نودع يوم الأحد القادم عاما شهد تحقيق إنجازات مميزة مرتبطة أساسا بكرة القدم أو مجهود شخصي لبطل في ألعاب القوى وأخرى في الملاكمة، بينما تناثرت إنجازات باقي الرياضات وظلت محصورة قاريا وإقليميا مع استمرارية العجز عن بلوغ العالمية أو السبات غير المفهوم، عام انتهى على وقع حزن كبير في قلوب المغاربة، خلفه زلزال الحوز الأليم.
ففي كرة القدم التي تعيش “أياما عسلية” في السنوات الأخيرة، خطف المنتخب الوطني الأول تذكرة المشاركة بكأس أمم إفريقيا 2023 بكوت ديفوار، بسهولة تامة، في انتظار أن يكرس تألقه الملحمي بمونديال قطر، بالتنافس الجدي على اللقب القاري الغائب عن خزائنه منذ 56 عاما.
ولدى منتخب السيدات، تمكنت “لبؤات الأطلس” في مشاركتهن الأولى من تخطي الدور الأول في نهائيات كأس العالم التي استضافتها أستراليا ونيوزلندا، مطيحات بالألمانيات بطلات العالم مرتين، قبل أن يسقطن أمام الفرنسيات.
وبعد آخر مشاركة في أولمبياد لندن 2012، حجز المنتخب الوطني لأقل من 23 سنة تأشيرة الحضور بدورة “باريس 2024″، وذلك بعد فوزه بلقب كأس إفريقيا لهذه الفئة على حساب مصر، على أمل أن يتمكن “أشبال الأطلس” من الذهاب بعيدا في الأولمبياد في الظهور الثامن.
وفي فئة أقل من 17 سنة، خسر المنتخب الوطني لقب كأس إفريقيا للفتيان بالجزائر، لكنه عوض ذلك بمشوار جيد في نهائيات كأس العالم في إندونيسيا، بوصوله إلى ربع النهاية.
بدوره، حافظ المنتخب الوطني لكرة القادم داخل القاعة على النسق العالي، بإحرازهم لقبا عربيا ثالثا على التوالي، وحتى وإن كان إنجازا على المستوى الإقليمي، فإنه يعد بروفة مثالية لتجهيز “أسود الفوتصال” لكأسي أمم إفريقيا والعالم.
على صعيد الأندية، أهدر فريق الوداد البيضاوي الذي تنازل عن لقب البطولة الاحترافية لصالح فريق الجيش الملكي فرصة سانحة للتتويج بلقب رابع في مسابقة دوري أبطال إفريقيا، مكتفيا بوصافة نادي الأهلي المصري، واحتل أيضا نفس المركز بالمسابقة الجديدة دوري السوبر الإفريقي بعد سقوطه أمام نادي ماميلودي صندوانز الجنوب إفريقي.
على المستوى التنظيمي، تمكن المغرب من تحقيق حلم طال انتظاره لسنوات طويلة، ووجه ضربة مزدوجة قوية لمنافسيه والغيورين، إذ حصل -في انتظار التزكية الرسمية من طرف الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) في يونيو 2024- على شرف تنظيم نهائيات كأس العالم لسنة 2030 بشراكة تاريخية مع الجارتين الأوروبيتين إسبانيا والبرتغال.
كما ستحظى المملكة بفرصة تجريب قدراتها التنظيمية استعدادا للمونديال على المستوى القاري، بحصولها -بالإجماع- على شرف تنظيم نهائيات كأس أمم إفريقيا 2025، علما أن المغرب سبق له استضافة دورة 1988، وانسحب من احتضان نسخة 2015 بسبب تفشي فيروس إيبولا.
وبعيدا عن الساحرة المستديرة، واصل البطل الأولمبي-العالمي سفيان البقالي، تألقه الذهبي في العام 2023، بتتويجه بميدالية من المعدن النفيس في سباق 3000م موانع في بطولة العالم لألعاب القوى بالعاصمة المجرية بودابست.
وكرس البقالي حاملة ذهبيتي أولمبياد طوكيو ومونديال يوجين الأمريكية في 2022، تربعه على عرش هذا المسافة للعام الثالث تواليا، موجها إنذارا شديد اللهجة لمنافسيه الكينيين قبل أشهر من التنافس بمضمار “ستاد دو فرانس”.
من جهتها، تألقت البطلة فاطمة الزهراء كردادي بفوزها بميدالية برونزية بطعم الذهب في سباق الماراطون للسيدات، لتخرج ألعاب القوى المغربية بغلة تفوق ميدالية يتيمة للمرة الأولى منذ مونديال هلسنكي 2005.
وإقليميا وقاريا، استمرت “أم الألعاب” في تحقيق الإنجازات اللافتة، إذ ظفر المنتخب الوطني بـ 42 ميدالية من مختلف الألوان في الألعاب الفرانكوفونية بكينشاسا، وتوج بلقب البطولة العربية في مراكش، برصيد 56 ميدالية.
وفي رياضات فنون الحرب، حققت الملاكمة خديجة الإنجاز الأفضل على الإطلاق، وكانت “الثالثة ثابتة” بإحراز ميدالية ذهبية الوزن الثقيل في بطولة العالم بنيودلهي، بعدما اكتفت بفضية في نسخة إسطنبول وبرونزية في دورة أولان-أودي.
لاحقا، حافظت البطلة المغربية التي ستبحث -بكل تأكيد- عن المجد الأولمبي المفقود في عاصمة الأنوار، على لقبها القاري للعام الثاني تواليا، ضمن تتويج لمنتخبي الرجال والسيدات بالبطولة الإفريقية التي أقيمت بياوندي الكاميرونية.
وتناثرت إنجازات باقي رياضات الفنون الحربية كالتايكواندو والكاراطي والجيدو وغيرها، بين نتائج إيجابية عربيا وأحيانا قاريا وملتقيات دولية، لكنها ما تزال عاجزة عن بلوغ القمة سواء على مستوى بطولات العالم أو الألعاب الأولمبية.
عجز ينطبق أيضا على رياضات أخرى كسباق الدراجات وكرات السلة واليد والطائرة والطاولة والريكبي وغيرها الكثير، في حين تظل رياضات أخرى كالتجديف والمسايفة والسباحة وغيرها في وضعية جمود غير مفهوم رغم بعض تمكن أبطال وبطلات من تشريف العلم المغربي بالتأهل مثلا إلى الأولمبياد، لكن بمجهود شخصي ومصروف خاص.
إذن، نودع سنة 2023 بما لها وما عليها .. ونستقبل سنة 2024، بأحلام وردية في أن تستمر كرتنا والبقالي ومرضي في التألق، وأن ترفع باقي الرياضات سقف طموحاتها صوب العالمية، وأن يستفيق النائمون من سباتهم العميق…
بقلم: صلاح الدين برباش