النموذج التنموي الجديد.. مقاربة جديدة لمستقبل البلاد

التنمية عملية شاملة ومستمرة، عبارة عن تغيير يهدف إلى نقل المجتمع إلى وضع أحسن يراهن على الاستقرار والتطوروالرفاه الاجتماعي. لهذا النموذج التنموي الجديد يقترح مقاربة جديدة لمغرب جديد في أفق 2035، ويقرنها بالتوافق مع الاحتياجات والإمكانيات الاقتصادية والاجتماعية والفكرية للبلد.
إنه نتاج حوار عميق يجسد صوت المغاربة ورغبتهم في التغيير، ويعكس الطاقات الشبابية التي تريد المشاركة في التنمية المجتمعية. فوق هذا وذاك، يحظى بالتبني من قيادة ملكية رشيدة تعمل على توجيه صوت المغاربة نحو مستقبل مشترك.
تصور جديد، ينادي بالديمقراطية التشاركية عبر انخراط جميع الفاعلين في صنع سياسة جديدة تعمل على بناء مغرب جديد يستطيع مسايرة الركب العالمي، محافظا على مقوماته الحضارية وهويته المغربية بشتى روافدها، التي يتشبت بها كل مغربي ويفخر بالانتماء إليها. نلمح في هذا النموذج التنموي الرغبة في الانفتاح، لأن المغرب لم يكن يوما بلدا منغلقا على ذاته ولن يكون. يحمل دعوة لتطوير أفكارنا وتبني أخرى جديدة، فرصة لتجديد علاقاتنا والرقي بها نحو ثقافة التضامن والإعلاء من شعار الغيرية، لأنها شرط أساسي لوحدة المجتمع الذي يتكون من أجزاء متفاعلة فكريا وأخلاقيا. فما عاشه المغاربة مؤخرا كباقي شعوب دول العالم من جراء جائحة كوفيد – 19، جعلهم أكثر تضامنا وإيمانا بأن الوطن يجب أن يستمر وأن يتحد أفراده من أجل حماية أمنه وسلامته.
الطموح الوطني الجديد، يستحضر المقاربة الحقوقية في طيات هذا الإصلاح. لكنه أيضا دراسة نقدية لمخرجات السياسات السابقة، تسعى لتحدي المشكلات الراهنة التي كشفت عن مجموعة من الاختلالات في السياسات القطاعية للبلاد واتساع رقعة الهشاشة الاجتماعية. لهذا يتطلع إلى وضع العنصر البشري في صلب أولويات السياسة العمومية بتمكين الشباب وإدماجهم، حيث راهن على تجويد الرأسمال البشري وتوفير المناخ الذي يسمح بتحقق رهان مغرب الإدماج من خلال العمل على إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني ليصبح أكثر دينامية وتنافسية، وتقليص رقعة القطاع الغير مهيكل. الرؤيا الجديدة لم تغفل أهمية مشاركة المرأة في سوق الشغل بل فسحت المجال للجميع، إيمانا بمبدأ الحرية والإنصاف. إنه مشروع طموح يحترم كرامة الإنسان ويسهر على ضمان حمايته بالنهوض بمنظومة الصحة، منظومة القضاء والمنظومة التربوية التعليمية بإعتبارها ركائز أساسية لكل إصلاح حقيقي.
إن التنمية مفهوم معقد، يشمل جوانب الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية وحتى الإيديولوجية. والنموذج التنموي الجديد للمغرب، يسعى إلى كسب رهان الثقة الذي أصبح هشا داخل المجتمع. فقراءة هذا التصور الإصلاحي، تختلط بنوع من الشعور بالقلق حول ما إذا كانت هذه المقاربة الجديدة تستطيع تجاوز التناقضات النسقية في السياسة العمومية، لضمان توازن داخلي يكون قادرا على كسب رهان هذا الورش الكبير الذي يراهن على مغرب الجرأة والاستدامة بتطوير الخدمات الإدارية العمومية. حيث يقودنا التفكير إلى ضرورة خلق مؤسسات وهيئات توفيقية تسهر على التشبيك القطاعي وتقوم بدراسة نقدية للمخططات والبرامج القطاعية على خطى الباحث الإبستيمولوجي، لأن فشل بعض القرارات قد يرجع إلى سوء تنظيم شبكة الاتصال وتبعية المعلومة لمن يمتلكها ويتحكم فيها.
نطمح من خلال هذه الرؤيا الجديدة استشراف ممارسة جديدة للسلطة، يتموقع فيها الفاعلون في زاوية الخدمة المجتمعية. حيث يكون لكل فاعل أفق تنموي وهامش من الفلسفة المنفتحة، تتجاوز العقلانية المحدودة الخاصة به. نموذج تفكير جديد يتجاوز الإستراتيجيات الشخصية ويسير نحو التنسيق في العمل واستغلال الموارد المتاحة للانتفاع منها في مختلف أبعادها في بناء مستقبلنا المشترك.
المشروع التنموي القادم، عليه أن يحرص على الوعي بمتقلبات البيئة والأحداث والمستجدات وحضور القوى الضاغطة التي تفرض على المغرب السير وفق التطور العالمي خاصة على مستوى ثقافة الرقمنة وآليات التواصل التكنولوجي التي مست مجتمعنا. الأهدف المنشودة تتطلب بالضرورة انخراط جميع الفاعلين والأفراد الآخرين لإنجاح مشروع الحكومة الرقمية في ظل المنافسة الأجنبية والوعي بأهمية الحفاظ على التوازنات الإيكولوجية البيئية.
نأمل أن لا يكون مشروعا عموديا، وضع وسينفذ من داخل الممارسة السياسية دون الأخذ بعين الإعتبارما يحصل خارجها. فهل سيوفق هذا النموذج بين إرادة السياسة العمومية وبين ما يريده الشباب اليوم أم هو طموح كبير يتجاوز الأفراد وإرادتهم؟
الأمل كبير في هذا النموذج الإصلاحي لبلادنا، هو فرصة لتوحيد الرؤية الإستراتيجية حتى نتفادى الانزلاق في وجهات غير متوقعة. فالبيئة التي يتفاعل معها الفاعل الإستراتيجي هي بيئة في تغير مستمر، تعج بالمفاجئات وجائحة كوفيد – 19 خير دليل على ذلك. الأمر الذي يتطلب منا دوما التجديد والإبداع في صيغة صيرورة تتميز بالمرونة والليونة. كما أن نجاح القرار السياسي يبقى رهين التوافق بين التوزيع الحقيقي للمهام والأدوار والسلطة، وبين التوزيع النظري الذي يقدمه النموذج التنموي الجديد، حتى نضمن تجاوز صراع مختلف الفئات من أجل البقاء أو المزيد من السلطة.
النموذج التنموي يسمح بمعالجة كل المشاكل المطروحة، وفق منافع الأفراد وضغوط المحيط. فما هي مساحة الإمكانيات المتاحة لنجاح هذا النموذج؟ هل هو قابل للتفاوض لتجاوز الحدود الطبقية لفاعليه ليكون نموذجا تفاعليا بامتياز؟
في انتظار التفعيل، نعيش حالة يمتزج فيها الطموح والأمل في التغيير بالقلق الشديد لتعدد الأدوار والفاعلين وغياب برامج سياسية واضحة تتبنى الآليات المقترحة للتفعيل. قلق من مواجهة أزمة حكامة قد تعيق قاطرة التنمية ببلادنا.

< بقلم: نورة أفاسكا
* طالبة باحثة بكلية علوم التربية بمختبرالتربية والدينامية الاجتماعية
بكلية علوم التربية •شعبة إدماج الشباب والأطفال في وضعية صعبة

Related posts

Top