليط الضوء على وضعية تزويج القاصرات، من خلال إنجاز دراسة قانونية عنيت بتحليل المقررات القضائية الصادرة في الموضوع على ضوء المقتضيات القانونية والتزامات المغرب الدولية، كما نهلت من التجارب المقارنة، بالإضافة إلى إجراء بحث ميداني سوسيولوجي عمل على استقراء أسباب انتشار هذا الزواج والآثار المترتبة عنه استنادا إلى تجارب وشهادات من الواقع لعينة نموذجية من النساء اللواتي تزوجن دون سن الأهلية تم انتقاؤها من جهتي الرباط-سلا-القنيطرة، وبني ملال. علاوة على ذلك، فقد استندت إلى ما تراكم لدى المنتدى من حصيلة في مجال مواكبة تطبيق المدونة من خلال مراكز الإرشاد الأسري لشبكة منتدى الزهراء للمرأة المغربية التي تتكون من أزيد من 130 جمعية نسائية تتوزع على مختلف جهات المملكة.
بيان اليوم