قال محمد نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، إن الحكومة الحالية ضعيفة وهشة وغير قادرة على مباشرة الإصلاحات الضرورية ومواجهة الأزمات والزيادات الكثيرة في أسعار مختلف المواد.
وأضاف بنعبد الله الذي كان يتحدث مساء أول أمس الثلاثاء في ندوة صحفية نظمها حزب التقدم والاشتراكية لتقديم مخرجات أشغال الدورة التاسعة للجنة المركزية بمقره الوطني بالرباط، أن الحكومة فاقدة للإرادة في الإصلاح، ولا تريد اتخاذ إجراءات عملية لتخفيف وطأة الزيادات عن المواطنات والمواطنين، خصوصا الزيادات المهولة التي عرفها قطاع المحروقات.
وقدم بنعبد الله، خلال ذات الندوة التي حضرها أعضاء المكتب السياسي للحزب، نماذج لمجموعة من الدول القريبة من المغرب والتي يتعامل معها باستمرار وفي مقدمتها كل من إسبانيا وفرنسا اللتان اتخذتا إجراءات للتخفيف من حدة الزيادات التي عرفتها المحروقات في العالم بسبب الإضرابات الدولية والحرب الروسية – الأوكرانية، معتبرا أنهما نموذج لما يمكن القيام به لحفظ القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين.
ويرى زعيم حزب التقدم والاشتراكية أن الحل يكمن في الإعفاء أو التقليص الضريبي بالنسبة للمحروقات من أجل تخفيض ثمنها أو على الأقل تسقيف أرباح الشركات الموزعة للمحروقات وتقليص هوامش ربحها إلى حين انقضاء الأزمة، مستغربا عدم لجوء الحكومة لأي حل من أجل تقليص لهيب أسعار هذه المواد التي تمس جيوب المغاربة.
وبعدما أشار إلى الدعم المحدود الذي شمل مهنيي النقل فقط، عاد بنعبد الله للتأكيد على أن هناك حاجة لاتخاذ إجراءات عاجلة لتخفيف حدة هذه الزيادات لتجنب الوصول إلى أمور متطورة، خصوصا في ظل تلويح مهنيين بالإضراب، مشيرا إلى أن عدم اتخاذ الحكومة لأي إجراء يعري ويكشف بالملموس مشكل تضارب المصالح الذي تتخبط فيه.
وتساءل بنعبد الله عن وعود الحكومة والتزاماتها تجاه المغاربة والتي قطعتها على نفسها خلال انتخابات 8 شتنبر الماضي، وكذا ما التزمت به في برنامجها الانتخابي وتبنيها النموذج التنموي الجديد، حيث قال إن لا شيء من ذلك تحقق ولا حتى خرجت الحكومة للتوضيح بشأنه وحول آجال تنفيذ التزاماتها وبرامجها.
وأوضح بنعبد الله أن كل ما تقوم به الحكومة الحالية بعيد عن النموذج التنموي الجديد ويزيد في تأخير تنزيله، مشيرا إلى أن اللجنة التي تكلفت بصياغته أكدت بدورها على أن هناك حاجة للشروع في تنفيذ النموذج الجديد من السنة الحالية ليحقق أهدافه في 2035، في الوقت الذي لم تشرع فيه الحكومة في تنزيل أي هدف مسطر من النموذج التنموي الجديد، وبالتالي تأخير في زمن التنفيذ وضياع للزمن التنموي.
وأكد الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية أن الحكومة مطالبة على الأقل بالخروج أمام المواطنات والمواطنين والتفاعل معهم، وإخبارهم بما تفكر فيه وما تعتزم القيام به والأمد الزمني لكل برنامج، وتشرح حتى الوضعية الصعبة التي جاءت فيها وما يعرفه العالم من مشاكل بسبب الحرب وأزمة الطاقة والغذاء، معتبرا أن ذلك يدخل ضمن الأداء السياسي الذي تقول مكونات الأغلبية إنها تملكه، في الوقت الذي تغيب فيه بشكل مطلق عن السياسة وعن اللمسة السياسية المطلوبة.
وشدد المتحدث نفسه على أن النموذج التنموي الجديد لا يمكن له النجاح إذا لم تقف خلفه حكومة سياسية، مجددا التأكيد على أن الحكومة الحالية بعيدة عن ذلك، وبعيدة عن جوهر خلاصات النموذج ولا تمتلك جينات الدفاع عنه ولا عن ما جاء به، وفي مقدمتها محاربة اقتصاد الريع.
في هذا السياق، قال بنعبد الله إن محاربة اقتصاد الريع يتطلب اتخاذ قرارات جريئة، في حين أن الحكومة الحالية لم تقم بشأن ذلك بأي مبادرة، معتبرا أن الإرادة الحقيقية للإصلاح تبدأ من خلال محاربة هذا الريع والقطع معه بصفة نهائية والقطع ما تضارب المصالح الذي يفسد العملية السياسية والتدبير الحكومي.
إلى ذلك، جدد بنعبد الله تأكيده على أن الحكومة الحالية وإلى جانب هفواتها الاجتماعية الكثيرة، أهملت بشكل كلي البعد الحقوقي والسياسي والديمقراطي في برنامجها وحتى في عملها، محذرا من هذا التوجه الذي يمس بالمشهد العام ويمس بما تبقى من المصداقية في العمل السياسي.
وعاب زعيم حزب “الكتاب” على الحكومة عدم اهتمامها بالفضاء السياسي والديمقراطي وركونها إلى الافتخار بالأغلبية العددية عوض الانفتاح على باقي القوى الاجتماعية والسياسية وإشراك مختلف الفاعلين في النقاش خصوصا في ظل المرحلة الراهنة التي تعرف مجموعة من الصعوبات.
وأردف بنعبد الله أن الأغلبية مطالبة بالاستفاقة من سباتها وأن تشتغل بجد، وأن لا تغتر بالأغلبية العددية وأن تمارس العمل السياسي كما يجب، محذرا في هذا الصدد من عدد من الممارسات التي تتم والتي تمس بالمؤسسات والعمل السياسي، من قبيل رفض الحكومة الجلوس مع المعارضة والاعتماد عليها في النقاشات والتصورات، فضلا عن مشكل الغياب المتكرر لرئيس الحكومة عن جلسات المساءلة الشهرية، الأمر الذي اعتبره خطرا على الديمقراطية والمؤسسات وعلى ثقة المواطنات والمواطنين.
وعن تبريرها الأزمة استنادا إلى ما تم خلال الحكومات السابقة، انتقد بنعبد الله بحدة لجوء الحزب الذي يقود الائتلاف الحكومي الحالي إلى تبرير مجموعة من المشاكل بالسياسات التي تمت في الحكومتين السابقة، حيث قال إن مختلف القرارات وخصوصا القرارات المالية، بما فيها قرار رفع الدعم عن المحروقات كان الحزب المذكور مساهما في الحكومة ويتحمل أهم الحقائب وفي مقدمتها وزارة الاقتصاد والمالية التي كانت صاحبة القرار.
وكشف بنعبد الله أن الحزب الذي يقود الحكومة والذي شارك في الحكومتين السابقتين تحمل مسؤولية وزارة المالية وكان من أشد المدافعين عن مختلف القرارات والسياسات التي تم اتخاذها، مضيفا أن الحزب نفسه هو من رفض بالمقابل توزيع الدعم المباشر على الأسر المعوزة تحت ذريعة الصعوبات في التحديد والوصول لهذه الفئات، قبل أن تأتي كورونا لتؤكد نجاعة هذا البرنامج وسهولة الوصول إلى الفئات المحتاجة.
كما عاب بنعبد الله على الحزب الذي يقود الحكومة رفضه لمجموعة من البرامج الاجتماعية في الحكومتين السابقتين تحت ذريعة الصعوبات المالية، قبل أن يضعهما ضمن برنامجه الانتخابي، مشيرا إلى أن الحزب حصل على الأغلبية وشكل أغلبيته المريحة بالبرلمان وأضحى مطالبا بتنفيذ هذه السياسات التي وعد بها وأن يصلح الوضع الموجود لا أن يرتكن إلى سياسة التشكي والتبرير، منبها لخطورة مثل هذه الممارسات على المؤسسات وعلى الفضاء السياسي والديمقراطي.
من جهة أخرى، وفي ما يتعلق بالشأن الداخلي لحزب التقدم والاشتراكية، توقف بنعبد الله عند أبرز ما عرفته الدورة التاسعة من اللجنة المركزية، حيث أبرز ما تم عرضه في تقرير المكتب السياسي الذي جرى تقديمه ومناقشته والمصادقة عليه بالإجماع.
كما توقف زعيم الحزب عند بعض الأحداث التي صاحبت انعقاد الدورة التاسعة للجنة المركزية يوم السبت الماضي، حيث أوضح أن ردة فعله وردة فعل عدد من المناضلات والمناضلين على محاولة بعض من وصفهم بـ “المأجورين” الذين هاجموا المقر الوطني للحزب وحاولوا نسف اجتماع اللجنة المركزية بطرق “بلطجية”، تأتي في إطار الانفعال الإنساني الطبيعي.
وشدد بنعبد الله على أن ردة الفعل هذه جاءت في سياق عفوي، وفي سياق دافع فيه الحزب عن ذاته وتجنب إفشال الاجتماع من قبل عناصر مسخرة ومأجورة جرى استقدامها من طرف بعض الأفراد الذين لا امتداد داخلي لهم. موضحا أن الأمر يتعلق بخمسة عناصر تم طردهم لأسباب أخلاقية ولكونهم لم يستطيعوا تدبير مسارات شخصية داخل الحزب كما عبروا عن ذلك.
إلى ذلك، لفت بنعبد الله إلى أن مسلسل التحضير للمؤتمر الوطني الحادي عشر انطلق بعد المصادقة بالإجماع خلال الدورة الماضية من اللجنة المركزية على تقرير المكتب السياسي وعلى المقرر التنظيمي وعلى التقرير التركيبي المتعلق بالنقاش الوطني الذي عرفه الحزب حول وثيقة “مداخل للتفكير والنقاش”، وكذا المصادقة بالإجماع على مختلف لجان التحضير للمؤتمر.
وأكد بنعبد الله على أن العمل سيتواصل بكثافة على مدى الأشهر الحالية وطنيا وجهويا ومحليا من أجل أن إنجاح محطة المؤتمر الوطني التي من المرتقب أن تكون في منتصف نونبر المقبل.
وعن طموح الحزب خلال المؤتمر المقبل، أبرز بنعبد الله أن مناضلات ومناضلي الحزب يسعون لجعل المؤتمر الوطني الحادي عشر محطة سياسية نوعية لتجميع القوى اليسارية والتقدمية، حيث قال إن مؤتمر نونبر المقبل لن يكون فقط محطة تنظيمية داخلية لحزب التقدم والاشتراكية، وإنما محطة بدلالات سياسية وحدثا مهما من أجل تقديم بديل ديمقراطي تقدمي.
وأوضح أن الحزب يسعى لأن يخلق المؤتمر رجة حقيقية لإعطاء نفس جديد في الساحة السياسية، وذلك عبر الاضطلاع بدور محوري في تجميع كل الطاقات والقوى الحية بالبلاد، وإعطاء بعد جديد للعمل السياسي والانفتاح على قوى سياسية واجتماعية مختلفة، مشيرا إلى أن حزب التقدم والاشتراكية لا يمكن أن يقدم وحده بديلا ديمقراطيا تقدميا، حيث يرى أن بلورة هذا البديل لن تكون ممكنة إلا إذا التفت حوله قوى اجتماعية وسياسية مختلفة من أحزاب ونقابات، وهو ما سيساهم في بروز حركة اجتماعية قوية، ومواطنة قادرة على تقديم الأجوبة لهذه المرحلة المعقدة.
إلى جانب ذلك، كشف بنعبد الله سعي حزب التقدم والاشتراكية إلى تذويب الخلافات بين مكونات المعارضة، والعمل على توطيد العلاقة بين الأحزاب المشكلة لها، وتجاوز الخلافات القائمة في السابق.
وأكد بنعبد الله أن التنسيق من داخل مجلس النواب وصل درجات متقدمة من خلال أيام دراسية مشتركة ومن خلال تكثيف التعاون، مردفا أن هناك تعاونا بين مكونات المعارضة لرفع التنسيق والتعاون بشكل أكبر.
في نفس السياق، أكد بنعبد الله، أن حزب التقدم والاشتراكية يسعى كذلك إلى تذويب الخلافات بين مكونات اليسار والعودة إلى التنسيق والعمل المشترك، حيث أشار إلى أن الحزب باشر هذه العملية عبر ربط الاتصال بالأمينة العامة لحزب الاشتراكي الموحد نبيلة منيب، حيث من المرتقب أن ينظم الحزبين لقاء مشتركا في الأيام القليلة المقبلة.
محمد توفيق أمزيان
تصوبر: رضوان موسى