الثورة المصرية

تكمل الثورة المصرية عامها الأول، وتتعدد هذه الأيام التقييمات والقراءات لما تم إنجازه خلال سنة، وما لم ينجز، وبدورها المسيرات والاعتصامات تستمر في الساحات، كما تتواصل بواعث القلق لدى أوساط مصرية عديدة، خصوصا تجاه المستقبل. لقد انتفض الشعب المصري من أجل الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية، وثارالمصريون من أجل الكرامة وضد الفساد والاستبداد، وهي الشعارات والمطالب التي يقاس عليها تقييم منجز ثورة 25 يناير بمناسبة ذكراها السنوية الأولى.
في مصر، وعكس ما حصل في تونس مثلا، لازال الجيش متمسكا بالسلطة السياسية الى اليوم، ولم تنجح الثورة بعد في فرز مؤسساتها، وحتى الانتخابات التشريعية التي جرت مؤخرا، أحاطت بها كثير انتقادات حول منظومتها القانونية، وحول ما شهدته من خروقات، كما أن نتائجها لم تزد الشارع والنخب هناك سوى قلقا آخر حول المستقبل الديمقراطي للبلد.
النظام الانتخابي الذي جرى العمل به هو الذي مكن حزبا واحدا مثلا من نيل عدد كبير جدا من المقاعد، وجعل مجلس الشعب الجديد لا يعكس حقيقة الدينامية السياسية التي يفترض أن تضخها أي ثورة ناجحة داخل المجتمع السياسي، ومن هنا يتخوف الكثيرون في مصر من إعادة إنتاج نظام الحزب الواحد، خصوصا بعد التوتر الذي ميز مؤخرا علاقة المجلس العسكري بمنظمات المجتمع المدني…
إن تمكين البلاد من حياة سياسية ديمقراطية ومنفتحة تنتظم ضمن مؤسسات متينة وتعكس الإرادة الشعبية، وتقوم على التعددية والحرية، هو ذا الرهان الجوهري المطروح أمام الثورة المصرية بعد عام على قيامها.
وفي الإطار نفسه، فإن إعادة تشغيل النسيج الاقتصادي، وتحسين الوضع المعيشي للفئات الفقيرة والطبقة الوسطى، وتطوير خدمات مختلف المرافق الاجتماعية، كل هذا يبقى بمثابة الرهان الجوهري الثاني، والذي من شأن كسبه أن يقوي ثقة الشعب في الثورة، وفي أهمية التغيير، وبالتالي يتعبأ هو نفسه لإنجاح مسار بناء الدولة الجديدة.
بلا شك، لا أحد يبخس ما أنجزه الشعب المصري، ولا يمكن إلا تهنئة شبابه على ثورتهم، وعلى سقوط الاستبداد، لكن في نفس الوقت، لا أحد ينكر قلق المصريين اليوم وشعورهم بأن الثورة لم تتجسد بعد كمكاسب ملموسة لهم في الحياة اليومية، ولذلك فهم يتطلعون اليوم كي تنتبه الطبقة السياسية والمؤسسسة العسكرية إلى انشغالاتهم، وتسعيا إلى التفاعل الإيجابي معها.
مصر اليوم أمام تحدي ترسيخ مدنية الدولة، وبالتالي إنهاء الفترة الانتقالية، ثم بلورة توافق واسع وواضح بين الأحزاب المصرية حول أجندة المرحلة وثوابتها ورؤيتها المستقبلية.
بعد النتائج التي أفضت إليها الانتخابات التشريعية، ليس أمام الطبقة السياسية المصرية سوى طريق تطوير التوافق الداخلي، وترتيب تحالفات من شأنها الدفع بالثورة الى الأمام، والحيلولة دون العودة إلى الخلف.
الاحتفال بنجاح الثورة لا يمنع من الاستعداد لحماية  الثورة ولاستدامة نجاحها على الأرض ووسط الناس.

[email protected]

Top