السياسة تعود إلى…الأحزاب

شكلت الدورة الأخيرة للجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية لحظة نقاش غنية تم خلالها تطارح العديد من الأفكار والمقترحات المتعلقة بالإصلاحات الدستورية والمؤسساتية، وبالرغم من حالات التوتر وسخونة الكلام أحيانا، فإن النتائج مكنت القيادة التنفيذية للحزب من مقترحات إضافية لعرضها أمام اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور.
النتيجة إذن، أن كل مكونات الهيكل الحزبي ساهمت في بلورة المقترحات، وأن اللجنة المركزية قبل أن تصيغ مقترحات إضافية، فقد صادقت أولا على المذكرة الأولية التي كان المكتب السياسي قد تقدم بها في 28 مارس الماضي.
لم تنهمك اللجنة المركزية، خلال اجتماع السبت الماضي، لتدقق الصياغات القانونية والفقهية للمقتضى الدستوري وتحول بذلك اللقاء إلى ورشة تقنية للخبراء، إنما عرضت توجهات مبدئية ومواقف سياسية، يمكن بعد ذلك أن تتحول من طرف المختصين إلى متن دستوري لغة وتبويبا.
ومن الأفكار التي أثيرت في النقاش المشار إليه، تجديد التأكيد على أن «شخص الملك لا تنتهك حرمته»، وعلى أن «الملك هو القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية، وهو الذي يعين في المناصب العسكرية»، ثم اقترح مناضلو التقدم والاشتراكية التنصيص في الدستور على «التزام الجماعات الترابية بإشراك المواطنات والمواطنين في تدبير الشأن المحلي عبر آليات الديمقراطية المشاركاتية»، بالإضافة إلى إقرار «حق المبادرة الشعبية التي يتمكن المواطنون من خلالها من تحريك مسطرة استفتاء المصادقة على قانون يهم الحياة الاجتماعية، على أن يصدر قانون تنظيمي يضبط ممارسة هذا الحق»، ثم الإقرار في الدستور أيضا بـ «حق المواطنين في اللجوء إلى المجلس الدستوري للمنازعة في دستورية القوانين وفق شروط وآليات يختص بتدقيقها القانون».
وفي اللجنة المركزية جرى أيضا التشديد على أهمية دسترة «الحوار الاجتماعي» ليلتئم على الأقل مرة في السنة كآلية للتداول في المطالب الاجتماعية التي تطرحها المركزيات النقابية التمثيلية، وفضلا عن ذلك تم تجديد المطالبة بإنشاء «مجلس وطني للمساواة» توكل له مهمة تقديم مقترحات في مجال النهوض بحقوق المرأة.
واضح إذن أن كل هذه الأفكار تنتصر لأساسيات في الخلفية المبدئية للحزب (الديمقراطية المشاركاتية، دسترة الحوار الاجتماعي، المساواة، توسيع مساحات السيادة الشعبية…) ، وهي بلاشك ستمثل قيمة مضافة عند عرضها من لدن القيادة الحزبية على لجنة مراجعة الدستور.
لقد أتاحت هذه المناقشات الجارية وسط الأحزاب بشأن الإصلاحات الدستورية، فرصة استعادة حرارة الموضوع السياسي، وسواء داخل التقدم والاشتراكية أو في باقي الهيئات الجدية، فإن المطلوب اليوم هو إعادة امتلاك النقاش السياسي، وتجديد الارتباط والتفاعل مع النبض الشعبي.
النقاش حول الدستور سينتهي، وسيبقى التحدي هو أن تعود السياسة إلى الأحزاب، وأن تتقوى داخليا، وأن يسعى الجميع لتمكين بلادنا من حياة سياسية وحزبية جدية وعصرية.

Top