الصحراء كما شرحتها للأطفال ولهؤلاء الذين يحملون نظارات جزائرية

 في كتاباته الحديثة، يتابع الأديب المغربي الناطق بالفرنسية الطاهر بن جلون، عن كثب الحياة الاجتماعية والسياسية داخل الوطن وخارجه، ولعل ما يلفت الانتباه في هذه السلسلة من النصوص والمقالات المترجمة عن الفرنسية هو حدة الأسلوب الذي كتبت به، كأنها قدت من حجر مسنون.
 في كل نص، لا بل في كل فقرة من فقرات هذه النصوص التي ترجمناها عن الفرنسية، لا بد أن يتهيأ لك أنك تسمع صوت قرع الجرس، ينبه لوجود خطر، يقلقنا، يزعجنا، يوشك على ابتلاعنا. هذا الخطر له أكثر من وجه: الفقر، الجهل، البطالة، الفراغ، الحقد، الخوف، التطرف، الإرهاب..بوجيز العبارة، هي شهادة صادقة على هذا العصر وتحولاته.

بومارشي كتب:
 “العقل الصلب واللطافة الحقيقية لها دائما امتياز على الحيل المنحطة والخلافات البليدة التي تجعل الذين يوظفونها يشعرون بالخجل إلى حد أنهم لا يجرؤون على إماطة اللثام عنها كاملا”.
 هذه الفكرة خطرت ببالي وأنا أستعرض شريط آخر أزمة بين المغرب والكاتب العام للأمم المتحدة. الحاصل أن السيد بان كيمون لم ينجح في الإحاطة بملف الصحراء، يكون من المفيد أن يشرح له من خلال استعمال البيداغوجية الموجهة للأطفال الذين يريدون معرفة كيف تعمل العنصرية أو ما هو الإسلام. سأرى جيدا كتابا صغيرا بعنوان “الصحراء مشروحة للأطفال”. دبلوماسيونا يمكن لهم أن يعطوه لأولئك سواء ذوي النيات الحسنة أو السيئة، يظهر أنهم يجهلون هذه القضية التي تقوم وراءها دولة وقوة مسلحة هدفها وهمها منع المغرب من توطيد وحدته الترابية.  
هذا البلد هو الجزائر. يعرف ذلك الأمين العام للأمم المتحدة مثلما يعرفه جيدا بعض دبلوماسيي أمريكا اللاتينية أو أفريقيا. لكن بحجة التوازنات، يتعامون ويصغون بإحكام إلى الخطاب الجزائري.
العديد من الكتب تم تأليفها على هذه الأرض المغربية التي تعرضت إلى التقزيم الاستعماري. كتب جادة، كتب موثقة بشكل جيد، كتب هادفة أو كتب سجالية. ليس هناك جاهل أسوأ من ذلك الذي يرفض المعرفة. هذا ما حدث حديثا مع بان كيمون. تم تشويه الأشياء لأنه تخلى عن وظيفته باعتباره مسؤولا محايدا. كلمات تعيسة تم النطق بها، انزلاق تم التنديد به من طرف المغرب بمجموع مكوناته. غضب، حنق، قلق، حيرة، على مستوى مجلس الأمن.
 منذ أربعة عقود، والمغرب في اصطدام مع التعصب الجزائري. كل المغاربة، كما يقول المؤرخ المغاربي بيير فيرمان: “مقتنعون بأنهم على طريق الصواب وأن الصحراء الغربية هي لهم”. (لوموند في 19 مارس 2016). يبنغي أن نضيف أن هذه الأرض هي جزء لا يتجزأ من المغرب وأن الجزائر وجدت في ذلك الفرصة لخلق المشاكل للمغرب، إبطاء، أو بالأحرى الحيلولة دون تقدمه وتقديم نفسها باعتبارها الدولة الوحيدة في المنطقة المغاربية.
    من أين أتى هذا البغض؟ تقول صاشا غيتري بخصوص من يريد الإساءة إليها: “إنه من المحتمل أن يكون الشخص الذي قدمت له خدمة في يوم ما”. كل هذا حاصل. الأخوة خلال الحرب من أجل الاستقلال، التعاون المتين والحقيقي، المساعدة على جميع الأصعدة، كل هذا لم يتم استيعابه بشكل جيد، لم يتم أخذه بعين الاعتبار، بمجرد حصول الجزائر على حريتها. بالإضافة إلى الحقد ومحنة الهوية الجزائرية بعد 400 سنة من الوجود العثماني وأكثر من 132 سنة من الاستعمار الفرنسي. المغرب كان البلد العربي الوحيد الذي أفلت من الاستعمار التركي كما أن فرنسا لم تفرض سوى حمايتها التي لم تقم بتقويض هويته وظل القانون الوطني محافظا على تجدره في التاريخ.
 هذا الحقد تم توارثه من جيل إلى آخر. مع الأخذ يعين الاعتبار قصر الفترة التاريخية. ضيق التفكير والافتقار إلى الواقعية. لحسن الحظ أن الشعب الجزائري لا يوالي قادته الذين يقض المغرب مضجعهم. لقد أقبروا فكرة المغرب الكبير. لقد كانوا عاجزين عن التغلب على حقدهم وجعل المنطقة المغاربية وحدة اقتصادية وثقافية كبيرة ورائعة وقوية. لو أن هذه الوحدة تحققت بالفعل، ما كان هناك اليوم إرهاب ولا إفلاس تام في ليبيا، ولا تهديدات لضمان الثورة التونسية الشابة. عوض تخصيص للثقافة والتقارب بين الشعوب تلك الملايين من الدولارات التي تنفقها المصالح الجزائرية لاستفزاز المغرب في كل مرة حاول فيها الحد من هذا الخلاف المصطنع الذي تمت فبركته مع سكان الصحراء من خلال الإبقاء عليهم في وضع لا يحتمل، عوض التقدم نحو الأمام والاستجابة لآمال الشباب المغاربي، عوض الذهاب في اتجاه منطق الوحدة والتعاون، الجزائر متمسكة بقوة بهذا الخلاف، الذي آجلا أم عاجلا سينعكس على أرضها. لا ينبغي أن ننسى أن مخيمات تندوف تم توظيفها من طرف عناصر القاعدة من أجل التمرن على القيام بأعمال إرهابية في المنطقة.
  ربما أن انزلاقات بان كيمون قد تفضي بالقادة الجزائريين إلى الوعي بأن عليهم التحلي بالواقعية وتحويل طاقاتهم وأموالهم في اتجاه الوحدة المغاربية، ولما فيه الصالح العام لشعوبها، في اتجاه التنمية والإشعاع الثقافي. سيكون رائعا لو تمت مباغتة العالم الغربي الذي -بطريقة أ أخرى- يرتاح للتقسيم والحروب القائمة بين العرب. هناك رغبة في الصراخ: اصنعوا المغرب الكبير. تلك هي الرغبة الدفينة لكل شعوب هذه المنطقة. لا تنتظروا داعش التي توجد سلفا في ليبيا، لتنتشر بهمجيتها في البؤر المغاربية. 

بقلم: الطاهر بنجلون

 ترجمة: عبد العالي بركات    

Related posts

Top