شهدت مؤسسات سجنية في مدن مختلفة ظهور حالات إصابة بفيروس: “كوفيد – 19” وسط السجناء والموظفين معًا، وفي الأيام الأخيرة تفاقمت هذه الأوضاع، حتى صار سجن ورزازات مثلا بمثابة بؤرة للفيروس، كما تتوالى بلاغات مندوبية السجون لتخبر بما يقع من تطورات على الصعيد الوطني، وأيضا ما تتخذه من تدابير وإجراءات لمحاصرة الفيروس وحفظ صحة وسلامة النزلاء والعاملين معا.
من المؤكد أن مندوبية السجون، وعلى غرار المجتمع بكامله، تنخرط في حالة استنفار ضد تفشي الوباء، وتتخذ الإجراءات الضرورية لذلك.
لقد جرى منذ البداية منع الزيارات، بما في ذلك من طرف المحامين أنفسهم، والآن تقرر المنع المؤقت لإخراج المعتقلين إلى مختلف المحاكم، وذلك لمدة شهر على الأقل، وقبل ذلك كان جرى اعتماد تدابير صحية ووقائية واحترازية داخل المؤسسات السجنية، بما في ذلك إقرار اللباس الواقي للموظفين…
ولكن يبدو أن كل هذه التدابير التي تسهر عليها مندوبية السجون، لم تكف لهزم الفيروس وإبعاده عن السجون والسجناء، وبات الأمر يقتضي ربما خطوات أخرى.
إن فئة السجناء هي أساسًا موجودة في حالة حجر/عزلة، وبالتالي هي لا تمتلك حرية التقيد بالشروط الوقائية، أو حتى حرية الحركة من أجل الهروب والابتعاد عن الخطر، وإنما هي مرتهنة إلى ما يمكن أن تقدم عليه الإدارة من إجراءات بغاية حمايتها من الفيروس وحفظ صحتها وسلامتها، علاوة بالطبع على تأمين سلامة الموظفين في السجون.
ولهذا كان العفو الملكي والإفراج عن عدد من السجناء، وفق معايير محددة، قد مثل بادرة أساسية وإجراء حقيقيًا، ويجب اليوم على السلطة الحكومية أن تستلهم هذا الحس الإنساني الكبير الذي كرسه جلالة الملك من خلال قرار العفو، وأن تفكر، استحضارًا لدلالاته ورمزيته، في السير على ذات الأفق، وإبداع خطوات أخرى من شأنها التقليل من حدة الخطر وسط المؤسسات السجنية، وتفادي توسع رقعة الضحايا وأعدادهم.
لا شك أن لهذا الموضوع عديد تداخلات، فضلا عن حساسية كبيرة، مع ضرورة استحضار قواعد القانون وحقوق الإنسان في كل مستويات النظر فيه ودراسته، ولكن مع ذلك، تبقى المرحلة الحالية بكل قساوتها فرصة لتفكير جدي وعميق في واقع السجون ببلادنا، وفي السياسة السجنية، وفي منظومة سياستنا العقابية ككل.
لقد جرت كثير مناقشات بهذا الخصوص من قبل، وهناك برامج ومخططات وأفكار معروفة، ولكن تفشي الوباء ووصوله حتى إلى داخل السجون، يفرض اليوم الخروج من الترددات والحسم معها، ومتى انتهت هذه المحنة الصحية والمجتمعية، يجب الإنكباب العاجل على تطوير كامل هذه المنظومة الوطنية المتصلة بالسياسة السجنية، وذلك بتعاون وتفاعل مع مختلف المتدخلين والفاعلين في المجال.
أما الآن، ومع الإشادة بالاستنفار والتعبئة الواضحين لدى مندوبية السجون، فلا يمكن سوى الدعوة إلى مضاعفة الجهد المبذول، وتوفير المعدات الطبية واللوجيستيكية والوقائية الكافية لتمتين الشروط الاحترازية بداخل السجون.
وفي نفس الوقت، يجب التفكير، موازاة مع ذلك، في خطوات أخرى لتقليل نسبة الخطر والتخفيف من حجم انتقال العدوى، والنقص من الاكتظاظ…
ربما من يتواجد حرا بمنزله، تتوفر له الإمكانية للانتباه لذاته، والوصول إلى شروط الوقاية، واتخاذ ما يلزم لتفادي التعرض لكل ما يهدد بالإصابة، ولكن السجناء ليست لهم هذه الحرية، وهم أصلا محرومون منها، والسلطة القائمة على تدبير السجون هي المخول لها توفير الشروط الوقائية والاحترازية لكافة السجناء والموظفين.
ولهذا يجب أن تتوفر اليوم لمندوبية السجون كل الإمكانيات والموارد المطلوبة لتقوية جهدها المبذول، ويجب الحرص على توفير الرعاية الطبية الكافية واللازمة في مختلف السجون بدون استثناء، علاوة على التغذية، وأيضا كل مستلزمات النظافة والوقاية.
محتات الرقاص