الاحتجاج…يناقش

يقف هذه الأيام في الساحة المقابلة للبرلمان بالرباط محتجون من نوعية أخرى، إنهم فلاحون قدموا من مشيخة آيت عبدي بقيادة بإقليم أزيلال، وجاؤوا  يشتكون من المسؤولين في إقليمهم، ويعرضون أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية المتردية، وغياب فرص التنمية المحلية. وقبل ذلك، كانت مناطق أخرى قد شهدت احتجاجات عفوية كما حصل في صفرو،وفي سيدي افني،  وفي القصر الكبير، وفي بعض مناطق الريف…، واللافت في هذه النوعية الجديدة من الاحتجاجات أنها في الغالب تخرج عن تأطير الأحزاب، وان كانت بعضها تتعرض لاستغلال سياسوي واضح.
بنية الحركات الاحتجاجية في المغرب لم تشهد تغيرا فقط من حيث الفئات المحتجة (فلاحين وسكان مناطق نائية مثلا)، أو من حيث المستوى المطلبي (غلاء الأسعار، تردي بعض الخدمات والمرافق العمومية…)، إنما التغيير مس أيضا أشكال الاحتجاج ،وصرنا نشاهد المحتجين يحملون أواني فوق الرؤوس، ويلوحون بأرغفة الخبز، ويضعون الكمامات على الأفواه، وأيضا الأقنعة ،كما حدث أول أمس أمام البرلمان ، وباتت فئات  أخرى تحاول إضرام النار في أجسادها، وفئات تتحرك مكبلة الأيادي  ، وكل هذه الأشكال  تساهم الصورة التلفزيونية في نقلها من (القمصان الحمر) بتايلاند إلى وسط الرباط.
المشكلة اليوم في المغرب ليست في الاحتجاج نفسه، وهو ممارسة عادية ويندرج  ضمن أشكال الترافع الاجتماعي، للضغط الجماهيري نحو بناء أوضاع بديلة،إنما المشكلة في الوعي المرافق لاحتجاجات يغيب عنها الفاعل الحزبي،ويضعف فيها التأطير.
لقد صار اليوم من الضروري (مأسسة) الاحتجاج ،وذلك بتحديد مكان معروف في كل مدينة للاحتجاج،كما أن الحق في الاحتجاج لا يعني منع آخرين من ممارسة واجبهم وأيضا حقهم في الاختلاف مع المحتجين، ومن ثم فالاحتجاج لا يعني انتهاك مصالح الآخرين، وهو لايعني استعمال المجال العام للتعبير عن موقف واحد من دون الأخذ بعين الاعتبار باقي المواقف.
مسؤولية الأحزاب والهيئات المنظمة هي تأطير المواطنين وتنظيمهم وتربيتهم على احترام حقوق الإنسان، وعلى ممارسة الاحتجاج السلمي من دون استعمال العنف،أو تخريب الممتلكات العامة أو ممتلكات الأغيار،أو الاعتداء على الأشخاص،ولذلك فهذا الدور يبدأ من المشاركة في هذه الاحتجاجات واحتضان مطالب الناس والإنصات لمشاكلهم.
أما السلطات فمسؤوليتها تكمن في احترام القانون،وعدم اللجوء إلى العنف،خصوصا حين تكون الاحتجاجات ذات طبيعة سلمية..
المواطن المغربي يحس اليوم أن بلاده تحرص على تعزيز مسيرتها الديمقراطية،فضلا على أنه يعيش مسار تبلور مواطنته،ولذلك فهو  يطالب باعتبار مطالبه وآرائه وانتظاراته، وعلى كل الفاعلين الانكباب على موضوع الاحتجاجات الاجتماعية،وسبل تنظيمها وتأطيرها في احترام تام لالتزامات المغرب الديمقراطية والحقوقية.

Top