الفنان جمال بودويل واحد من المطربين والفنانين المغاربة الملتزمين، الذي يعمل في صمت بعيدا عن الأضواء، وهو ممن ساهموا وأثروا الساحة الفنية المحلية باللون والطابع الفني الملتزم، يحمل مشعل الأغنية الملتزمة ويسعى دوما من خلال رسالته النبيلة إلى إيصال صوت المقهورين ورسم حالة الدول العربية التي تعاني الويلات جراء حروب مدمرة واستعمار متسلط وأوبئة فتاكة في صورة تعبر عن معاناتها وتجسد أوضاعها بأدق التوصيف المؤثر أحيانا والذي ينفذ إلى الأعماق.
هكذا هو الفنان جمال بوديل الابن البار لحي للازهرة، الحارة التي أنجبت رجالات في ميدان المسرح والشعر والكوميديا والرياضة، فنان يتميز بطريقة فريدة في أداء الأغنية الملتزمة والأغنية الوطنية بصوته الشجي الصداح الذي يتفاعل معه المتلقي العربي.
شارك في العديدِ من المهرجاناتِ والأمسيات الفنية محليا وخارج الوطن.. وما زال الفنان جمال بودويل يواصل مشواره مع التلحين وغناء الأغنية المعبرة عن هموم وجراح ومآسي أهل الوطن العربي.
وبدون شك، فالحركة الفنية الملتزمة في العالم العربي كان لها دورا كبيرا في مسيرته الفنية الملتزمة، فالفنانون الشيخ إمام عيسى وزياد الرحباني ومارسيل خليفة وغيرهم قد أثَّروا فيه وارتوى من معين هؤلاء الرواد إضافة إلى مجموعة ناس الغيوان وسعيد المغربي وصلاح الطويل.
فنان لا يتخلف عن الموعد فإذا ما داهم الوطن أو العالم العربي أزمة ما أو جائحة ما، وإذا ما تحقق إنجاز ما… شمر الرجل على ساعده، وفاجأ محبيه بقطع موسيقية ذات كلمات محكمة وهادفة، يكون من ورائها إما التنديد والشجب أو التشجيع والتنويه أو توجيه رسائل مشفرة إلى من يعنيهم الأمر، وهو ذات العمل الجديد الذي قام به الرجل حين انتشر بالمغرب وباء كورونا، إذ سارع الفنان بودويل إلى التغني بمآسي فئة عريضة من المجتمع وجدت نفسها تصارع من أجل ضمان كسرة خبز، كما لم يفوت فرصة التغني بمبادرة سلطات البلاد والتدابير الاحترازية والاستباقية التي سنتها الجهات الرسمية.
بدأت المسيرة الفنية الغنائية للمطرب جمال بودويل بداية ثمانينات القرن الماضي، عبر إعادة أداء أغاني مجموعة ناس الغيوان والتي رسخ من خلالها جمال بودويل أقدامه فنيا في اللون الملتزم، وكون لنفسه اسما وصيتا وحقق شهرة داع صيتها محليا ووطنيا.
واللافت أن من يتابعُ مسيرة الفنان جمال بودويل ومشواره مع الغناء والتلحين، يلاحظ بوضوح أنه مهِّدُ منذ أول ظهور له على خشبة المسرح لتشكيل أغنية مستقلة تتماثل مع طابعه الخاص، ولكنها في الوقت نفسه نابعة من الأجواء العربية مخلقة في آفاقها الرحبة، لذلك وجدنا أغلب أغانيه ترتبط بنصرة القضية الفلسطينية، يناضل عبر الكلمة الهادفة واللحن الجميل للبوح بمعاناة شعب أعزل لا ذنب له سوى أنه أراد أن يعيش في كرامة ويستنشق أريج الحرية، رافعا بذلك من شأن الأغنية الملتزمة ومحافظا على استمراريتها عبر الحقب والأزمنة، ومساهما في تطويرها بصبغة موسيقية جديدة، تساير وتواكبُ روح العصر وتتماشى وتتناغم مع طابعها الأصلي، مما أهله بعد ذلك أن يستلهم ويغترف من هذا التراث الغنائي الكثير من الألحان التي قدمها خلال السنواتِ الماضية والتي تخدم مشروعه الفني .
لقد ظل الفنان جمال بوديويل رهين نوع غنائي معين آمن برسالته النبيلة منذ الإرهاصات الأولى وطور ذاته كثيرا في نسق الأغنية الملتزمة، ولم تستهويه الأنساق والأنواع الغنائية الأخرى رغم جمهورها العريض وإغراءاتها المادية.
عبدالله مرجان