البرمجة الميزانياتية لثلاث سنوات 2022-2024

وجه رئيس الحكومة، بتاريخ 17 مارس 2021، منشوراً إلى القطاعات الوزارية يدعوها فيه إلى تقديم مقترحاتها بخصوص البرمجة الميزانياتية لثلاث سنوات 2022-2024، وذلك تفعيلا لمقتضيات القانون التنظيمي للمالية. حيث ينص هذا الأخير، في مادته الخامسة، على أنه “يتم إعداد قانون المالية استناداً إلى برمجة ميزانياتية لثلاث سنوات، وتحين هذه البرمجة كل سنة لملاءمتها مع تطور الظرفية المالية والاقتصادية والاجتماعية للبلاد”. وللتذكير، فإن هذا المقتضى من القانون التنظيمي للمالية دخل حيز التنفيذ سنة 2019.
هكذا، فأعضاء الحكومة والمندوبون السامون مدعوون إلى تقديم مقترحاتهم الميزانياتية المدعومة بأهداف ومؤشرات نجاعة الأداء، وذلك بالاستناد إلى التوجهات العامة التي تضمنها المنشور الذي أشرنا إليه أعلاه. وهي نفس المنهجية المُعتمدة في إعداد مشاريع قوانين المالية السنوية.
بالطبع، فإعداد البرمجة الميزانياتية المتعددة السنوات يتم في ظرفية وطنية ودولية مطبوعة بكثير من الاضطرابات واللايقنيات التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار. ومن هنا كان الحذر واليقظة حاضرَيْنِ بقوة.
هكذا، فالتوجهات الأساسية الخاصة بالفترة 2022-2024 تندرج ضمن هذا المنطق. فهي لا تختلف كثيراً عن تلك التي تحكمت في قانون المالية للسنة الجارية 2021. وترمي هذه التوجهات إلى التحكم في نفقات الموظفين؛ توطيد التدبير الأمثل للنفقات المرتبطة بالشأن العام من خلال ترشيد نمط عيش الإدارة؛ تحسين فعالية الاستثمار العمومي مع إعطاء الأولوية للمشاريع التي توجد قيد الإنجاز وإنجاز دراسات قبلية لتقدير الأثر الاقتصادي والاجتماعي؛ ترشيد إعانات الاستثمار المُقدَّمَــة للمؤسسات والمقاولات العمومية؛ التسوية المُسبقة لوضعية العقار؛ تفعيل مبدأ الأفضلية الوطنية؛ وتعزيز مقاربة النوع والمساواة بين الجنسين…
يتعلق الأمر، إذن بشكل واضح، بمواصلة الطريق التي تم تحديدها في الخطب المَلَكية الأخيرة، والتي شكلت مرجعية أساسية لمنشور رئيس الحكومة. ويتعلق الأمر بثلاثة أوراش أساسية: إنعاش الاقتصاد والتشغيل؛ تعميم الحماية الاجتماعية؛ وإصلاح القطاع العام.
أما بخصوص التوقعات المرقمة، فالحكومة تراهن على نسبة نمو متوسطة في حدود 4%خلال السنوات الثلاث المقبلة، وهو ما يقل ب0.5 نقطة عن التوقعات التي سبق وضعها. كما تُراهن على عجزٍ للميزانية ب5% “بما فيها مداخيل الخوصصة”، وعلى معدل للتضخم لا يتجاوز 1%. أما بالنسبة لسنة 2021 فمعدل النمو المنتظر فقد يبلغ 4.8% مقابل -6.7% سنة 2020.
وهكذا، فالحكومة، التي توجد في آخر ولايتها، نرى أنها اكتفت ب”الحد الأدنى للخدمة”، إنْ صَحَّ التعبير، دون أن تُكلف نفسها عناء بذل أي مجهود خلاق أو الإعلانَ عن أي طموح ما.
وطبعا، لن يتردد البعض في تسجيل نوع من التناقض بين حكومة تعيش شهورها الأخيرة، وبين إعداد نفس هذه الحكومة لبرمجة ميزانياتية لثلاث سنوات.
إنما في الحقيقة، نعتقد من جهتنا أن هذا التخوف غير وارد في سياقنا المغربي، وذلك لسببين اثنين على الأقل: سبب ذو طابع مؤسساتي وآخر قانوني.
السبب الأول يمكن التعبير عنه بصيغة مركزة مفادها أن “الحكومات تمر والدولة تستمر”، ويترتب عن هذا المنطق أن الاختيارات الاستراتيجية والتوجهات الكبرى للبلاد يحددها الملك طبقاً للدستور الذي يحدد بشكل واضح السلطات وتوزيع الاختصاصات. وهو ما يشكل مصدراً للوضوح ويمنح لبلادنا دعامات الاستقرار والاستمرارية في الاختيارات والأسبقيات الكبرى.
أما السبب الثاني، فيعود إلى طبيعة قوانين البرمجة المتعددة السنوات. حيث كما سبق أن أشرنا إلى ذلك، فالبرمجة الميزانياتية لثلاث سنوات ليست جامدة، بل على العكس فهي تُحيَّنُ كل عامٍ بمناسبة إعداد أي مشروع قانون سنوي للمالية. وتخضع، بالتالي، إلى تعديلات ومراجعات سنوية لملاءمتها مع الظرفية الاقتصادية والاجتماعية. وهذا ما يحدث أيضا بالنسبة لقوانين المالية التي يتم تعويضها بقوانين مالية معددلة، وكذا بالنسبة للقوانين، بصفة عامة، التي تعرف بدورها تعديلات، أو يتم إلغاؤها بشكل نهائي.
وعليه، فالحكومة مطالَبة قانونياً بتقديم البرمجة الميزانياتية لثلاث سنوات أمام لجنتي المالية بالبرلمان في أجل لا يتجاوز 31 يوليوز. وفي انتظار ذلك تم وضع برمجة لعقد لقاءات بين المسؤولين عن الميزانية وممثلين عن مختلف القطاعات الوزارية، خلال الفترة ما بين 15 أبريل و10 مايو. وهو ما يترك مُتسعاً من الوقت لمديرية الميزانية من أجل القيام بالتحكيمات الضرورية وبناء البرمجة الميزانياتية الخاصة بالسنوات الثلاث المقبلة.
طبعا، فالحكومة التي ستنبثق عن الانتخابات القادمة، والتي نتمنى أن تكون قريبة من واقع شعبنا ومهتمة بانتظاراته، لها كل الصلاحية لكي تراجع هذه البرمجة، إن هي اعتبرت ذلك ضرورياً، حتى تكون متلائمة مع برنامجها والتزاماتها تُجاه الناخبين. إلا أن التقويم والتحسين لا يعني بتاتاً قلب الأمور رأسا على عـقب. فدستورنا، في نصه وروحه، لا يقبل بهكذا ممارسة. وعلى أي حال، علينا أن نكون مرتاحين لذلك. فمرحباً بالتغيير الديمقراطي.

> بقلم: د. عبد السلام الصديقي

Top