في ردة فعل، ربما يكفلها القانون من دون شك، وتضمنها أدبيات العمل الحكومي ومنظومة الجوائز، عالميا، أقدم وزير الثقافة المغربي محمد المهدي بنسعيد على سحب جائزة المغرب للكتاب، في عدة أصناف، من تسعة كتاب مغاربة رفضوا اقتسام الجائزة مناصفة مع أقرانهم. والمناصفة في الجوائز أمر معهود عالميا. رغم تسجيلنا كثرة الجوائز التي منحتها لجنة التحكيم مناصفة بين كاتبين اثنين، عن سنة 2021، ربما بشكل غير مسبوق.
وإذ أصدر الوزير قرار سحب الجائزة، أو بالأحرى نصف الجائزة، من الكُتاب التسعة الموقعين على بيان الاحتجاج ورفض اقتسام الجائزة، لم يكن الوزير ربما يدري أنه دفع بموضوع الكِـتاب والقراءة إلى واجهة الأحداث الوطنية، موازاة مع النقاش العمومي الدائر حول اعتراف إسبانيا بمخطط الحكم الذاتي في الصحراء المغربية. وعلى أهمية نقاش الصحراء، القضية الوطنية الأولى، فإنه لم يحجب الحديث عن جائزة المغرب للكتاب، بين مؤيد ومعارض ومحايد. وحسنا فعل الكتاب الرافضون والوزير الرافض لرفضهم، إذ جعلوا أطيافا واسعة من الشعب المغربي تتحدث عن الكِـتاب والقراءة، وتعلم بوجود شيء تحت مسمى “جائزة المغرب للكتاب”، أعرق جائزة بالمغرب، مع جائزة الحسن الثاني للمخطوطات التي هي أيضا يجهلها الكثيرون، بين المتعلمين، بين المثقفين أنفسهم، بينما يعلم كثير من القرويين بجائزة الحسن الثاني تلك، ويقبلون على المشاركة فيها.
وإذ نأسف حقا لشد الحبل بين تسعة كتاب مغاربة وبين رجل يمثل الدولة، فإنهم جميعهم قد فعلوا خيرا، من باب عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم. على الأقل، أصبح الكِـتاب والقراءة موضوع نقاش عمومي، في الساحة العمومية. لعل هذا العام يعرف ارتفاعا غير مسبوق في منسوب القراءة واقتناء الكتب والدراسات، وإقبالا متميزا على المعرض الدولي للنشر والكتاب، كيفا وكما، في دورة 2022 بالرباط، للاغتراف من المعرفة وليس فقط للتباهي، على وسائط التواصل، بأكياس معبأة بكتب لن نقرأها.
ورغم تضامننا المبدئي مع أي كاتب وكاتبة، ونحن معهم في خندق واحد، نأسف كثيرا لكون الكتاب المغاربة التسعة الرافضين لـ “المناصفة” تناسوا القيمة الاعتبارية العظيمة لجائزة المغرب للكتاب، كما في أي بلد وجائزة، وفضلوا التسوق بالجائزة، حتى لا نقول التسول، ولذاك قد تغافلوا عن العوائد المالية لعدد الطبعات التي تلي الطبعة الأولى، ليس فقط لقيمة تآليفهم، وإنما بفعل حصولهم على جائزة. وللمؤلف نصيب من الطبعات اللاحقة، نصيب مضاعف وشروط نشر جديدة، وقيمة اعتبارية لا تضاهى. علما أن الكاتب يظل دوما هو الحلقة الضعيفة في صيرورة صناعة الكِــتاب.
كثيرة هي التآليف الثمينة والهامة جدا، لكنها لا تتوفق حتى في استنفاذ طبعتها الأولى، ولو من 500 نسخة، في مجتمع ضعيف الإقبال على القراءة. وأنا ممن يرفضون إشاعة “مجتمع لا يقرا”، وإلا لكانت دور النشر والمكتبات قد اندثرت.
ومن رفض الجائزة، يمكن أن تسحب منه. ولماذا لم يرفض الكتاب المعنيون الجائزة يوم استلموها؟ ومنهم من احتفى بها في لقاءات فكرية. لماذا لم يطرقوا الخزان؟
الكاتب الرائع، أحمد بوزفور سبق له أن رفض استلام جائزة المغرب للكتاب، وقد علل رفضه بكل أدب لكون الناشر لم يبع أكثر من خمسمائة (500) نسخة من مؤلفه، فخجل من استلام جائزة عن كتاب لم يقرأه إلا بضعة أشخاص. رفض بوزفور، البطولي، لم يعلم به ولم يطلع عليه الشعب. أما اليوم، فإن رفض اقتسام المبلغ المالي لجائزة الكتاب صار موضوع كل ركب ولسان، وكل قافلة وسيارة.
نأمل أن يكون الكتاب هو موضوع نقاش عمومي جديد، لا المبالغ المالية المرصودة لجوائزنا، على هزالتها، والتي تستوجب المراجعة. ولعل هذه “الأزمة” تكون مناسبة لمناقشة جدية لسوق الكتاب، ولطرح جدي لقضية الصناعات الثقافية، ليس مثلما يريدها البعض، ممن لا يرون فيها سوى ضخ أموال جديدة في أرقام معاملاتهم السنوية.
وإلى جائزة أخرى، ونقاش آخر، ساخن وعمومي، عن الكِـتاب والقراءة، وسؤال الثقافة عموما.
والثقافة في المغرب، اليوم، ومنذ أمد بعيد، تحتاج إلى حوار وطني شامل وموسع، في تشارك مع كل الفاعلين في حقل الثقافة من مبدعين وحكومة وقطاع شبه عمومي وخواص وجمعيات مدنية.
تحية عالية.
بقلم: أبو القاسم الشـــبري