تفشي الأخبار الزائفة والتهويل خلال الأزمات.. في الحاجة إلى التنزيل الفعلي لقانون الحق في الولوج إلى المعلومة

يعد الحق في الولوج إى المعلومة من الحقوق والحريات الأساسية التي نصت عليها معظم الدساتير والقوانين الوطنية الخاصة بمختلف دول العالم، كما أنه محرك أساسي لسير الديموقراطية في المجتمعات، وتعزيز الشفافية وثقافة المحاسبة، وتكريس المشاركة المواطنة في إدارة الشؤون العامة، وضمان ممارسة الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وربط المسؤولية بالمحاسبة، ولتجاوز انعكاسات وآثار تسيير الشأن العام تحت طائلة التعتيم، بهدف تحقيق اتفاق مشترك حول القضايا التي تشغل بال المجتمع، خاصة وأن المعلومة أضحت من أفضل الوسائط لإخبار المواطنين وإشراكهم في الحياة العامة، ولأننا أصبحنا نعيش في عصر أصبح فيه الحصول على المعلومة أمرا حتميا وضروريا في ظل تعاظم الثورة التكنولوجية وتطور وسائل الاتصال والإعلام التي جعلت العالم بمثابة قرية كونية صغيرة تنتشر فيها المعلومة بكل سهولة ويسر.
وتتعاظم أهمية الوصول إلى المعلومة خلال سياق الأزمات والأوضاع الطارئة والمخاطر الأمنية والكوارث الطبيعة والصحية والاجتماعية، بحيث تكتسي المعلومة في مثل هذه الظروف أهمية قصوى باعتبارها علامات للإنذار المبكر، تساعد على كشف الأزمات قبل وقوعها والتقليل من حدثها فتسهل التعامل معها وتجاوزها، غير أن معدل انتشار الأخبار الزائفة يتزايد خلال الأزمات وهو ما تقتات عليه الصفحات المشبوهة ومنصات التواصل الاجتماعي التي تروج للأخبار الزائفة والمغالطات لخدمة أجندات معينة، أو التأثير والضغط على الجهات المسؤولة وصناع القرار، وتعتبر جائحة كورونا من الأزمات التي جعلت العالم أمام أول وباء معلوماتي هز سكينة وطمأنينة البشرية جمعاء، بحيث تفشت مجموعة من المغالطات والأخبار الزائفة بثت الهلع والذعر في نفوس المواطنين الذين وضعتهم الأزمة في حالة قلق، خاصة وأنهم غير معتادين على أزمة صحية عنيفة من هذا النوع، إذ صار الجميع يبحث بإلحاح عن المعلومات التي تعرفهم بالوباء وبطرق الوقاية منه والتعامل مع الأزمة الصحية وكيفية تفادي العدوى، ومعرفة الإجراءات الوقائية التي تفرضها الوزارات والهيئات الحكومية الوصية، مما سهل من انتشار إرشادات طبية خاطئة وطرق وهمية للوقاية والعلاج من الفيروس عمقت الأزمة عوض التخفيف من حدثها، إلى جانب تفشي العديد من الأخبار التي تزعم أنها تحارب الأخبار الكاذبة بينما هي على شكليتها تزيد الطين بلة، وفبركة بلاغات رسمية للسلطات العمومة زادت من هلع وقلق عدد من المواطنين، ما شكل تحديا رهيبا أمام الحكومات ووسائل الإعلام وشركات التكنولوجيا الكبرى لمحاربة الأخبار الزائفة والتهويل.
ولا يختلف اثنان عن كون وسائل الإعلام تتبوأ مكانة خاصة في تدبير الأزمات لسيطرتها على المعلومة ولدورها في ربط الاتصال بين الجمهور والسلطات، بحيث يصبح الإعلام المسيطر والمحرك الرئيسي للرأي العام خلال الأزمات، لدى كانت مسؤولية تدبير الأزمة الصحية بشكل كبير على عاتق هذه الوسائل، ولمواجهة تفشي الأخبار الزائفة والتهويل عملت مختلف دول العالم بما فيها بلادنا على تعبئة وسائل الإعلام، والتي شكلت خلايا إعلامية تعمل على تصحيح المغالطات وتزويد المتتبعين بالمعلومات قصد السيطرة على الوضع، فضلا عن الاهتمام بجانب التواصل وضمان تقريب المعلومة الصحيحة من المواطن وتعزيز الحق في الولوج إلى السالفة الذكر، وذلك لأن المعلومة السليمة تشكل العامل الرئيسي والأساسي المؤدي إلى اتخاذ القرارات السليمة وتبني السلوكيات المطلوبة، لمجابهة الأزمة ووضع خطط شاملة لضمان التدبير الناجع ودرء المخاطر.
وفي سياق متصل، نجد أن أزمة زلزال الحوز الذي ضرب جنوب غرب المغرب أبانت بدورها عن أهمية الوصول إلى المعلومة الصحيحة والدقيقة لتفادي الترويج لمعلومات مغلوطة ومضللة، من شأنها أن تغذي حالة الخوف والهلع لدى السكان، فمنذ الساعات الأولى من الزلزال انتشرت العديد من الأخبار المضللة والشائعات على مواقع التواصل الاجتماعي والصفحات المجهولة، ما ضاعف حالة الخوف والهلع لدى ساكنة المنطقة، حيث نشر رواد مواقع التواصل الاجتماعي صورا ومقاطع فيديو لكوارث طبيعية وانهيار مباني ومنشآت حيوية سبق أن وقعت في بلدان أخرى على أساس أنها من مخلفات زلزال الحوز، كما جرى تداول أخبار زائفة حول تصدع السدود بفعل الهزات الارتدادية، وأنه من المنتظر نزول أمطار عاصفية قوية ستضرب المناطق المجاورة للحوز، وعن اقترب أمواج تسونامي المرعبة من سواحل المغرب، فضلا عن انتشار شائعة حول تحطم مروحية كانت تعمل على إيصال المساعدات إلى ضحايا الزلزال، إلى أن جاءت بيانات ومعطيات رسمية تكذب هذه الأخبار المفبركة.
ويمكن القول إن نشر الأخبار الزائفة في مثل هذه الظرفية العصيبة لا تنتهك حق المواطنين في المعلومة فقط، وإنما تؤدي إلى تهويل الحدث وترويع المواطنين، ما قد يؤدي إلى انعكاسات غير مرغوب فيها تأثر سلبيا على عملية إيصال المساعدات، وعلى عمليات الإنقاذ التي باشرتها السلطات العمومية والجهات المختصة بشكل مباشر فور حدوث الكارثة.

المعلومة أساس الاستقرار
تعتبر المعلومة رأس مال قوي لا يمكننا الاستهانة به خصوصا وأننا قد تحولنا من عصر الصناعة نحو عصر المعلومة، إذ صار توفير المعلومة في السياق العام أو خلال الأزمات على وجه الخصوص هو الضامن للاستقرار المادي والمعنوي، ولتفادي اتخاذ القرارات أو القيام بإجراءات قد تعمق الأوضاع عوض التخفيف من حدثها، ولعل جائحة كورونا وزلزال الحوز خير دليل على ما سبق ذكره، فالحصول على المعلومة في توقيتها المناسب يجنبنا سوء الفهم والتأويل ونشر نظرية المؤامرة التي أصبحت تعمم على عدد من الوقائع والأحداث، إلى جانب الوقاية من بث حالة الخوف والهلع والذعر في نفسية المتلقي والحفاظ على استقراره النفسي وسلامه الداخلي، وعلى سبيل المثال نجد أن سيول الأخبار الزائفة المرتبطة بالفيروس التاجي تسببت في إصابة الكثير من الأشخاص بنوبات الهلع والخوف الهستيرية، ودخولهم في حالة اكتئاب خطيرة وصلت ببعضهم إلى حد الانتحار ووضع حد لحياتهم، فقط لكون أن الأزمة لم تتم إدارتها بالشكل المطلوب، ونظرا لعدم جاهزية الجهات المعنية على توفير المعلومات الدقيقة بشكل فوري في الظرفية الأولى من الأزمة، وكذلك لعدم توفير خطط استباقية لتدبير الأزمة ولكثرة التهويل والتضخيم الذي شهدته الجائحة، وهو ما يبرز دور وأهمية المعلومة في التخطيط الاستراتيجي للوقاية من الأزمات، باعتبارها تمثل الخطوة الأولى والأساس للتعامل مع الأزمة في مراحلها الأولى، واستخدام ما يلزم من الإجراءات لتفادي تطورها وضمان اتخاذ القرار السليم المبني على المعلومة الصحية.

الحق في الحصول على المعلومة من المصادر الوطنية
شهد المغرب تطورات مهمة على مستوى حقوق الإنسان والتي تعززت بالإصلاح الدستوري الأخير الذي أتى في سياق التفاعل مع المتغيرات الوطنية والدولية، وذلك بعد أن تنامت مطالب المجتمع المدني والسياسي والفاعلين الإعلاميين حول تعزيز وتثمين حقوق الإنسان بالمملكة، فعلى المستوى الدولي تزايد الاهتمام بحقوق الإنسان والحريات العامة والقضايا الديمقراطية من طرف المنظمات والهيئات الدولية التي تعنى بالدفاع عن حقوق الإنسان وتسهر على التزام كل الدول بهذه الحقوق.
ويعد الحق في الحصول على المعلومة حقا دستوريا مكفولا وفق ما تتضمنه المادة 27 من دستور المملكة الصادر بتاريخ 1 يوليوز 2011، والذي ينص في فقرته الأولى على أنه “يمكن للمواطنين والمواطنات المغاربة والأجانب المقيمين بشكل قانوني في المغرب من الحصول على المعلومات ذات الطابع العام في حوزة الإدارات العمومية والمؤسسات المنتخبة والهيئات المكلفة بالمرفق العام، ولا يمكن تقييد هذا الحق إلا بمقتضى القانون، بغرض حماية كل ما يتعلق بأمن الدولة الداخلي والخارجي والدفاع الوطني والحياة الخاصة للأفراد، وكذا الوقاية من المس بالحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور، وحماية مصادر المعلومات والمجالات التي يحددها القانون بدقة”، ما يعني أن المسؤولين التابعين للإدارات العمومية والهيئات الحكومية أصبحوا ملزمين بضمان تسهيل حصول المواطنين على المعلومة وتوفيرها لهم.
في حين ينص الفصل 25 من الدستور ضمنيا على حرية الفكر والرأي والتعبير والإبداع والنشر والعرض، فضلا عن الفصل 28 الذي يقر حرية الصحافة وعلى أنها غير مقيدة بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية، وأن للجميع الحق في التعبير ونشر الأخبار، والأفكار، والآراء، بكل حرية من غير قيد، عدا ما ينص عليه القانون صراحة، بحيث أن كل الحقوق السالفة الذكر لا يمكن أن تتحقق إلا بضمان الحق في الولوج إلى المعلومة.
وفي سياق تكريس النص الدستوري تم بموجب قانون الصحافة والنشر إقرار حق الصحفيين والصحفيات ومؤسسات وهيئات الصحافة في الولوج إلى المعلومات ومختلف مصادر الخبر لضمان حقوق المواطنين والمواطنات في الإخبار والإعلام بما يجري من حولهم من أحداث ووقائع متسارعة.
وبالرجوع إلى الترسانة القانونية، نجد أن القانون رقم 31.13 الصادر بتاريخ 12 مارس 2018 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومة، يتضمن كيفية تمكين المواطنين من المعلومات المتوفرة لدى الإدارات والهيئات والمؤسسات العمومية بمقتضيات إجرائية، وهو بذلك يعتبر أول قانون تشهده بلادنا ينظم مجال الحصول على المعلومة، كما يكرس التزام المغرب بتنزيل مقتضيات دستور 2011، والمواثيق والاتفاقيات الدولية التي تكفل حصول المواطنين على المعلومات من الإدارات والمؤسسات العمومية، ناهيك عن تعزيز الشفافية وترسيخ ثقافة الحكامة الجيدة وترسيخ قيم الديمقراطية ومبادئها، ويكفل القانون 31.13 للمواطنين والمواطنات معرفة ما تقوم به الإدارة وفهم وتتبع وتقييم قراراتها، إلى جانب تحديد الإجراءات الشكلية لتقديم طلب الحصول على المعلومة والآجال الزمنية للإجابة على الطلب، ويشمل هذا القانون ثلاثين مادة موزعة على سبع أبواب.
كما صادق المغرب على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد والتي تعد أول آلية أممية للنهوض بالوصول إلى المعلومة العمومية من أجل الوقاية من الفساد ومحاربته وإيصال المعلومة للجمهور وضمان مشاركة المجتمع وتعزيز الشفافية في عمليات اتخاذ القرار.

القانون الدولي وتكريس الحق في الوصول إلى المعلومة
نجد أن الحق في الحصول على المعلومة ظهر في المواثيق الدولية سنة 1946، عندما تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في جلستها الأولى، القرار رقم 59 والذي ينص على “حرية الوصول إلى المعلومة باعتباره حق أساسي للإنسان وحجر الزاوية لجميع الحريات التي تنادي بها الأمم المتحدة”.
بينما تنص المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر بتاريخ 1948 على أن “لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود”، كما تنص المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق والسياسات المدنية الصادر بتاريخ 1966 أن “لكل إنسان الحق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين دونما اعتبار للحدود، سواء في شكل شفوي أو مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها”.
وفي نفس التوجه تنص المادة 10 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد على ضرورة اتخاذ الدول ما يلزم من تدابير تعزيز الشفافية في إدارتها العمومية، في حين نجد أن المادة 15 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية يكفل لكل فرد الحق في المشاركة في الحياة الثقافية، والاستفادة من فوائد التقدم العلمي، وحماية المصالح المعنوية والمادية المترتبة عن أي أثر علمي أدبي أو فني، وكل هذه الحقوق لا يمكن التمتع بها دون ضمان وتعزيز الحق في الوصول إلى المعلومة.
وعلى المستوى الإقليمي نجد الميثاق العربي لحقوق الإنسان والذي ينص في المادة 32 على الحق في استقاء الأنباء ونقلها إلى الآخرين بأي وسيلة ودونما اعتبار للحدود الجغرافية، شريطة أن تتم في إطار المرتكزات الأساسية للمجتمع، في احترام تام للنظام العام والصحة العامة وحقوق الآخرين وسمعتهم، نفس الشيء بالنسبة لاتفاقية الاتحاد الأوروبي لحقوق الإنسان والتي تنص بدورها في المادة 10 على الحق في تلقي المعلومات واعتناق الآراء والأفكار وحرية الوصول إلى المعلومة.

ضمانات الحق في الوصول إلى المعلومة
تكمن قوة الحق في الحصول على المعلومة انطلاقا من توفير الضمانات الكافية التي تروم تفعيل هذا الحق وتنزيله السليم دون وضع العراقيل القانونية والتنظيمية والتي من شأنها أن تجعل من هذا الحق أمرا مستحيلا وصعب المنال، حيث كفل المشرع من خلال القانون 31.13 مجموعة من الضمانات الموضوعية التي تلزم الإدارة بالكشف عن المعلومة وحق المواطنين في الوصول إليها واستعمالها وتداولها، ويمكن حصر هذه الضمانات في ضمان النشر الاستباقي للمعلومة من قبل الإدارة، وتحديد جهة مختصة تعنى بعملية تقديم المعلومات، وتضييق نطاق الاستثناءات المضمنة في قانون الحق في الولوج إلى المعلومة، فضلا عن تسهيل إجراءات الحصول على المعلومة بشكل بسيط وفعال دون وجود عراقيل تحول توفير المعلومة، مع تحديد آجال الرد على طلب الحصول على المعلومة لتفادي الكسل الإداري، غير أن الممارسة أثبتت أن التنزيل الفعلي لقانون المعلومة لا يزال غير قائم، نظرا للمناخ التقليدي الذي ما زال يسود الهيئات الحكومية المتمثل في استمرار التعتيم المعلوماتي وعدم مشاركة المعطيات والبيانات مع المواطنين، إلى جانب ضعف تكوين الموارد البشرية على أساسيات التواصل الفعال وعدم توافر القدر الكافي منها.
ومن جهته اعتبر محمد كريم بوخصاص صحافي بجريدة “الأيام” الأسبوعية، أن ارتفاع وثيرة انتشار الأخبار الزائفة خلال الأزمات ناتج عن ضعف تواصل الفاعل الحكومي، مسجلا أنه تم رصد ضعف واضح في التواصل خلال أزمة كورونا وزلزال الحوز من الجهات المعنية، وأن الأمر يصل في بعض الأحيان إلى الإصرار على عدم مشاركة المعلومات الموثقة مع الصحافيين، في ظل استمرار سياسة الأبواب المغلقة وعرقلة الصحافيين عن الولوج إلى المصادر الرسمية، مما يدفعهم إلى الاعتماد على مصادر مختلفة غير رسمية وغير دقيقة بغرض تقديم المعلومات التي ينتظرها الجمهور المتتبع بفارغ الصبر والتي قد تكون في بعض الأحيان عبارة عن مغالطات وأخبار زائفة، مضيفا أن الأصل في الإعلام هو تقديم الأخبار الصحيحة والحقائق الثابتة والمعلومات الدقيقة، لذلك يفترض على الصحافي تلمس أكبر قدر من المصداقية في نشر الخبر دون تبخيس أو تضخيم أو تضليل، باعتبار أن نشر الأخبار الزائفة هو بمثابة معول هدم للوظيفة الأصلية للصحافي تفقده الثقة لدى الجمهور، وتساهم في التلاعب بوعي المجتمع، والخطير في هذه المسألة هو عندما يتحول تداول الأخبار الزائفة إلى عمل ممنهج لخدمة مصالح وأجندات معينة.
كما سجل المتحدث ذاته أن تدبير الدولة والمؤسسات الإعلامية لم يكن احترافيا في هاتين الأزمتين، لعدم تبني استراتيجيات العمل الإعلامي خلال الأزمات، باعتبار أن إدارة الأزمات تحتاج إلى تبنى قواعد وآليات معينة تجعل المعلومة على قدر من الأهمية، مبرزا أنه جرى الاكتفاء بتقديم المعلومات والإحصائيات دون تقديم أي توضيح أو تفسير، من شأنه أن يخفف من الأسئلة المتواصلة التي تدور في ذهن المواطن، فضلا عن ضعف التكوين في صفوف الصحافيين حول التغطيات الإعلامية للأزمات، وعدم احترام عدد من المؤسسات الإعلامية لأخلاقيات المهنة والممارسات الفضلى من خلال لجوء بعض وسائل الإعلام إلى البحث عن “البوز” أكثر من المعلومة الصحيحة التي يحتاجها الجمهور في مثل هذه الظرفية الحساسة، وهو ما يحيل إلى إشكالية كبيرة يواجهها الإعلام المغربي والتي ترتبط بارتفاع عدد المنابر الإعلامية غير الملائمة مع القوانين، والتي تستغل مناخ حرية التعبير لتكريس ممارسات غير صحيحة.
ومن الناحية القانونية صرح بوخصاص أن القانون رقم 31.13 تشوبه العديد من الشوائب ويحتاج إلى التعديل بعدما أثبت قصوره بعد مرور خمس سنوات عن إقراره، علما أن مسار التصديق عليه قطع ثماني سنوات كاملة، ما يعني تردد الدولة في فتح المجال أمام الولوج إلى المعلومة دون عراقيل، مسجلا أن المشكل الأكبر يتمثل في كون الترتيبات القانونية المتعلقة بتنزيل قانون الحق في الحصول على المعلومات على أرض الواقع ما تزال متعثرة، وفي سياق متصل شدد المتحدث ذاته على ضرورة تعديل قانون الحق في الحصول على المعلومة أو على الأقل تفعيل كل الترتيبات القانونية المرتبطة به، وتوفير مناخ الحرية الذي من شأنه أن يساعد الصحافيين على العمل بسهولة، وإلغاء أي شكل من أشكال الرقابة على المعلومات، باستثناء التي تكتسي طابع السرية بمنطوق القانون.
في حين اعتبر رشيد امسكين محامي بهيئة المحامين لدى محاكم الاستئناف بأكادير وكلميم والعيون، أن الأزمات أفضل بيئة تترعرع فيها الأخبار الزائفة، مستشهدا بأزمة زلزال الحوز وما عقبها من أخبار مضللة هزت سكينة وطمأنينة المواطنين حول إمكانية حدوث هزات ارتدادية عنيفة، وكذلك بالظرفية الاستثنائية التي مر منها العالم والمتمثلة في انتشار فيروس كورونا، بحيث شاهدنا عددا كبيرا من المنشورات المضللة المتضمنة للأخبار الزائفة بما فيها أحيانا فبركة بلاغات رسمية للسلطات العمومية التي سببت ذعرا وقلقا نفسيا لعدد من المواطنين، وهو ما دفع الهيئات الحكومية المعنية في بلادنا تلك الفترة إلى إقرار مواد قانونية زجرية في حق كل من نشر أي خبر زائف يتعلق بحالة الطوارئ الصحية أو بمستجدات الحالة الوبائية بالبلاد، ما أدى إلى تراجع هذا النوع من المعلومات والأخبار بشكل نسبي نتيجة تشديد العقوبات الزجرية.
وسجل امسكين أن الأخبار الزائفة اتسع نطاقها نتيجة الاستعمال المتزايد لوسائل التواصل الاجتماعي وتطور تكنولوجيا المعلومات، مبرزا أن لهذه الأخيرة انعكاسات سلبية ووخيمة على السلامة النفسية والعقلية للإنسان وعلى استقرار وأمن المجتمع، ناهيك عن وضع المتلقي أمام تحدي حقيقي يتمثل في عدم القدرة على التمييز بين المعلومات الخاطئة ونظيرتها الصحيحة.
وأضاف المتحدث ذاته، أنه يتعين على كل المؤسسات الحكومية التوفر على موقع رقمي خاص بالمؤسسة يعنى بالتواصل مع المواطنين وتزويدهم بالمعلومات المطلوبة، معتبرا أن الدولة بمختلف أجهزتها ومؤسساتها أضحت تشهد نوعا من تنامي الوعي بضرورة التفاعل السريع وتصحيح الكثير من الأخبار الزائفة التي تعج بها مواقع التواصل الاجتماعي، غير أن هذه الجهود لا تزال محتشمة مقارنة بالكم الهائل للأخبار الزائفة ومدى قدرتها على الانتشار وزعزعة الرأي العام وخلق الهلع والرعب في نفس المتلقي قبل دحضها وتكذيبها من المؤسسات الحكومية أو من طرف وسائل الإعلام.
وفي حديثه عن القانون رقم 31.13 أفاد أمكيسن أن رغم صدور القانون المذكور سلفا والمتعلق بالحق في الولوج إلى المعلومة إلا أن بعض المؤسسات لا تزال لا تحترم مقتضياته ولا تعمل على تنزيلها على أرض الواقع، فهناك عدد كبير من الإدارات والمؤسسات الحكومية لا تقوم بنشر ولا تحيين المعلومات التي بحوزتها بكيفية منتظمة وممنهجة، رغم أن هذا الامتياز مكفول بمقتضى القانون 31.13، ما يجعل المواطن لا يجد المعلومة جاهزة وحتى حينما يطلبها لا تكفل له المؤسسات الحكومية إمكانية الحصول عليها بشكل مضمون، وذلك راجع إلى قلة الموارد البشرية وضعف تأهيل الموارد المتوفرة، مشددا على ضرورة تفعيل مقتضيات القانون المتعلق بالحق في الولوج إلى المعلومة وإلزامية نشرها في أجل لا يتعدى 24 ساعة من تاريخ توفرها.
والجدير بالذكر أن المسؤولية الكاملة المتمثلة في ضمان الحق في الولوج إلى المعلومة تبقى على عاتق الدولة والمؤسسات الحكومية، والتي يتعين عليها أن تتحلى بالوضوح والشفافية واحترام التزاماتها تجاه المواطنين، والسهر على توفير المعلومة بشكل استباقي لتفادي تفشي الأخبار الزائفة، وكما هو متعارف عليه فإن الأخبار الزائفة سهلة الانتشار لكن يصعب السيطرة عليها ونفيها، باعتبار أن الثقة رأس مال الدولة الأساسي وسلاحها لمجابهة الأخبار الزائفة، كما يجب تعزيز النظام التواصلي بالمؤسسات الحكومية وتأطير الموارد البشرية لمواكبة متطلبات عصر انفجار المعلومة، فضلا عن ضرورة تعزيز الترسانة القانونية بأحكام زجرية واضحة تروم الحد من تفشي الأخبار الزائفة لما ينتج عنها من زعزعة الأمن والاستقرار، مع مراعاة الحق في حرية الرأي والتعبير في احترام تام للقيم الدينية والوطنية، إلى جانب التزام وسائل الإعلام بتسخير مواردها البشرية لرصد وتتبع الأخبار وتقديمها للمتتبع، في احترام تام لأخلاقيات المهنة مع الحرص على التأكد من صحة المعلومات.

يسرى هتافي

Top