الحل في… السياسة

منذ سنوات نبه العديدون إلى خطورة تبخيس العمل السياسي في بلادنا، وحذروا من إضعاف الأحزاب والنقابات والجمعيات والصحافة، ورغم ذلك تعددت الاستهدافات وأضيفت إلى الضعف الذاتي والسلبيات والأخطاء المقترفة ليهوي كل ذلك بالسياسة إلى الدرك الأدنى من الضعف والتدني والتدهور، ويقربها إلى… الموت.
الأخطر فيما صرنا عليه أن السياسة ابتعدت عن المجتمع، وصارت تمارس على شكل مناورات وألاعيب وحسابات بلا محتوى أو معنى أو أفق، وبشعار:( دبر على راسك).
وكل هذا لم يكن بلا فاعلين منذ البداية، والمناورة لم تحدث لذاتها وإنما نتيجة فعل وممارسات وتخطيط طيلة سنوات.
البلاد اليوم لم تعد تنتج مواقف أو أطروحات أو خطابا سياسيا إلا فيما ندر، وداخل غرفتي البرلمان لم يعد هناك من يستحق تمثيل الأمة إلا ما لا يتعدى أصابع اليد الواحدة، ولم تعد المؤسسات التمثيلية تجذب الشخصيات السياسية والنخب الاقتصادية، ومقابل ذلك استطاع الفاسدون اختراق الانتخابات والبرلمان ومجالس الجماعات والجهات والغرف، وصار بمستطاعهم فرملة الإصلاحات، والتكتل فيما بينهم لإحداث التأثير على التشريع بما يخدم مصالحهم الريعية والانتهازية.
هل يجب اليوم أن نعيد التذكير بالانتخابات التشريعية الماضية وبالتي سبقتها أو بالانتخابات الجماعية والجهوية، وكيف جرت كل هذه الاستحقاقات، وكيف مورست الضغوط وجمعت الأموال، وحجم ما صرف خلال الحملات الانتخابات من أموال خيالية بما في ذلك من أجل شراء الأصوات والذمم؟؟؟
هذه الأشياء وقعت وهي ليست متخيلة أو مدعاة، ورموز صناعتها معروفون وأغلبهم لا يزالون بيننا، وكل هذه المناورات هي التي أوصلتنا اليوم إلى ما نحن عليه.
ما هي النتيجة إذن؟
حكومة ثلاثية ارتبط سلوكها بشكل عام بالتسبب في أزمات ورفض البحث لها عن حلول والتواري الى الخلف عند تفاقم تداعياتها.
حدث هذا عند ارتفاع أسعار المحروقات، ومع التضخم وغلاء معظم المواد الاستهلاكية، وخلال أزمة موظفي التربية الوطنية، وأزمة طلبة كليات الطب والصيدلة، ومع برامج إعمار وتأهيل مناطق زلزال الحوز، ومع آثار الجفاف، ومع تداعيات سيول وفيضانات الجنوب الشرقي…
لا وجود للحكومة ولا لسان لديها للكلام مع المغاربة أو طمأنتهم…
من جهة ثانية، تعددت في السنتين الأخيرتين قرارات عزل المنتخبين ورؤساء الجماعات، بل إن برلمانيين تورطوا ضمن شبكات إجرامية وعصابات تجار المخدرات، وهو ما يزال مستمرا إلى اليوم، واستحقت هذه الحكومة، تبعا لذلك، اعتبار زمنها زمن فضائح بامتياز.
وارتباطا بهذا، فإن عددا من وجوه التحالف الثلاثي المتحكم اليوم في الجماعات والجهات والبرلمان تأكد تحولهم الغريب نحو عالم الثراء والأعمال بعد أن لم تكن لهم صلة بذلك نهائيا، وبدا أن السياسة والانتخابات جيئ بهم إليهما فقط من أجل تحقيق المآرب الريعية أو الانخراط في لعبة التبييض والكارتيلات.
وحتى يستطيع هؤلاء إحكام تغولهم منذ البداية، كان يجب إضعاف الأصوات النقدية والمستقلة بكل الطرق ومحاربة الأحزاب الجدية والسعي لإبعاد السياسة عن المجتمع وجعلها بلا مضمون أو معنى أو ارتباط مجتمعي، أي تافهة ومقترنة بالفساد والنهب والإثراء غير المشروع.
أمام كامل هذا المآل، هل يمكن لتعديل وزاري مروج له حل المشكلة؟ سيكون من البلادة الاعتقاد في ذلك.
حتى ما عاشته بعض المناطق في الفترة الأخيرة من انتخابات جزئية أبانت عن استمرار اللوبيات نفسها في المناورة، ولاحظ الجميع حجم الأموال التي أنفقت، ورغم ذلك كانت نسبة التصويت والإقبال صادمة، بما في ذلك داخل العاصمة نفسها.
وحيث أن هذه اللوبيات كان همها منذ البداية الوصول الى المؤسسات والتحكم فيها، فإنها وجدت نفسها في الأخير بلا كفاءات تستطيع ممارسة المسؤولية التدبيرية أو حتى التخفيف من حدة ما يلفها من فضائح وورطات، ووصلت البلاد اليوم الى انها تدار من طرف حكومة ومؤسسات تمثيلية تضعف فيها السياسة، وتغيب عنها المصداقية والجدارة والجدية، ما يعني أن الحاجة اليوم هي لتغيير التوجهات وإعمال طريق أخرى وليس اقتراف تعديل شكلي لن يبدل أي شيء في النهاية.
أحد أحزاب التحالف الحكومي الثلاثي لا يخرج هذه الأيام من فضيحة إلا ليتورط في أخرى أبشع منها، وبات الكثيرون مقتنعين أن سلسلة هذه الفضائح لن تتوقف مع هذا الحزب قريبا، والضلع الرئيسي في التحالف المذكور لم يقدر، بدوره، لحد الآن إبراز دليل واحد على كفاءة ما يمتلكها، وذلك عدا كفاءة «تخراج العينين» في وجه المغاربة والتورط في»تضارب المصالح»، وجني الأرباح من وراء ذلك دون أي ذرة حياء.
كل هذا لن يخدم مصلحة بلادنا، وهو ما يجعل المستقبل غير واضح، وأيضا هو ما تسبب في انعدام الثقة لدى الشباب وفئات واسعة من شعبنا في المستقبل، وفي المؤسسات، وفي السياسة، وفي… البلاد.
البلاد في حاجة إلى السياسة، والسياسة من الضروري إعادتها إلى المجتمع.

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Top