التصريح بالممتلكات

شرع العديد من الوزراء في تقديم تصريحات بممتلكاتهم تطبيقا لما ينص عليه القانون، وأيضا لما التزمت به الحكومة الحالية، وهذا الفعل بقدر ما لقي استحسان المواطنين، فهو يستحق متابعة واهتماما من الإعلام ومن المراقبين لتطور حياتنا السياسية. تجدر الإشارة في البداية إلى أن المبادرة تعتبر أولا إعمالا لمقتضى قانوني واضح ورد في ظهير صدر عام 2008، وحدد للخاضعين لأحكامه أجل تسعين يوما بعد التعيين للقيام بذلك، ثم تقديم تصريح ثان بعد ثلاث سنوات، وآخر بعد الانتهاء من تحمل المسؤولية، وواضح أن الغاية هي تقوية النزاهة والشفافية وإثباتهما بشكل فعلي ومنظم، وبالتالي وضع حد لاقتران المسؤولية، وخصوصا الوزارية، بالإثراء غير المشروع، وبالنهب والاختلاس.
وعندما يشرع وزراء الحكومة الحالية في القيام بالمبادرة، فإن المطلوب من باقي المسؤولين التنافس معهم في القيام بالشيء ذاته، سعيا على الأقل لإبراء الذمة، وبالتالي حتى يساهم الكل في بداية تشكيل ثقافة سياسية جديدة في بلادنا تجعل التصريح بالممتلكات سلوكا عاديا في قاموسنا السياسي الوطني على غرار ما يحصل في الديمقراطيات العريقة.
إن أهمية التصريح بالممتلكات لا تكمن فقط في إبراء ذمة الوزراء بعد انتهاء فترة توليهم المسؤولية، إنما هي آلية مهمة  لجعل نخبنا السياسية تعطي معنى ملموسا لربط المسؤولية بالمحاسبة، حيث أن الهدف في النهاية هو إضفاء رقابة القانون والمجتمع على تعاطي المسؤول مع مسؤوليته أثناء فترة توليها، وأيضا بداية التأسيس لتغيير بعض المنظومات الريعية السائدة، والمتمثلة في استفادة بعض المسؤولين من مكافآت غير مستحقة وامتيازات غير مشروعة، واليوم سيصير الأمر واضحا من خلال التصريح النصفي والنهائي بالممتلكات، كما سيؤدي الأمر في النهاية إلى حماية المال العام والثروات الوطنية، ومن ثم، فإن المبادرة لها أهميتها السياسية والعملية، وذلك في سياق مسلسل الحد من ممارسات الريع والفساد، وتقوية مداخل الشفافية والنزاهة في تدبير الشأن العام للبلاد، وبالتالي حتى يكون للمبدإ الجدلي القائم على ربط المسؤولية بالمحاسبة مدلوله الملموس والواقعي، وحتى تساهم هذه الدينامية برمتها في استعادة ثقة الناس في السياسيين وفي السياسة.
لقد حدثت، بلا شك، خطوات معدودة في هذا الاتجاه قام بها مسؤولون سابقا لتأكيد نزاهتهم ومصداقيتهم، ولكن الأمر اليوم يندرج ضمن صيرورة مؤسساتية، يحكمها قانون، وغايتها تقوية دولة المؤسسات، ومن ثم، لابد من تشجيع المبادرة وتعميمها، وتمكين الرأي العام ووسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني كي تراقب حسن تطبيقها، وبالتالي جعل هذه الدينامية كلها تنتظم داخل مسار التخليق ومحاربة الريع والفساد، وتكريس الشفافية والنزاهة.

[email protected]

Top