أعاد حادث مقتل ثلاثة محتجزين إسرائيليين لدى حماس بنيران صديقة الأمل في تحرك لأجل تأمين هدنة جديدة لتبادل الأسرى، في وقت بدا فيه أن الضغوط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ستدفعه إلى القبول بالهدنة واسترجاع أعداد من المحتجزين ولو على دفعات.
وفيما يتمسك نتنياهو باستعادة المحتجزين عن طريق القوة وعبر المزيد من العمليات العسكرية، فإن مقتل ثلاثة محتجزين على يد الجيش الإسرائيلي أعاد احتجاجات أسر الرهائن إلى الواجهة من جديد، حيث تظاهر المئات للمطالبة بالتحرك للبحث عن حل.
وأظهرت صور بثها التلفزيون الإسرائيلي حشودا كبيرة تتجمع في وسط تل أبيب مساء الجمعة وتغلق طريقا رئيسيا، مطالبين الحكومة بالعمل على الإفراج الفوري عن المحتجزين في قطاع غزة.
وتتزايد الضغوط على نتنياهو، كذلك، بسبب ارتفاع أعداد القتلى من الجنود والضباط في هجوم لا أحد يعرف متى يتوقف وما هي الفاتورة التي سيدفعها الإسرائيليون مقابل إنهائه، وهل أن رئيس الوزراء الإسرائيلي قادر فعلا على تحقيق النصر ضد حركة حماس التي تدير المعركة من الأنفاق ولا تهتم لأعداد الضحايا من المدنيين.
بالمقابل، لا تمانع حماس في التوصل إلى هدنة وفتح باب التفاوض مجددا، وهو وضع ستسعى لاستغلاله دعائيا لإظهار أنها ما تزال قوية ولم ينجح الإسرائيليون في تفكيك قوتها.
وضمن مسار البحث عن التهدئة، أجرى رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني لقاء مع ديفيد بارنيا مدير جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) في أوسلو. كما التقى المسؤول الأمني الإسرائيلي مع مسؤولين مصريين.
وصدرت تصريحات مختلفة، وخاصة من مسؤولين أميركيين تلمّح إلى الحاجة لهدنة جديدة. وقبل يومين، قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي إن بلاده تعمل “من أجل تحقيق هدنة قصيرة جديدة في غزة.. وهناك مخاوف من الهدن الطويلة باعتبارها في صالح حماس”.
وأفاد الجيش الإسرائيلي السبت بأن الرهائن الذين قتلهم جنوده عن طريق الخطأ في غزة كانوا يلوّحون براية بيضاء ويتحدثون بالعبرية، في منطقة تتعرض فيها قواته لكمائن، بحسب العناصر الأولية للتحقيق.
وقال مسؤول عسكري للصحافيين إن الرهائن الثلاث الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و28 عاما، ظهروا “على مسافة عشرات الأمتار من أحد مواقعنا” في حي الشجاعية بمدينة غزة.
وبعيد الإعلان عن الحادثة، تظاهرت عائلات وأنصار الرهائن في تل أبيب للمطالبة باتفاق فوري لإطلاق سراحهم. وتحدث الجيش عن “حدث مأسوي” وقع في منطقة بقطاع غزة يواجه فيها جنوده “ضغوطا كبيرة” و”قتالا محتدماً” و”كمائن عديدة”.
وارتفع عدد القتلى في صفوف الجيش الإسرائيلي بقطاع غزة إلى ما يقرب من المثلين مقارنة بالخسائر التي تكبدها في هجومه البري في عام 2014، وهو ما يعكس حجم توغله في القطاع ومدى براعة حماس في استخدام أسلوب حرب العصابات وترسانتها الكبيرة من الأسلحة.
وكشف خبراء عسكريون إسرائيليون وقائد إسرائيلي ومصدر من حماس كيف أن الحركة الفلسطينية تستخدم مخزونها من الأسلحة وتستفيد من معرفتها بالتضاريس وشبكة الأنفاق الكبيرة لتحويل شوارع غزة إلى متاهة مميتة.
وتستخدم الحركة أسلحة مثل الطائرات المسيّرة المزودة بالقنابل اليدوية وأسلحة مضادة للدبابات بعبوات متفجرة مزدوجة تنفجر على مرحلتين في تتابع سريع.
ومنذ بدء الحملة البرية الإسرائيلية في أواخر أكتوبر، قُتل نحو 110 من الجنود الإسرائيليين عندما توغلت الدبابات وجنود المشاة في المدن ومخيمات اللاجئين، بحسب أرقام إسرائيلية رسمية. وكان ربع هذا العدد تقريبا من أطقم الدبابات.
ويقارن هذا العدد بنحو 66 جنديا لقوا حتفهم في صراع عام 2014 عندما شنت إسرائيل توغلا بريا محدودا دام ثلاثة أسابيع لكن الهدف حينها لم يكن القضاء على حماس.
وقال يعقوب عميدرور، وهو جنرال إسرائيلي متقاعد ومستشار سابق للأمن القومي ويعمل حاليا في المعهد اليهودي للأمن القومي الأميركي، “لا يمكن مقارنة نطاق هذه الحرب بعام 2014، عندما كانت عمليات قواتنا لا تتجاوز في الغالب كيلومترا واحدا داخل غزة”.
وأضاف أن الجيش “لم يجد بعد حلا جيدا للأنفاق”، وهي شبكة توسعت بصورة كبيرة في العقد الماضي.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الخميس إن إسرائيل ستشن حربا “حتى النصر المبين”. وقال مسؤولون إسرائيليون إن الأمر قد يستغرق أشهرا قبل الانتهاء من الحرب.
وقال أوفير فولك، مستشار نتنياهو للسياسة الخارجية، في تصريحات لرويترز “لقد كان تحديا منذ اليوم الأول”، مضيفا أن الهجوم كان له “ثمن باهظ” في صفوف القوات الإسرائيلية.
ومضى قائلا “نعلم أنه سيتعين علينا على الأرجح دفع ثمن إضافي لإكمال المهمة”.
ونشرت حركة حماس مقاطع مصورة على قناتها على تطبيق تيليغرام هذا الشهر تظهر فيها مقاتلين يحملون كاميرات ويتحركون وسط المباني لإطلاق صواريخ محمولة على الكتف على مركبات مدرعة. ونُشر أحد هذه المقاطع في السابع من ديسمبر من حي الشجاعية شرقي مدينة غزة، وهي منطقة ذكر الجانبان أنها شهدت قتالا عنيفا.
وفي منشور آخر بتاريخ الخامس من ديسمبر، تظهر كاميرا تخرج من نفق في ما يشبه المنظار لمسح معسكر إسرائيلي تستريح فيه القوات. وجاء في المنشور أن هذا الموقع تعرض لاحقا لتفجير من تحت الأرض.
وقال مصدر من حماس تحدث لرويترز من داخل غزة لكنه رفض الكشف عن هويته إن المقاتلين يقتربون قدر الإمكان لنصب كمائن “مستفيدين من خبرتهم بالميدان والأرض التي يعرفونها كما لا يعرفها أحد غيرهم”.
وأضاف “هناك فجوة بين ما نملكه من وسائل قوة وبين ترسانتهم، نحن لا نضحك على أنفسنا”.
وقال إيال بينكو، وهو مسؤول كبير سابق في أجهزة الأمن الإسرائيلية ويعمل حاليا في مركز بيغن – السادات للدراسات الإستراتيجية بجامعة بار إيلان “اتخذت حماس بعض الخطوات الكبيرة لبناء قوتها منذ عام 2014″.
وأضاف أن إيران، حليفة حماس، ساعدت في تهريب بعض الأسلحة المتطورة، مثل صواريخ كورنيت روسية الصنع المضادة للدبابات، إلى الحركة.
لكنه أشار إلى أن حماس أتقنت صنع أسلحة أخرى في غزة، مثل القذائف الصاروخية من طراز آر.بي.جي – 7، وأن المسلحين أصبح لديهم الآن احتياطي أكبر من الذخائر.
وقالت الحركة في منشورات لها إن أسلحتها تتضمن قذائف مضادة للدبابات تحتوي على حشوتين متفجرتين لاختراق الدروع، والتي قال بينكو أيضا إنها موجودة في ترسانة المقاتلين.
وكثيرا ما تُظهر مقاطع مصوّرة تنشرها حماس وقوع انفجارات كبيرة عند ضرب المدرعات. وقال خبراء عسكريون إسرائيليون إن الانفجار لا يعني تدمير المركبة لأنه يمكن أن يكون ناجما عن أنظمة دفاعية انفجرت لوقف القذائف القادمة.