المناطق الرطبة في زمن ندرة المياه وتغير المناخ

في جميع مكونات الأنظمة المناخية من غلاف جوي ومائي وجليدي ومحيط حيوي، يبقى للماء دور محوري وأساسي في بقاء هذه الأنظمة في صحة جيدة. لذلك فإن تغير المناخ يؤثر على المياه باعتبارها المنبع الرئيسي لحياة الأراضي الرطبة من خلال عدة آليات، كما تلعب هذه الأراضي الرطبة دورا رئيسيا في التخفيف من آثار تغير المناخ، حيث يعتبرها الخبراء من بين أكثر بالوعات الكربون فعالية على هذا الكوكب. ومع ذلك فإن هذه الإمكانيات الهامة التي تتمتع بها المناطق الرطبة لا تحظى بالتقدير الكافي خلال وضع خطط مواجهة تغير المناخ. وبالرغم من أهميتها، تبقى الأراضي الرطبة من بين أكثر النظم الإيكولوجية تأثرا بعواقب تغير المناخ حتى وإن كانت طفيفة، إضافة إلى التغيرات في الأنظمة الهيدرولوجية، المتمثلة خاصة في إرتفاع مستوى سطح البحر وانخفاض منسوب المياه السطحية والجوفية.
وبمجرد تجفيف الأراضي الرطبة أو حرقها، فإنها تتحول إلى مصدر هام لانبعاث الغازات الدفيئة من أهمها غاز ثاني أوكسيد الكربون والميثان وأوكسيد النيتروجين.
يوم الأربعاء الماضي، احتفلت دول المعمور باليوم العالمي للمناطق الرطبة، وهي مناسبة للرفع من نسبة الوعي بالأهمية الكبرى التي تمثلها الأراضي الرطبة في حياة الإنسان ووظائفها الحيوية بالنسبة لكوكب الأرض، ويعتبر هذا اليوم العالمي أيضا مناسبة لتخليد ذكرى توقيع اتفاقية رامسار بشأن الأراضي الرطبة في مدينة رامسار الإيرانية سنة 1971، وفقد كوكب الأرض حوالي 35٪ من الأراضي الرطبة العالمية ما بين عامي 1970 و2015 في الوقت الذي فقدت فيه منطقة البحر الأبيض المتوسط حوالي 50٪ من أراضيها الرطبة الطبيعية منذ عام 1970.
ورغم نستمر في تدميرها، بينما فقد المغرب العشرات من مناطقه الرطبة في مقدمتها ضاية عوا ومصب نهر ملوية بينما تعاني مناطق رطبة أخرى في صمت كضاية دار بوعزة، ويمثل موضوع سنة 2022: “العمل من أجل الأراضي الرطبة هو عمل من أجل الناس والطبيعة” نداء للاستثمار في الموارد المالية والبشرية والسياسية لإنقاذ ما تبقى من الأراضي الرطبة حول العالم من الاختفاء واستعادة تلك التي تسببنا في تدهورها، ويعاني الإنسان بصفة عامة من عدة تهديدات عند فقدان الأراضي الرطبة منها شح المياه، التعرض لمخاطر الفيضانات والظواهر الجوية المتطرفة، فقدان سبل العيش والرفاهية، وانعدام الأمن الغذائي بينما يهدد فقدانها على المستوى الدولي تدهور التنوع البيولوجي، زيادة انبعاثات الكربون والميثان، فقدان نظام ترشيح طبيعي للمياه العذبة، وتجدر الإشارة إلى أن اتفاقية رامسار كانت قد أصدرت تعريفا للمناطق الرطبة يعتمد على سرد فئات البيئات التي تغطيها، بالإضافة إلى ذلك، تبنى معظم الأطراف الـ169 في هذه الاتفاقية تعريفهم الوطني الخاص للأراضي الرطبة، بما يتناسب مع أوضاعهم واحتياجاتهم ونظام تخطيطهم، وتعتبر الأراضي الرطبة حسب اتفاقية رامسار المساحات من المستنقعات أو مستنقعات الخث أو المياه الطبيعية أو الاصطناعية دائمة كانت أو مؤقت حيث تكون المياه راكدة أو متدفقة، طازجة ، قليلة الملوحة أو مالحة بما في ذلك المسطحات المائية البحرية التي يكون عمقها عند انخفاض المد لا يتجاوز ستة أمتار ، ويعرف المغرب المناطق الرطبة حسب اتفاقية رامسار بالنظم البيئية المائية ذات وحدة مساحة مغطاة بالمياه أو مبللة بشكل دائم أو متقطع، بحيث تشكل نظاما حيويا يتميز بشبكة غذائية قائمة ويتم الحفاظ عليه قبل كل شيء من خلال المكونات والعوامل الداخلية لهذا الفضاء”. وسيتم اعتماد هذا التعريف نفسه للأراضي الرطبة، مع الخصوصية الوحيدة أن عمقها لا يزال أقل من ستة أمتار، ويتم تطبيق تسمية “المناطق الرطبة” على البيئات المائية الحرة الدائمة والمتقطعة مثل المجاري المائية والينابيع والمياه الراكدة والمياه البحرية الساحلية التي يقل عمقها عن ستة أمتار، مياه الكهوف، ولكنها ستمتد أيضا إلى مروج جبلية رطبة إلى حد ما، إلى المروج الصحراوية ذات الغمر القصير وغير المنتظم، إلى المنحدرات البحرية، وكذلك إلى المياه الاصطناعية: خزانات السدود، والقنوات الاصطناعية والآبار والواحات وحقول الأرز وما إلى ذلك، ومع ذلك فإن إجراءات الحفظ التي تستهدف الأراضي الرطبة يمكن أن تغطي أيضا الموائل الأرضية التي من المحتمل أن تساهم في وجودها أو عملها، من خلال الأدوار المادية أو البيئية: على سبيل المثال عبر شبكات الغذاء، هذه هي حالة مناطق تعشيش الطيور المائية أو المنحدرات المباشرة للأراضي الرطبة، والتي غالبا ما تعتبر مناطق عازلة لحفظها، وتشتهر الأراضي الرطبة في المغرب بوفرتها وتنوعها حيث تشغل 300 موقع ما يقرب من 400000 هكتار أو 0.6٪ من مساحة الأرض، في هذا المخزون تم تضمين حوالي 170 بحيرة سد، ويبلغ إجمالي مساحتها حوالي 120000 هكتار، في حين أن هذه البيئات الاصطناعية قد نمت بشكل كبير منذ عام 1980، أي مع بداية أزمات الجفاف، إلا أن المدى التراكمي للمواقع الطبيعية لا يزال حوالي 280 ألف هكتار، وهو ما يمثل أقل من نصف الإجمالي من مساحة المناطق القابلة للفيضانات في بداية القرن العشرين، وترتبط وفرة هذه الموائل بالعديد من العوامل الفيزيائية والبيئية والتاريخية، ويرتبط تكوين الأراضي الرطبة القارية بشكل أساسي بوجود ثلاث سلاسل جبلية كبيرة التي تبلغ ذروتها عند ارتفاع 4000 متر، والتي تحدد شبكة هيدروغرافية كثيفة تتميز بتنوع قوي في الأنظمة الهيدرولوجية والحرارية، وتدعم الهضاب العالية المنتشرة بين هذه الجبال العديد من تكوينات البحيرات، على ارتفاعات منخفضة، تتطور سهول شاسعة بشكل أساسي: سهول ساحلية: اللوكوس، الغرب، تانسيفت، ملوية وسوس، والسهول الداخلية: سايس، دكالة، والحوز، وسهول صحراوية: تافيلالت وواد درعة، مما أدى إلى ظهور عشرات المستنقعات وآلاف الضايات، أما المناطق الصحراوية، فلا تزال تحمل بصمة الشبكة الهيدروغرافية الكثيفة التي كانت تسقيها بكثافة ولكن الآن الشبكة فهي جافة وبالرغم من ذلك فتبرز العديد من السبخات، وتجدر الإشارة إلى أن هذا التنوع المذهل الذي يعرفه المغرب في مناطقه الرطبة يتعلق بشكل متناقض بالأراضي الرطبة التي تكون في الغالب صغيرة الحجم مقارنة بأوروبا الوسطى أو ما يعادلها جنوب الصحراء الكبرى، وهي معرضة بشدة للمخاطر المناخية والتأثيرات البشرية، بالإضافة إلى ثروة المياه الداخلية، بالإضافة إلى كل ذلك فهناك تنوع في الأراضي الرطبة الساحلية المتباينة على طول الساحل البحري المشترك بين المحيط الأطلسي على طول 3000 كيلومتر والبحر الأبيض المتوسط ​​على طول 500 كيلومتر، حيث يتضح هذا التنوع من خلال فسيفساء معقدة من الموائل والتي تنتج من مجموعات متعددة من العوامل البيئية السائدة: الدينامية المائية والملوحة وطبيعة قياس الحبيبات، وميل قاع البحر، والنظام الحراري، وقوة وتواتر الرياح كل هذه الفسيفساء مبررة بالمعايير الفيزيائية: بالإضافة إلى الاختلاف الكبير بين النظم الإيكولوجية للبحر الأبيض المتوسط​​والأطلسي، نلاحظ وجود تدرجات بين الشمال والجنوب على طول ساحل المحيط الأطلسي، تقطعها تيارات المحيط الصاعدة التي تشكل الأنظمة الحرارية وهيدرولوجية المياه الساحلية، وتطورت على الواجهتين البحريتين للمغرب عشرات الشواطئ متفاوتة الطول بالتناوب مع الجروف والهضاب الصخرية، وتطورت معها العديد من الخلجان المفتوحة إلى حد ما: خليج الحسيمة، القصر الصغير، طنجة، الجديدة وأكادير، لكن أحدها “خليج الداخلة” هو الوحيد الذي يتميز بشكله الداخلي مما يجعله محميا نسبيا من الدينامية المائية البحرية، وتتعطل هذه النظم البيئية من قبل عشرات المصبات النهرية المتفاوتة الشكل والظروف البيئية ومن حوالي ستة بحيرات: الناظور، أسمير، المرجة الزرقاء، سيدي موسى، الوليدية واخنيفس، كل واحدة منها تتميز عن غيرها، حيث تبرز بعض الجزر الصغيرة من هذا الخط الساحلي من أبرزها جزر الصويرة على المحيط الأطلسي وجزر باديس وليلى على البحر الأبيض المتوسط، وغالبا ما تكون هذه السهول الفيضية مدعومة بكثبان ساحلية حيوية أو أكثر أو أقل استقرارا والتي يتم تنظيمها أحيانا في حبال لعدة عشرات من الكيلومترات على ساحل الدكالة وساحل الغرب وساحل اللوكوس-أصيلا.
وكشفت المجتمعات الحية للأراضي الرطبة عن أصول مختلفة وفقا للفئات، حيث تحتوي المياه الداخلية على نسبة عالية من الأنواع المتوطنة في شمال إفريقيا عامة وبالمغرب خاصة أو حتى نظام بيئي واحد، ويمتد هذا التوطن أيضا إلى أنواع الموائل ويشهد على تطور في ظل قيود العزلة الجغرافية والمناخية، بالإضافة إلى هذا التوطن يقع المغرب على مفترق طرق للعديد من طرق هجرة الطيور الأوروبية الأفريقية وتلعب أراضيه الرطبة دورا حيويا كمواطن توقف إلزامية لملايين الطيور المهاجرة، وتستضيف الأراضي الرطبة الساحلية وهي كبيرة الحجم بشكل عام الغالبية العظمى من هؤلاء المهاجرين مما يعوض عن النسبة المنخفضة من التوطن المسجل في هذه البيئات. ويمكن أيضا ترجمة هذه الصفات إلى خدمات النظام البيئي، بمعنى أن الأراضي الرطبة المغربية تشارك في تطوير وحتى بقاء العديد من المجتمعات البشرية، وخير دليل على أهمية هذه الخدمات هو تمركز السكان على طول ضفاف الوديان والساحل، وخاصة بالقرب من مصبات الأنهار، وعلى أطراف البحيرات والمستنقعات وبالقرب من الينابيع الرئيسية، في هذا التوزيع، تعتبر مياه الشرب بالتأكيد عنصرا هيكليا، ولكن الأراضي الرطبة توفر أيضا طعاما طبيعيا أو مستزرعا كالطيور المائية ومنتجات الصيد والأعشاب البحرية والوظائف والخدمات الأخرى مثل مزارع الملح والرمل والنشاط الساحلي والنزهات بالبحيرات والأودية ومجالات البحث والتعليم، كما أن فيضانات الوديان، التي يلقى اللوم فيها خطأ في شمال إفريقيا على آثارها الضارة على الناس وممتلكاتهم، تفيد السكان بمياه الشرب والري وبالموارد الغذائية وبالموارد الرعوية وما إلى ذلك إلى حد كبير بفضل الفيضانات، بالإضافة إلى ذلك يساهم ذلك في التخفيف من التلوث في العديد من الوديان التي لا تزال ملوثة إن لم نقل كلها سواء كانت هناك محطات لمعالجة المياه العادمة أم لا وفي غياب محطات لمعالجة المرجان تضل أنهار سبو أم الربيع تانسيفت عبارة عن مستنقعات لمياه الصرف الصحي والصحي ومرجان معاصر الزيتون السام، فالعديد من هذه الاستخدامات متوارثة عن الأسلاف وتستحق تصنيفها كتراث ثقافي حيث ربطت جفاف المناخ حياة السكان عبر التاريخ بالأراضي الرطبة، يمكن ملاحظة هذا الرابط الواضح جدا في واحات ما قبل الصحراء، حتى في الجبال وسهول الشمال؛ لقد ولد مع مرور الوقت معرفة فنية متنوعة، والتي تم الحفاظ عليها جزئيا حتى يومنا هذا، في المعالم الأثرية وأدوات العمل وقواعد الحياة المجتمعية، وتساهم هذه العناصر بشكل كبير في التنوع الثقافي في البلاد .

كيف يحافظ المغرب على المناطق الرطبة؟

منذ التسعينيات أطلق المغرب استراتيجية للحفاظ على أراضيه الرطبة، حيث تم تنفيذ الإجراء الأول في هذا الاتجاه من خلال التعريف بشبكة مكونة من أكثر من 80 منطقة رطبة كمواقع ذات أهمية بيولوجية وإيكولوجية، مرشحة لأن تكون محميات لكي تصنف فيما بعد كمواقع رامسار، بناء على دراسة علمية ميدانية قام بها خبراء في المجال، تلتها إصدار الاستراتيجية الوطنية للحفاظ على التنوع البيولوجي وتنميته المستدامة في نسختها الأولية، وقد رافق هذه الجهود التزام المملكة بمبادرات دولية متعددة لحماية الطبيعة، وكان المغرب من ضمن الدول الأوائل التي انضمت إلى العديد من الاتفاقيات الدولية: اتفاقية التنوع البيولوجي واتفاقية الأمم المتحدة الإطار بشأن تغير المناخ، اتفاقية رامسار للمناطق الرطبة، اتفاقية الأنواع المهاجرة، بروتوكول قرطاجة، بروتوكول ناغويا، بما يتوافق مع التوجهات المختلفة وخطط العمل الإستراتيجية على المستوى الدولي، من خلال هذه العضوية والحضور القوي في المشهد الدولي تشهد المملكة على التزام سياسي قوي بالحفاظ على التنوع البيولوجي ومنذ ذلك الحين اعتمدت بالكامل على آليات تنفيذ هذه الاتفاقيات، ودخلت الخطة الاستراتيجية لاتفاقية رامسار 2016-2024 بينما دخلت اتفاقية الأراضي الرطبة حيز التنفيذ في عام 1975 وصادق عليها المغرب في عام 1980، وهي تهدف إلى الحفاظ على الأراضي الرطبة واستخدامها الحكيم من قبل الإجراءات المحلية والإقليمية والوطنية ومن خلال التعاون الدولي كمساهمة في تحقيق التنمية المستدامة في جميع أنحاء العالم. وتعتبر الخطة الإستراتيجية 2016-2024 هي الرابعة من نوعها حيث تحتوي على 16 هدفا رئيسيا منظمة في أربعة أهداف إستراتيجية من معالجة دوافع فقدان الأراضي الرطبة وتدهورها الى الحفاظ على شبكة مواقع رامسار وإدارتها بفعالية والى الاستخدام الرشيد لجميع الأراضي الرطبة وأخيرا تحسين تنفيذ الاتفاقية، وكان المغرب قد صادق على الخطة الاستراتيجية 2011-2020 لاتفاقية التنوع البيولوجي عام 1995، التي دخلت حيز التنفيذ في عام 1992 والتي تهدف إلى الحفاظ على التنوع البيولوجي، وكذلك الوصول إلى الموارد الجينية والتقاسم العادل والمنصف للمنافع الناتجة عن استخدامها، وتوفر هذه الخطة إطار عمل لجميع البلدان وأصحاب المصلحة الملتزمين بالحفاظ على التنوع البيولوجي، وهي تتألف من 20 هدفا رئيسيا أو ما يسمى بأهداف أيشي منظمة في خمسة أهداف استراتيجية: معالجة الأسباب الكامنة وراء فقدان التنوع البيولوجي من خلال دمجها في السياسات في جميع أنحاء العالم الحكومة والمجتمع؛ تقليل الضغوط المباشرة على التنوع البيولوجي وتشجيع استخدامه المستدام، تحسين حالة التنوع البيولوجي من خلال حماية النظم الإيكولوجية والأنواع والتنوع الجيني، تعزيز المنافع للجميع المستمدة من التنوع البيولوجي وخدمات النظام الإيكولوجي، تعزيز التنفيذ من خلال التخطيط التشاركي لإدارة المعرفة وتنمية القدرات، بالإضافة إلى التدابير المتعلقة بالموارد المائية وتغير المناخ، ينبغي التأكيد على الهدف 11، الذي يلزم الأطراف بحماية “17٪ من الأراضي والمياه الداخلية و10٪ من المناطق البحرية والساحلية”، بينما هناك خطة أخرى تبناها المغرب ويتعلق الأمر بالخطة الاستراتيجية 2015-2023 لاتفاقية الأنواع المهاجرة إن أهداف اتفاقية الأنواع المهاجرة مستوحاة من أهداف أيشي للتنوع البيولوجي وتكييفها مع خصوصيات الأنواع المهاجرة ولاسيما فيما يتعلق بالمخاطر التي تولدها حركات الهجرة واحتياجاتهم من حيث ربط الموائل العابرة للحدود، حيث تم إسناد مهمة رئيسية للخطة تتمثل في “تعزيز إجراءات جميع الجهات الفاعلة المعنية من أجل ضمان حالة حفظ مواتية للأنواع المهاجرة بالإضافة إلى الترابط الإيكولوجي ومرونة موائلها، وبالتالي المساهمة في الاستدامة العالمية”، خطة أخرى وقعها المغرب وسعى إلى تفعيلها ويتعلق الأمر بالخطة الإستراتيجية 2009-2017 لاتفاقية الحفاظ على الطيور المائية المهاجرة الأفريقية الأوراسية والتي تهدف إلى تحسين حالة حفظ حوالي 240 نوعا من الطيور المهاجرة عبر الممرات الشمال والجنوب بين أوراسيا وأفريقيا، وتعمل هذه الاتفاقية على ضمان مشاركة جميع البلدان الواقعة على طول هذه الممرات في مجموعات الطيور المائية القابلة للحياة وهذه هي حالة المغرب بشكل خاص والتي تقع على مفترق طرق العديد من هذه الممرات، وتهدف هذه خطة العمل إلى “الحفاظ على أو استعادة أنواع الطيور المائية المهاجرة ومجموعاتها إلى حالة حفظ مواتية على طول مسارات طيرانها”، وتعتبر خطة العمل 2016-2030 هي مبادرة إقليمية للأراضي الرطبة في البحر الأبيض المتوسط تم إطلاقها في عام 1990 وتعمل تحت رعاية اتفاقية رامسار وتم المصادقة عليها من خلال مخطط عام في قمة الاطراف رامسار الذي تم تنظيمه في يونيو 2015 في أوروغواي وهي مستوحاة من الأهداف الأربعة الواردة في خطة رامسار الإستراتيجية الرابعة.
ويلتزم المغرب من خلال توقيعه على الاتفاقية الإطار المعلقة بتغير المناخ بجمع وتبادل البيانات حول غازات الاحتباس الحراري وتنفيذ الاستراتيجيات الوطنية والتعاون للتعامل مع مشاكلها، والمغرب منخرط وملتزم بالمشاركة في الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ولكن من الضروري أيضا معرفة أن الجفاف، وهو أحد أكثر مظاهر تغير المناخ ضررا في البلدان القاحلة كان ولا يزال السبب الأصلي في التدهور الشديد في القيم البيئية للأراضي الرطبة المغربية، وهذا يوضح الحاجة إلى تدابير تكيفية محددة لمنع مثل هذا التدهور في المستقبل، وتبقى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر واحدة من الاتفاقيات الأكثر ملاءمة للتحديات البيئية التي يواجهها المغرب، سواء للحفاظ على التنوع البيولوجي أو لتحسين الظروف المعيشية للسكان، ويظهر هذا جليا في مخططهها الاستراتيجي وفي أهدافه الأربعة تحسين الظروف المعيشية للسكان المتضررين وتحسين حالة النظم البيئية المتأثرة وتحديد الفوائد العامة من التنفيذ الفعال للاتفاقية وحشد الموارد من أجل تنفيذ الاتفاقية من خلال إقامة شراكات فعالة بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية، وتتداخل هذه الأهداف كثيرا مع تلك الخاصة بالاتفاقيات المذكورة أعلاه، مع الخصوصية التي تهم المناطق الأكثر تضررا من الجفاف والتي تربطها أيضا باتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، وكان آخر مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر في نسخته الرابعة عشر والذي عقد شهر شتنبر 2019 في نيودلهي الهندية قد أتاح المؤتمر المذكور إطلاق مبادرات مثل مبادرة غابة السلام في كوريا الجنوبية أو التزام رئيس الوزراء الهندي بزيادة الطموح الوطني للاستعادة من 21 إلى 26 مليون هكتار بحلول عام 2030 ولدعم البلدان النامية، وهكذا أثبت مؤتمر الأطراف الرابع عشر لاتفاقية مكافحة التصحر أن جدول أعمال الأراضي يمضي قدما وأن التزام البلدان والجهات الفاعلة غير الحكومية لصالح الاستعادة يتحقق، لكن هذه الحلول لا تزال تشكل جزءا صغيرا جدا من الحلول المتوخاة، والمعرفة المعبأة، وقبل كل شيء، الاستثمارات التي تم إجراؤها على الرغم من استمرار التدهور في التكلفة ما بين 10 و 17 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي كل عام،بعدما كان مؤتمر الاطراف في نسخته الثامنة والمنعقد في العاصمة الاسبانية مدريد شهر شتنبر 2007 قد أعلن عن خطة عشرية (2008-2018) لدعم تنفيذها والتي تتكون من 21 نتيجة منظمة في خمسة أهداف تشغيلية، وتحتل هذه الاتفاقية مكانة مهمة في السياسة المغربية على الرغم من أن ارتباطها بالأراضي الرطبة يتطلب مزيدا من الاهتمام.

المناطق الرطبة محمية بقوة القانون

أحرز المغرب تقدما نوعيا في نظامه القانوني فيما يتعلق بالحفاظ على التنوع البيولوجي، وتمثل هذا التقدم قبل كل شيء في إرساء المبادئ والقواعد القانونية والتشغيلية اللازمة لإطار مختلف مجالات النشاط، بهدف جعلها متسقة مع أهداف حماية البيئة والتنمية المستدامة، حيث أصدرت المملكة عدة نصوص تشريعية بمبادرة من مختلف الدوائر الوزارية تعمل على حماية البيئة بشكل عام والنظم البيئية الطبيعية بشكل خاص، وتجدر الإشارة إلى أنه اعتبارا من اليوم لا يوجد إطار قانوني خاص بالنظم الإيكولوجية المعرضة للخطر مثل الأراضي الرطبة في حين أن بعض النصوص السارية تستحق التأهل لصالح نهج النظام الإيكولوجي، وللتنسيق بين الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب من أجل الحفاظ على الحيوانات البرية والموائل الطبيعية والنظم البيئية: اتفاقية رامسار، واتفاقية سايتس، و اتفاقية برن واتفاقية الطيور المهاجرة، وبروتوكول ناغويا وبروتوكول قرطاجنة، لذلك فهي تضمن تطوير وتنفيذ سياسة الحكومة في مجالات الحفظ والتنمية المستدامة للموارد الطبيعية، وكذلك تنميتها، لاسيما من خلال أنشطة القنص والصيد الداخلي وصيد الأسماك والسياحة البيئية حيث هناك العديد من المتدخلين الآخرين الذين يمارسون السلطة على البيئات المائية، من بين قطاعات الدولة التي يكون تدخلها في الميدان قويا نلاحظ قطاع الماء التابع لوزارة التجهيز، وكالات الاحواض المائية: سبو وأم الربيع وملوية… وزارة الفلاحة والصيد البحري والمياه والغابات وزارة السكنى والتعمير ووزارة الداخلية والتي تضاف إليها السلطات المحلية والفاعلين الترابيين، في حين تعمل القطاعات الأخرى كمستخدمين لموارد الأراضي الرطبة : السياحة، الفلاحة والاقتصاد، وتفتقر إجراءات هذه القطاعات أحيانا إلى التنسيق ولا تتم إلا في حالة وجود خطر تعارض المصالح أو التعاون بين القطاعات الاقتصادية التي تستخدم موارد الأراضي الرطبة من ناحية وإدارة المياه والغابات ذات الخبرة في إدارة قيم هذه الأراضي الرطبة من ناحية أخرى هو ضروري لتأمين مستقبل الأراضي الرطبة وفوائدها، و تدعم مؤسسات البحث العلمي إدارة الأراضي الرطبة على عدة مستويات من جرد وتصنيف المكونات البيئية وتحديد أهداف الحماية وتطوير الكتيبات والأساليب والاستراتيجيات و خطط العمل الوطنية للحفظ ومراقبة خطط إدارة الموقع، هذه المعرفة المستخدمة على نطاق واسع من قبل الإدارات المسؤولة عن الحفاظ على التراث يستخدمها المجتمع المدني بشكل متزايد لزيادة الوعي و التحسيس، أما فيما يتعلق بتدهور أراضيه الرطبة، يبدو أن المغرب قد اتبع الاتجاه العام المسجل في منطقة البحر الأبيض المتوسط​، مع العلم أنه فقد نصف أراضيه الرطبة منذ عام 1900، وترتبط هذه الخسائر بالدوافع التقليدية للتغيير و التدهور من تحويل موائل الأراضي الرطبة الطبيعية لمختلف المهن الزراعة والتمدن والبنيات التحتية السياحية بالإضافة إلى النمو الديموغرافي والاقتصادي واستهلاك المياه والتلوث والاستغلال المفرط للموارد الطبيعية التي تجود بها المناطق الرطبة، ولكن في شمال إفريقيا تم تضخيم هذه الأشكال من التدهور بشكل كبير بسبب تغير المناخ في أشد أشكالها عبر “الجفاف المتكرر” والتي قبلها أظهرت الأراضي الرطبة في جميع أنحاء منطقة البحر الأبيض المتوسط ضعفا كبيرا، وهذا يعني أنه في المغرب، لمواجهة التحدي المتمثل في الحفاظ على الأراضي الرطبة، يجب أن تؤدي هذه الاستراتيجية إلى تعاون دولي، وقبل كل شيء إلى عمل وطني واسع متعدد القطاعات والذي لا يمكن أن يكون فعالا إلا من خلال التزام سياسي عالي المستوى. سيتيح ذلك للبلد اتخاذ خيارات ومقايضات متعددة للحفاظ على الخدمات التي تقدمها الأراضي الرطبة، وذلك لإفادة الأجيال الحالية والمستقبلية، وعند فحص خسائر الموائل التي تؤثر على النظم البيئية المائية المغربية فإن السؤال الأساسي الذي يطرح نفسه هو معرفة إلى أي مدى يمكننا تقليل معدل تدهورها في أفق عام 2024 حيث لا يمكننا الادعاء بإيقافهم في هذا الوقت، على أي حال سيتطلب هذا التخفيض إجراءات مهمة على مستوى مختلف مصادر تحويل الموائل الطبيعية من خلال تطبيق الأدوات التقنية والقانونية الحالية، ويجب أن تهتم هذه الإجراءات التي تهيمن عليها التدخلات الميدانية بشكل أساسي بشبكة الأراضي الرطبة ذات الأهمية الدولية والتي يطلب منها التوسع وإدارتها وفقا لقانون المناطق المحمية مثالا لالتزامات الدولة الدولية، ومع ذلك بالإضافة إلى الحاجة إلى إدارة جيدة كشف التشخيص عن احتياجات كبيرة لاستعادة الموائل والدعوة، فيما يتعلق بحفظ التنوع الجيني، فإن عدد الأنواع المعنية كبير جدا والنظم الإيكولوجية والموائل التي تستضيفها متنوعة للغاية، بما في ذلك تلك ذات الحجم الصغير من ينابيع وأنهار وبحيرات مؤقتة، حيث تقع بشكل عام خارج مواقع رامسار، وهذا يعني الحاجة إلى نهج متكاملة وشاملة من خلال خطط العمل الوطنية، حيث ينبغي إعطاء الأولوية للعناصر الأكثر عرضة للتهديد.
وفي الأخير يتطلب تغير المناخ وهو مصدر رئيسي لفقدان الأراضي الرطبة، تدابير تكيف خاصة، ويتجلى من بين أمور أخرى، في عدم انتظام واضح في هطول الأمطار وارتفاع درجات الحرارة، مع ارتفاع وتيرة الجفاف، مما يقلل بشكل كبير من كمية المياه المتاحة للأراضي الرطبة، ومع ذلك فإن تأثيرات تغير المناخ على الأراضي الرطبة ترتبط ارتباطا وثيقا بتلك الناتجة عن عمليات سحب المياه السطحية والجوفية والسدود، وفي الواقع من أجل التطور في سياق مناخي متغير، تجاوز المغرب بالفعل إلى حد كبير عتبة عدم استدامة موارده المائية ومع ذلك فمن المقبول أن النظم الإيكولوجية المائية تشارك بطرق مختلفة في التخفيف من آثار تغير المناخ على تخزين الكربون الضروري لتنظيم المناخ وتكوين احتياطيات المياه لفترة الجفاف والتخفيف من تأثير العواصف والفيضانات، وغالبا ما تؤدي هذه الخدمات إلى زيادة مرونة النظم الاجتماعية والاقتصادية، وهذا يعني الحاجة إلى سياسة التكيف مع تغير المناخ، حيث يجب أن تكون إدارة موارد المياه لصالح الأراضي الرطبة موضوعا رئيسيا، لذلك يبدو أن الحفاظ على القيم التراثية للأراضي الرطبة سيتطلب إجراءات نشطة وطويلة الأمد، والتي يجب أن تكون جزءا من التخطيط المكاني المتناغم والمستدام، والذي يتطلب تصميمه وتنفيذه تعاون صانعي القرار والجهات المانحة، والخبراء ومستخدمي الأراضي الرطبة، وفي غياب الحكامة الجيدة يبقى التحدي الكبير الذي يواجه حماية المناطق الرطبة يتمثل في تغييب موضوع “الأراضي الرطبة” في جميع دورات الهندسة والعلوم الاجتماعية تقريبا وحتى في علوم الحياة والأرض فضلا عن النقص الكبير الذي تعرفه هياكل البحث والتكوين على حماية هذه النظم البيئية واستعادتها بينما تبقى تقوية قدرات الفاعل الترابي حجر الزاوية الأساسي في تنزيل اتفاقية رامسار.
ويحذر مرصد الأراضي الرطبة المتوسطية من تدهور هذه المواقع التي مثل في المتوسط ​​2٪ من إجمالي المساحة في 27 دولة من دول الحوض و يظهر التقرير تطورا متباينا للتنوع البيولوجي في المنطقة حيث تم تطوير وتقييم سبعة عشر مؤشرا لتحليل “الأسباب المتعددة لتدهور الأراضي الرطبة في الحوض”، وهو تطور متباين للتنوع البيولوجي بين غرب وشرق البحر الأبيض المتوسط ​​، أو حتى “ضغوط قوية جدا ومتزايدة على المياه”، وتغطي هذه الأراضي الرطبة 18.5 مليون هكتار فقط في منطقة البحر الأبيض المتوسط وهذا يمثل خسارة “على الأقل 50٪” من مساحتها مقارنة بعام 1900 ويمثل هذا اليوم 1.7 إلى 2.4٪ من إجمالي مساحة دول البحر الأبيض المتوسط ​​البالغ عددها 27 دولة أي 1 إلى 2٪ من مناطق الأراضي الرطبة العالمية حيث تخصص فرنسا 5.3٪ من مساحتها للأراضي الرطبة ، هي واحدة من الدول الحضنة للمناطق الرطبة إلى جانب دول أوروبا الشرقية: سلوفينيا (4.9٪)، كرواتيا (6.9٪)، البوسنة والهرسك صربيا والجبل الأسود (7.7٪) ٪ أما في شمال إفريقيا تذهب تونس إلى أبعد من ذلك حيث تم تخصيص 8.2٪ من المساحة لهذه المناطق أو حتى مصر 3.5٪، وتبقى من بين البلدان ذات الأداء الضعيف في الاتحاد الأوروبي والتي تقل عن المعدل المتوسط ​​البالغ 1.7٪ نجد إسبانيا (1٪) وبلغاريا (0.9٪) وقبرص (1.1) ٪)، مالطا (0.1٪)، أما في دول المغرب العربي ، تستضيف الجزائر 0.6٪ من المناطق الرطبة أما في المغرب (0.7٪)، ليبيا (0.2٪)، بينما في الشرق الأوسط تمثل سوريا 0.8٪ من الأراضي الرطبة والأردن (0.5٪) ولبنان (0.1٪) وفلسطين (1.3٪)، ويمكن تفسير تقلص مساحات الأراضي الرطبة من خلال تطوير التحضر والمرافق الرئيسية على طول سواحل البحر الأبيض المتوسط ​​، ولكن أيضًا من خلال توسيع الزراعة المروية، وهي مستهلك رئيسي للمياه يمثل ثلثي الطلب الإجمالي لبلدان البحر الأبيض المتوسط. الإفراط في سحب المياه “من الأراضي الرطبة يقتل الزراعة في أجزاء من شمال إفريقيا، على الرغم من استقرار المناطق المروية الآن في الاتحاد الأوروبي ومصر”، أما فيما يتعلق بالتنوع البيولوجي فإن العديد من الأنواع الرمزية مثل البجع وطيور النحام والرافعات “آخذة في الارتفاع” ولوحظ وجود اتجاه أكثر ملاءمة لمجموعات الفقاريات في البحر الأبيض المتوسط ​​منه على المستوى العالمي حيث انخفض الاتجاه العام (-35٪) منذ عام 1970 وفقا لتقرير الكوكب الحي لمنظمة حفظ الطبيعة، لكن هذا لا يعني أن الأراضي الرطبة في البحر الأبيض المتوسط ​​في حالة حفظ جيدة حيث انخفضت أعداد الثدييات والبرمائيات والزواحف والأسماك بنسبة 40٪ منذ عام 1970، و30٪ من البرمائيات، و 25٪ من الزواحف و 15٪ من الثدييات مقابل 5٪ “فقط” من الطيور هي مهددة بالانقراض أما بالنسبة لأسماك المياه العذبة فإن الوضع “أسوأ على مستوى البحر الأبيض المتوسط” منه على المستوى العالمي: 39٪ من أنواع أسماك المياه العذبة مهددة بالانقراض في البحر الأبيض المتوسط ​​مقابل 15٪ “فقط” من الأنواع في العالم، ويرتبط التباين الكبير في بنية المناطق الرطبة بشكل رئيسي بالأنظمة الهيدرولوجية الخاصة بكل منطقة رطبة، والتي تشمل أيضا أراضي الخث في الغابات في المناطق الشمالية عند خطوط العرض العالية والأراضي الرطبة الجبلية بين مرتفعات جبال مناطق التبت والأنديز والمناطق الرطبة الاستوائية خاصة المناطق الأراضي الرطبة في كاكادو بأستراليا، وتبقى الأراضي الرطبة ذات المياه العذبة الداخلية الأكثر تأثرا بتغير المناخ عبر تذبذب كمية التساقطات المطرية والثلجية ونوبات الاضطرابات الجوية الأكثر تواترا أو الأكثر شدة مثل الجفاف والعواصف والفيضانات، حيث يمكن لزيادة طفيفة نسبيا في كمية الأمطار والتساقطات الثلجية أن تؤثر بشكل كبير على نمو النباتات والحيوانات بالأراضي الرطبة في مراحل مختلفة من دورة حياتهم، وبشكل عام يبقى من المتوقع أن تؤدي ظاهرة الاحترار العالمي إلى تجفيف النظم البيئية للأراضي الرطبة، هذه التأثيرات غير المباشر ة بشكل أساسي لتغير المناخ ستؤدي إلى تغييرات على مستوى المياه، هذه الظاهرة التي تعتبر السبب الرئيسي لتغير الأنظمة البيئية للمناطق الرطبة، إضافة إلى أنه سوف تحجب تأثير زيادة درجة الحرارة وفترات نمو أطول في أراضي الخث الشمالية وشبه القطبية، حيث من المرجح أن تشهد المناطق الرطبة الشمالية مواسم شتوية قصيرة المدة مع حدة في كمية التساقطات مصحوبة بالفيضانات القوية وظاهرة التعرية وانجرافات التربة في الأحواض المائية وفي المناطق الرطبة نفسها.
وتعتمد معظم عمليات المناطق الرطبة على الهيدرولوجيا على مستويات الأحواض المائية والتي يمكن تعاني من تغيرات استخدامات الأراضي الرطبة لاغراض سياحية وزراعية عمرانية، وستعاني من سلوكيات تدبير الموارد المائية السطحية، ويعتبر مشكل تزويد المياه الجوفية المحلية أو الجهوية، وموقع الأراضي الرطبة فيما يتعلق بالتضاريس المحلية، وتدرج مناطق المياه الجوفية الجهوية من أهم العناصر الحاسمة التي تحدد مدى تباين واستقرار تخزين الرطوبة في المناطق الرطبة المناخية حيث أن التساقطات المطرية لا تتفوات بكثير تبخر المياه، هذه التغييرات التي يمكن أن تحصل على مستوى التزود الخارجي للأراضي الرطبة بالمياه لا تقل أهمية عن التغيرات التي تحصل على مستوى كمية التساقطات المطرية والثلجية بشكل مباشر و عن التبخر في التأثر على مستقبل المنطقة الرطبة في ظروف تغير المناخ وبالتالي، قد يكون الأمر صعبا للغاية بل مستحيلا بعض الشيء للتكيف مع نتائج التغيرات المرتقبة على مستوى توفر المياه، ويرجع ذلك جزئيا إلى قدرتها على التكيف المحدودة على اعتبار أن معظم المناطق تعتبر الأراضي الرطبة من بين أكثر النظم البيئية هشاشة لتغير المناخ، وغالبا ما تكون الأراضي الرطبة مناطق غنية بالتنوع البيولوجي، وكثير منها مناطق محمية على اعتبارها مواقع رامسار أو كمواقع للتراث العالمي، حيث يمكن أن تؤدي خسارة هذه المناطق الرطبة إلى انقراضات عديدة وخسارة كبيرة على مستوى التنوع البيولوجي الحيواني منه والنباتي خاصة بين البرمائيات والزواحف المائية خصوصا بالمنظومات الايكولوجية للقطب الشمالي حيث الأراضي الرطبة ذات الضغط المنخفض مع وجود الأحواض الهيدروغرافية الصغيرة باعتبارها أكثر النظم المائية ضعفا لتغير المناخ، بالاضافة الى الضعف الكبير للعديد من أنواع المناطق الأخرى الرطبة، وهي الأراضي الرطبة الموسمية في الهند وأستراليا، وأراضي الخث الشمالية، والأراضي الرطبة في حوض البراري في أمريكا الشمالية وتلك الموجودة في منطقة البحيرات الكبرى الأفريقية.
كما من المنتظر أن تتطور أنماط وطرق الهجرة الموسمية للكثير من أنواع الطيور المهددة بالانقراض والتي تقضي فترتها الشتوية في المناطق الرطبة ذات المناخ المعتدل، أما فيما يتعلق بالموائل الرئيسية فيمكن استعادتها لكن على نطاق صغير طالما كان ذلك متاحا في الماء، وبسبب التغيرات الهيدرولوجية المرتبطة بالتغير المناخي توسعت رقعة مجموعة من المناطق الرطبة، ففي القطب الشمالي يؤدي ذوبان الجليد الدائم إلى خلق مناطق رطبة جديدة، وتبقى الخصائص الحرارية التي تنشأ مع ذوبان الجليد الأرضي في المنطقة قادرة على كسب التنوع البيولوجي قدرة التكيف والتغلب على ظروف العيش بالتربة الصقيعية، حيث يمكن أن تحل محل الكائنات الحية في القطب الشمالي بسبب التشبع المفرط بالرطوبة أو بالجفاف.

<محمد بن عبو

خبير في المناخ والتنمية المستدامة رئيس المكتب الوطني لجمعية مغرب أصدقاء البيئة

Related posts

Top