صار من المألوف جدا رؤية الناس وهم يحملون هواتفهم الذكية ويتفحصونها طوال الوقت، على خلاف السنوات القليلة الماضية حيث لم يكن الإنسان يخرج هاتفه من جيبه إلا عند سماع نداء المكالمة.
في المحطات.. في قاعات الانتظار.. في الحافلات والقطارت، في الشارع وفي غيره.. في كل مكان، لا بد أن تجد أكثر من فرد، إن لم أقل جل الحاضرين يمسكون بين أيديهم أداة إلكترونية صغيرة الحجم، يسمونها السمارتفون، أي الهاتف الذكي.
هناك إفراط في استعمال هذه الأداة التواصلية، خصوصا بعد أن صار متاحا لمختلف الشرائح الاجتماعية الاستفادة من بعض الخدمات المتصلة بشبكة الأنترنت بكيفية مجانية، كما هو الحال بالنسبة لموقع التواصل الاجتماعي الفايسبوك وغيره.
الإفراط يعني الإدمان، وعندما نذكر الإدمان يتجه تفكيرنا مباشرة إلى شيء سلبي، آفة، مصيبة.. إلى غير ذلك من النعوت السلبية.
ليس من قبيل الاعتباط ربط الاستهلاك المفرط للأنترنت بما هو سلبي، سيما أن نسبة كبيرة من المستهلكين، لا يستغلون هذه الأداة التواصلية بشكل يعود عليهم بالنفع الفكري والمعرفي.
الكثير منهم يتخذها مجرد وسيلة لتزجية الوقت، فتجدهم يقضون جزءا كبير من بياض النهار وسواد الليل، في استهلاك شريط لا نهائي من الصور والفيديوهات ذات المنحى الترفيهي بصفة أساسية، فيخرجون إن خرجوا من ذلك، دون أن يحملوا في ذاكرتهم وفي ذهنهم معلومة من شأنها أن تفيدهم في مواجهة متطلبات الحياة، سوى أنهم يشعرون بالنشوة، وهي أشبه ما تكون بذلك الإحساس الذي يصل إليه من يستهلك مادة مخدرة.
وبالفعل، ففي بعض البلدان المتحضرة، فكروا في هذه الحالة، وبادروا إلى فتح مراكز لعلاج المدمنين على استهلاك الأنترنت، وصار هناك أطباء متخصصون في علاج الأمراض النفسية والعصبية المرتبطة بهذا النوع من الإدمان.
في مجتمعنا، لم يتم التفكير بعد بشكل جدي في الخطورة المترتبة عن الاستهلاك المفرط للأنترنت، لما يحمله من صور وفيديوهات، مع أن تحولات سلبية كثيرة بدأنا نلاحظها على عامة الناس، وأن هذه التحولات ناتجة بالأساس عن استهلاك لا متناه للصور والفيديوهات على اختلاف أشكالها وخطاباتها.
إنها وضعية لا يمكن توقع مدى خطورتها وانعكاسها على مستقبل مجتمعنا، سيما إذا علمنا أن أغلبية مستهلكي هذه الأداة التواصلية، هم ذات الفئة العمرية الشابة.
هناك تدني في المستوى التعليمي، هناك تراجع في القدرات الذهنية وفي مستوى الذكاء لدى فئة عريضة من هؤلاء، مع أنهم في عمر يتميز عادة بتمتعه بأعلى الدرجات المؤهلة للتفوق في الحياة الدراسية والاجتماعية والمهنية.. إلى غير ذلك.
إلى أين نحن سائرون؟
على الجهات المسؤولة: المربون، الخبراء في علم النفس، الإعلام، الجمعيات الحقوقية.. إلى غير ذلك، عليهم أن يبادروا إلى التوعية بخطورة الاستهلاك المفرط للأنترنت، وبالتالي الحد من الانعكاسات المترتبة عنه، قبل فوات الأوان.
عبد العالي بركات