المرأة والتحرش الجنسي

بين مطرقة الخوف من العار وسندان الظلم والإكراه

رغم أن التحرش الجنسي لم يعد من المواضيع التي تدخل ضمن خانة الطابوهات في المجتمع، وأضحى بمقدور ضحايا هذا الفعل الأخلاقي فضح أي نوع من الاعتداء الجنسي الذي يطالهم سواء في الشارع أو خلف الأبواب المغلقة من عمل ومقاعد الدراسة، إلا أن هذا لم يمنع من تفشي الظاهرة أكثر، مرجعين الأسباب تارة للباس المرأة، وتارة أخرى لانهيار القيم الأخلاقية داخل المجتمعات العربية.

هده الظاهرة ليست وليدة اليوم، بل في استفحال مستمر، ومن خلال هذا الربورتاج تسلط جريدة بيان اليوم الضوء على قصص بعض ضحايا هذا الفعل وتبحث في الأسباب.

 وفاء: نرجسية بعض أساتذة التعليم العالي سبب كرهنا للنظام التعليمي بالمغرب

 وفاء 23 سنة، طالبة بكلية الحقوق عين شق، تحكي لنا تفاصيل تعرضها لابتزاز وتحرش جنسي من طرف أحد أساتذتها بالكلية عينها “كنت واثقة من أنني أبليت حسنا في الامتحان، لم أتوقع نقطة أقل من المعدل، فإذا بي أتفاجأ يوم الامتحان الاستدراكي أنني الوحيدة التي ستجتاز الدورة الاستدراكية، ليطلب مني أستاذ المادة أن نسافر سويا إذا كنت أرغب في النجاح بمادته” وفاء لم تقبل عرض الأستاذ، وقررت الصمت على أن تفضحه إيمانا منها بفساد الإدارة وأنها لن تستفيد شيئا.

وفاء ليست الوحيدة، فلائحة الطالبات اللواتي يتعرضن للابتزاز والتحرش من طرف أساتذتهم في الكليات في تفاقم مستمر، ليلى، طالبة بسلك الماستر، تحكي لبيان اليوم معاناتها مع أحد الأساتذة “ببساطة شديدة رفضت أن أكون خليلة أستاذي بالكلية، والانتقام التقليدي هو أن يحرمني من النجاح في مادته التي لا أستطيع الحصول على شهادة النجاح دونها، نرجسية بعض أساتذة التعليم العالي سبب في كرهنا للنظام التعليمي بالمغرب”.

لمياء: العمل في مجال السياحة يعرض الفتيات للتحرش أكثر من أي مهنة أخرى

 لمياء 30 سنة، تعمل بمجال تدبير الفنادق السياحية المصنفة، تصف لنا تجربة تحرش جنسي تحولت إلى محاولة اغتصاب، جعلتها ترفض العودة للاشتغال في هذا المجال: “كانت نظرات المدير المسؤول عن السكن في الفندق دائما تفضحه داخل الاجتماعات، بل ويتعمد أن يبقيني الأخيرة حتى يحظى بدقائق معي، حاولت التغاضي مرارا عن هذه التصرفات طالما لم تأذيني، إلا أن اليوم الذي تجرأ فيه على لمسي لم أقدر على تجاوز الأمر” تقول المتحدثة إن المدير قد تحجج بمشكل في إحدى الغرف، ليدعوها قصد تفحص الخلل، لتكتشف في الأخير أنه ينتظرها على سرير الغرفة، وحاول بعنف اغتصابها إلا أنها تمكنت من الإفلات منه بمعجزة نظرا لقوته الجسمانية وخلو الفندق من الناس في الممرات فلم يستجب لندائها المستنجد أحد. “فور هروبي من ذلك المجرم توجهت إلى المدير العام للفندق، الذي أنصفني وطرده على الفور، لم ألجأ للقضاء لغياب الأدلة، لكني اعتزلت عملي ولا أفكر أن أعود للاشتغال في هذا المجال مرة ثانية”.

التحرش الإلكتروني: عشرات القصص المسكوت عنها

تواجه الفتيات خصوصا القاصرات منهن كل يوم رسائل تحمل إيحاءات جنسية وعبارات تحرش غالبا لا تفهمها الفتيات مما يجعلهن عاجزات عن القيام برد فعل مناسب، إلا أنهن لا يخفين شعورهن بعدم الراحة تجاه تلك الرسائل. 

عفاف، وهو الاسم المستعار الذي اختارته أحد الفتيات دون سن 18 لتشاركنا قصتها مع التحرش الالكتروني. “كان يرسل لي عبارات من قبيل “ماذا تريدين أن أفعل لك الآن؟”، “أودّ أن تنامي بين ذراعيّ” “ماذا ترتدين الآن..” كلها كلمات كانت تجعلني مرتبكة ولم أعلم آنذاك كيف يجب علي أن أتصرف، كان يهتم بي ويشاركني تفاصيل يومه، لم أعتبره يوما أكثر من صديق على مواقع التواصل الاجتماعي لكن نيته الخبيثة جعلته يبدأ في تهديدي بسبب صور عادية كنت قد أرسلتها له، وجعلني أختار بين فتح الكاميرا ومطاوعته أو أنه سيخبر أخي، الذي عرف حسابه عبر حسابي طبعا لأنني كنت أشارك معلومات صحيحة على قاعدة فيسبوك”.

عفاف لم تستطع أن تطاوع المتحرش أكثر من هذا فقررت أن تخبر أمها بتفاصيل الواقعة كما هي، لتتولى زمام الأمور وتضع حد لهذا الابتزاز. “لست الوحيدة التي تعرضت لهذا النوع من المضايقات، فهنالك صديقات لي اللواتي لا زلن على هذا الحال، خوفا من الفضيحة أمام عائلاتهن، والأمر مرهق نفسيا جدا، لا أعلم إن كنت أستطيع التحمل أكثر في حال لم أخبر أمي، لقد كانت هذه التجربة أسوأ ما مررت به في كل حياتي”.

الطب النفسي: التحرش الجنسي أسلوب لاكتساب السلطة أو الحفاظ عليها

من وجهة نظر سيكولوجية يتم تعريف التحرش الجنسي بكونه سلوك مسيء ذو طبيعة جنسية غير مرحب به، لا سيما في مكان العمل. وهو سلوك -حسب الضحايا- مزعج ومهين ومحرج ومرهق ومخيف ويسبب الكثير من الألم والمعاناة، وقد يؤذي استمرارية التعرض له إلى الإجهاد الانفعالي والجسدي واضطراب توتر مابعد الصدمة في بعض الأحيان، ويعتبر عامل خطر فقدان الثقة في الوزن/الشكل والنظرة السلبية للجسم وانخفاض الشعور بالأمان.

يرى الأخصائي في علم النفس العصبي، الدكتور اسماعيل العراقي الحسيني، أن التحرش الجنسي، قد يكون عبارة عن اهتمام جنسي غير مرغوب فيه، أو إكراه جنسي، أو تحرش بمعنى السلوكيات الجنسية اللفظية وغير اللفظية المهينة والعدائية حول الجنس أو الهوية الجنسية أو التوجه الجنسي.

ويضيف الأخصائي حول أسباب الظاهرة أن الخطاب الشعبي العامي غالبا ما يتم تفسير مثل هذه المضايقات بالكبت، أو سوء التربية، أو انعدام الأخلاق، غير أن انتشار هذه الظاهرة بين مختلف أفراد المجتمع بغض النظر عن المستوى الاقتصادي والاجتماعي والمهني والتعليمي والعلائقي، يشير إلى عدم إمكانية تفسير هذا السلوك متعدد الأبعاد بمتغير واحد أو اثنين.. بل هو كأي سلوك إنساني آخر يجمع بين مجموعة من الاستعدادات السيكولوجية الداخلية والعوامل السياقية الخارجية، كما يمكن اعتبار التحرش الجنسي أسلوب لاكتساب السلطة أو الحفاظ عليها، وتنشأ عن شعور بالاستحقاق الذي يشعر به الأشخاص الأقوياء. في بعض الأحيان، يتم استخدام التحرش الجنسي لترهيب، وإضعاف، النساء في المهن، والأدوار الاجتماعية التي يهيمن عليها الرجال في العادة.  protect occupational and social territory

ليختم الدكتور تصريحه لجريدة بيان اليوم حول إمكانية اعتبار فعل التحرش الجنسي مرض نفسي، بالقول إن هناك بالطبع مجموعة من السلوكيات التي تندرج في إطار التحرش الجنسي التي تعتبر اضطرابا نفسيا، والتي تندرج في قسم Paraphilic Disorders، مثلا، Voyeuristic Disorder (استراق النظر ومراقبة الآخرين) أو Exhibitionistic Disorder (استعراض ونشر الأعضاء التناسلية)، أو Frotteuristic Disorder (لمس شخص آخر بدون موافقته). إلا أن تشخيصها يتطلب استيفاء مجموعة من المعايير التشخيصية من طرف طبيب نفسي مختص في هذا النوع من الاضطرابات. نعني بذلك قد تكون بعض محاولات التحرش الجنسي شكل من أشكال الاضطراب النفسي، لكن ليس جميعها.

ندى الحسوني (صحافية متدربة)

Related posts

Top