ليسمح لي عشاق فن الزمن للجميل، باستعارة مرة اخرى، عنوان واحدة من القصائد الخالدة، كتابة ولحنا وأداء، قصيدة وصلت لدرجة الرقى والتكامل…
“إن كنت ناسي أفكرك” .. قصيدة غنتها الراحلة هدى سلطان، والمناسبة شرط، أولا رد دين قديم أوفى به “أسود الأطلس اتجاه “الشياطين الحمر”، ثانيا إحداث مقارنة بسيطة بين ظروف إجراء مونديال أمريكا 1994، وما نعشيه حاليا من أجواء بالديار القطرية.
بمونديال الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1994، وبالضبط خلال المواجهة التي جمعت بين المنتخبين المغربي والبلجيكي، سرق “الشياطين” الفوز، نتيجة لم تعكس أبدا مجريات اللقاء، والهدف الوحيد، جاء من خطإ غير مألوف، ارتكبه خليل عزمي، واحد من الحراس المتميزين، إلا أنه أدى غاليا ضريبة انتقاله غير الموفق، من الوداد إلى الرجاء.
تسيد يومها أصدقاء العميد مصطفى الحداوي المباراة، وشنوا هجمات خاطفة، بل سيطروا وخلقوا فرصا سانحة للتسجيل، أبرزها كانت بواسطة محمد الشاوش، صدتها العارضة في مناسبتين، أمام ذهول وحسرة الآلاف من العشاق المتيمين.
انتظرنا 28 عاما لتأتي الفرصة سانحة بمونديال قطر، وهنا زأرت الأسود بأعلى الصوت: منتخبنا يمرض ولا يموت، وعلى أرضية ملعب “الثمامة”، كان رد الدين بطريقة بليغة، بل قاسية فجرت أزمة حقيقية داخل مختلف مكونات المدرسة البلجيكية التي توصف بالرائدة.
تذكرنا الفوز غير المستحق، وتذكرنا بصفة خاصة درجة الحرارة القياسية التي جرى فيها المونديال الأمريكي، درجة لا تطاق، وصلت إلى حدود، لا يمكن لقدرة البشر تحملها، وشخصيا كنت من بين الصحفيين الذين عاشوا جحيما فوق الأرض.
كان ذلك خلال مباراة المغرب ضد بلجيكا بمدينة أورلاندو، واحدة من المدن التابعة لولاية فلوريدا، لا يمكن تصور درجة الحرارة المرتفعة والرطوبة العالية، وزملاء آخرون لازالوا يتحدثون عن نفس المعاناة، رغم مرور ما يقارب 3 عقود من الزمن، جحيم مماثل شهدته مختلف الولايات والمدن التي احتضنت المباريات، ومنها دالاس مثلا.
يومها لم تشتك أوساط الضغط، ولم يتحرك لوبي تشابك المصالح، لم “يشيطنوا” (فيفا)، ولم يمتلكوا الجرأة على مهاجمة بلاد “العم سام” بل تحملوا مكرهين، مستعملين الأدوية، واستعانوا بالواقي الشمسي من مختلف الأصناف، وسكتوا عن الكلام المباح.
فلماذا صمتوا بأمريكا، وسعوا إلى استباحة كل شيء بقطر؟
الطقس حاليا بالدوحة وباقي المدن ألطف بنسبة كبيرة، بل يمكن عدم الاستعانة في أغلب الأوقات بخدمة المكيف، ومع ذلك لا زال هناك من يبالغ بلغة اليائس، في مهاجمة قطر، لا لشيء إلا لأنها تجرأت على منافسة من يعتبرون أنفسهم كبارا.
سقنا المثالين لمجرد تذكير من نسوا أو تناسوا، فـ “أسود الأطلس” ردوا الدين، وقطر تحدثت بلسان كل العرب، وكل الدول الباحثة عن مجال الإنصاف والمساواة وتكافؤ الفرص.
فالتظاهرات الكبرى ليست حكرا على دول معينة، والطموح حلم مشروع، شريطة توفر السبل والآليات والكفاءات، لتحويله إلى واقع يصدم أصحاب العجرفة الزائدة.
المغرب بطموحه التاريخي، تجرع أكثر من غيره مرارة تلاعبات لوبيات المصالح، كما أجهد حقه ظلما داخل لعبة الدهاليز المظلمة، وكل التقارير والاعترافات التي جاءت للأسف متأخرة كالعادة، أظهرت كيف أن الطموح المغربي المشروع، أجهض بفعل فاعل، مع سبق الإصرار والترصد.
فهل استوعبوا حقيقة أن العالم بدأ يتغير، وأن موازين القوى، لم تعد كما كانت؟ وهل اقتنعوا أخيرا بأن العرب قادرين على إسماع الصوت؟
وهل فهموا مغزى كيف أصبح العرب يرفضون، هذه النظرة الدونية في التعامل، وعدم قبول استمرار الكيل بمكيالين؟
نعتقد أن الرسالة وصلت، حتى وإن كانوا يظهرون نوعا من التعنت والعناد.
محمد الروحلي