القتل مستمر في سوريا، والسوريون تسفك دماؤهم على مرأى ومسمع العالم كله، وفي القاهرة لم تجد اللجنة الوزارية العربية المعنية بالملف السوري أول أمس سوى دعوة نظام بشار الأسد إلى (التقيد بالتنفيذ الفوري لتعهداتها)، و(توفير الحماية للمدنيين السوريين).
الواضح اليوم أن جامعة العرب لم تعد تدرك ما تفعله مع حكام دمشق، وصارت كل التمديدات والمهل التي منحت لهم، وكل الدعوات والمناشدات الديبلوماسية لا تعني سوى مهلا جديدة لمواصلة القتل وسفك الدماء، واكتساب مزيد من الوقت لفعل ذلك، ولدفع العناد المرضي إلى أقصاه، خصوصا أمام غموض وتردد الموقف العالمي مما يجري في سوريا…
الكثير من الانتقادات وجهت لفريق المراقبين العرب، وخصوصا لرئيسه، وأيضا لتركيبته ولمهمته ولمستوى حرفية عدد من عناصره، والكثير من تجليات القلق والانشغال باتت تميز موقف الكثيرين من طريقة تعامل جامعة الدول العربية مع الموضوع برمته.
بلا شك، إن سوريا ومستقبلها السياسي والمؤسساتي صارا اليوم موضوع أطماع قوى إقليمية ودولية متعددة، كما أن الموقع الاستراتيجي للبلاد، وتواجدها في عمق أسخن منطقة في العالم، وهي الشرق الأوسط، كل هذا يجعل إيقاع مسلسل الحل يتحرك ببطء، ولكن المأساة اليوم يوجد فيها الشعب السوري، وليس غيره، وهنا من غير المقبول أن يواصل العالم صمته على نظام همجي يقتل شعبه بوحشية لا تطاق.
القتل اليوم في سوريا صار بلا أقنعة، والمراقبون العرب أنفسهم شاهدوا (الشبيحة) وعرفوا عن جرائمها الكثير، والمراقبون ذاتهم تعرضوا لمضايقات النظام السوري، وألاعيب مخابراته، والعالم كله يدرك اليوم ويتفرج على الرعونة مقترنة بهمجية القتل.
الشعب السوري الذي تحدى وخرج بالآلاف إلى الشارع، صارخا ضد النظام القاتل، لا يمكن للعالم أن يجبره على مسح ذاكرته، وإعادة الزمن إلى الوراء، ونسيان كل ما كان، والعودة إلى الخضوع إلى نظام الأسد…
الشعب السوري، صاحب التاريخ والحضارة وتراكم التجارب الوطنية والنضالية، لا يمكن أن يصيب نفسه بالعمى، ويحرم بلده من ربيع الديمقراطية الذي تحمله الشعوب إلى بلدانها، ولا يمكن أن يجبره أحد على الاستسلام لنظام ديكتاتوري أمني منغلق وبشع..
من حق الشعب السوري التطلع إلى العيش في بلده ضمن نظام ديمقراطي تعددي، وبشكل آمن ومستقر، وفي تواصل وانفتاح وتسامح بين مختلف مكونات الشعب، ومع البلدان والشعوب الأخرى…
من حق الشعب السوري أن يقرر مصيره السياسي والمؤسساتي بكل حرية وديمقراطية، وهو قد فعل ذلك، عندما خرج بالآلاف مطالبا بإسقاط نظام الأسد، وقد أعلن بذلك خياره، ومن مسؤولية العالم اليوم إسناده ودعمه واحترام حريته وتطلعاته الديمقراطية.
ليست دماء الأبرياء السوريين رخيصة إلى هذا الحد، كي يبقى العالم متفرجا على سفكها من طرف عصابات نظام دموي مجنون.
[email protected]