**القاص إدريس الصغير
ألعن الكتابة وتوابعها
تجربتي مع نشر أحدث كتاب، تجربة مريرة ستجعلني حتما أتوقف والى الأبد عن نشر أي كتاب في هذا البلد السعيد الذي لم يقدم لي سوى الاحباطات، والأتراح والأحزان المدمرة. ذلك أن عملي الأخير الذي يحمل عنون(ومع ذلك حلق العصفور في السماء) وهو مجموعة قصصية انتقيتها من قصص نشرتها في أهم المجلات المشرقية، وقدمت لها بمقدمة تتحدث عن عين الكاتب. وهي نفسها منشورة في مجلة أفاق. وبعد طول عناء مع الرقن في ظروف صعبة جدا، إذ أنني مازلت لحد الآن أستعمل القلم كوسيلة للكتابة، وبالتالي لابد لي من وسيط في مسألة تقنية لم أنسجم معها لحد الآن. وبعد مصاريف مادية لا يقوى عليها معاشي الضئيل. وبينما أنا قاب قوسين أو أدنى من السحب، ستتعطل الأوفسيت في المطبعة وسيؤكد لي صاحبها أن الإصلاح سيتطلب شهورا. لأندم ندامة لم يندمها الكسعي نفسه. فهداني رجل طيب إلى أن هنالك الآن ما يسمى بالطبع السريع، فاستنجدت به. خصوصا حين علمت أنه بإمكاني تسلم نسخي في نفس اليوم. وهكذا سأفوق الكسعي في الندامة مرتين، إذ ثمن النسخة، سبعون درهما بالتمام والكمال. ولما تاهت بي السبل وأصابني القرف، سأتوصل بتهديد من جهة رسمية بأنني سأعاقب بذعيرة من مليون فرنك إلى عشرة ملايين إن لم أبادر بتسليمها أربع نسخ من هذا العمل، الذي كان من الأولى أن أسميه(ورغم ذلك لم يحلق العصفور في السماء) إذ مابين الرقن والسحب، تراكمت علي ديون يصعب علي تسديدها، مما جعلني ألعن الكتابة وتوابعها وزوابعها وأنسحب منها غير نادم لأنني استنفدت مخزوني من الندم.
أقفز من كتاب لآخر
أخر ما قرأته ورقيا هو إعادة قراءة مجموعتين قصصيتين (ريح الهرهورة) و (برق الليل) للمرحوم إبراهيم زيد، بمناسبة مشاركتي في حفل تأبينه. أما رقميا فقد أصبحت كطفل صغير أقفز من كتاب لآخر بين مصنفات كنت أستلفها من الأصدقاء أو أقرؤها في الخزانة العامة(هكذا كنا نسميها)، أقرأ الآن نسخة قديمة من ألف ليلة وليلة كان والدي قد تركها لي ورقية لكنها ضاعت مني، كما ضاعت أعز الأشياء والأحباب لدي.
سلواي في الليالي البهيمة
رغم أنني لا أحسن الرقن على الحاسوب،غير أنني أقرأ الكتب الالكترونية بيسر وراحة تعودت عليها سريعا. إنها سلواي في الليالي البهيمة الطويلة الباردة تعفيني من البحث عن ما أريد الاطلاع عليه وبين رفوف مكتبة شاخت بشيخوختي.
أعمالي الكاملة
لا أدري ولا علم لي بتفاصيل طريقة دعم النشر التي تنهجها وزارة الثقافة. أنا غريب عن هذه الوزارة وهي غريبة عني. وإلا لما كنت وقعت في المطب الذي أخبرتك به في الإجابة عن السؤال الأول. حتى الإخوة الذين تعاملوا مع الوزارة في هذا الأمر،لا أدري كيف يتهيأ لهم ذلك. فكأننا في شأن عمل سري، يستلزم الكتمان. مثلا أنا لا أدري كيف طبعت الوزارة الأعمال الكاملة للكثيرين من المجايلين لي دون أن تضعني في حساباتها؟ هل علي أن أكون منتميا لحزب سياسي؟ أم أستجدي ذلك من مشرف أو مسؤول عن الطبع والنشر؟ وهل وهل؟ الأمور ملغومة بصراحة وليست بريئة ولا موضوعية، كل شيء في حاجة إلى إعادة نظر منصفة عادلة ديمقراطية.
الإنتاج الرديء ملأ الساحة
الأمر الآن أصبح أكثر صعوبة. لأن الإنتاج الرديء ملأ الساحة. وتحبيب القراءة يبدأ منذ الصغر. لهذا فالمحاذير لاحصر لها. خوفي من أن ينشأ جيل وقد فسد ذوقه الفني وحسب الرداءة جودة. فلا يكون من المطالعة جدوى. قد لا يكون من السهل الآن تحويل الناشئة عن التلقي بواسطة غير الكتاب. الأمر يتطلب زمنا طويلا، لن يستطيع أحد تقدير مقداره، القضية لا تخصنا وحدنا لأنها سمة لعالم اليوم غير أنها عندنا أشد خطورة، لا أمتلك أي تصور في هذا الشأن، بل إنني يائس كل اليأس، غير متصور أنني سيسعفني العمر لأرى أبناء وطني كبارا وصغارا، يقرؤون بنهم ما تطرحه دور النشر من كتب في كل حقول الثقافة.
*القاصة كريمة دلياس
عوالم الطفولة
آخر ما صدر لي مؤخرا هي السلسلة القصصية للأطفال “الصعود إلى القمة” من منشورات وزارة الثقافة. والوزارة تتكلف بنشر الكتاب عبر المعارض الجهوية وعبر مؤسسات ثقافية أخرى. وأومن بضرورة انفتاح المؤسسات التعليمية على الثقافة، لذلك أعمل شخصيا على نشر كتبي عبر لقاءات مفتوحة مع تلامذة المؤسسات التعليمية بمختلف المدن المغربية. وقد استفدت كثيرا من التواصل المباشر مع التلاميذ من مختلف الأعمار والمستويات. وأؤكد أن الطفل المغربي ذكي بالفطرة ولديه تعطش كبير لسماع الحكايات بشغف، لأنه فقد سماعها على لسان الجدات، ويستطيع أن يحلق بأجنحة الخيال إلى عوالم القصة، قد تفوق مخيلته مخيلة الكاتب نفسه وينفذ إلى أعماق الحكاية بكل سهولة وانسيابية، لأنه يتخيل شخوصها تتحرك أمامه أثناء الحكي، فيعيش معها لحظات دافئة وحميمية جدا. هذا الإحساس الجميل من بوح الأطفال أنفسهم، لذلك أشجع وأثمن مثل هذه المبادرات الجميلة والخلاقة التي تزرع بذرة الخير والقيم السامية في الأطفال وتهذب نفوسهم وتربي فيهم الذوق الجميل والوعي الراقي، كما تحفزهم على الخلق والإبداع. وفي انتظار أن يأخذ العمل حقه في النشر على نطاق واسع، أتمنى من دور النشر احتضان الأعمال الجادة الموجهة للأطفال وأن تنفتح هي أيضا على عوالم الطفولة عبر مختلف المؤسسات الثقافية والتعليمية لتحبيب القراءة وتشجيعها لدى الأطفال والناشئة.
للكتاب الورقي طعم بهي وحميمية خاصة
آخر كتاب قرأته ورقيا هو الرواية “هوت ماروك” للصديق الشاعر والإعلامي ياسين عدنان، الصادرة عن دار “الفينيك”، فتحت لي شهية القراءة ووجدت فيها ضالتي لأنها ترصد الواقع المغربي الراهن بمجهر دقيق وبسخرية لاذعة. رواية شيقة ومتماسكة تستمد قوتها من السخرية الهادفة، ومن شخصياتها المبتكرة التي هي من لحم ودم لكنها ذات قرائن حيوانية عجيبة، تعتمد على التحليل النفسي الرصين للنفس البشرية وللمجتمع المتناقض مع ذاته، وبالمعرفة الدقيقة للسلوك الحيواني ونمط عيشه؛ إذ ليس بالسهولة مزج كل هذه العناصر في قالب سردي متين وساخر دون أن يفقد خيوط اللعبة وينتقد من خلالها الكاتب التحولات الاجتماعية والثقافية والسياسية للمغرب الساخن. وبرأيي نجح الكاتب في بناء هاته الشخوص الغير العادية وتقديمها للقارئ بأحداث ساخنة، مشوقة، طريفة ومضحكة، أحالتني على طرائف جحا وعلى طرائف أخرى من تراثنا الأدبي الأصيل. كما أن الكاتب بقي وفيا لمعالم مدينته مراكش التي أثث بها فضاءات روايته، نكاية في القبح الذي طالها من كل الجوانب الحياتية. وأكتفي بهذا التقديم البسيط للرواية لكي لا أفسد على القارئ متعة اكتشاف فصولها المثيرة.
آخر كتاب إلكتروني قرأته وأكملته كان ديوان شعر مترجم جميل للشاعر بول إيلوار بعنوان “قصائد حب” اكتشفته بالصدفة. الكتاب الإلكتروني نافذة تفتحك على بحر من الجذب المثير والجميل، خاصة أنك تختاره بشغف وفضول جم، وإذا لم يرق لذوقي أحذفه بكل بساطة. لذلك أجدني أتدبدب بين قراءة الكتاب الورقي والكتاب الإلكتروني إذا لم تتوفر لدي النسخة ورقيا. لكن يبقى للكتاب الورقي طعم بهي وحميمية خاصة.
علاقة وطيدة
علاقتي بالكتاب الالكتروني وطيدة جدا، أعتبره صديقا حميما يشعل لي فانوس الليل ويضيء لي عتمة الروح في المساء.
مبادرة جيدة
وزارة الثقافة تدعم دور النشر المغربية لنشر الكتاب وهي مبادرة جيدة برأيي، لأنها تشجع على انتشار الكتاب المغربي وطنيا على الأقل حتى يتم تداوله بشكل جيد وتزيد من نسبة مقروئيته. حقيقة لا أعرف مدى فعاليتها لأنني لم أخض هذه التجربة بعد. وعلى دور النشر المغربية أن تثمن هذه الفرصة وتحضن الكتاب المغربي الجيد وتعمل على نشره على نطاق واسع بتفان ومصداقية.
مسؤولية الكاتب أولا، لتقديم منتوج أدبي وفكري جيد يرقى إلى مستوى وتطلعات القراء على اختلاف مشاربهم ومستوياتهم الفكرية والثقافية والاجتماعية.
مسؤولية دور النشر والمطبعات والهيئات الثقافية ثانيا، لأنها يجب أن تكون واعية بالعمل الجاد وأهمية وقيمة المسؤولية التي على عاتقها. لذلك يجب أن تحتضن الكتاب المغاربة الحقيقيين، وأن لا تسعى فقط للربح المادي أو للشهرة الزائفة والمحسوبية والتزلف على حساب الجودة والذوق العام.
الإعلام البصري شبه غائب عن الساحة الثقافية
الرفع من نسبة مقروئية الكتاب المغربي مسؤولية وسائل الإعلام السمعية البصرية والصحافة الورقية والإلكترونية ثالثا، لتواكب الإصدارات الجديدة ومختلف الفعاليات الثقافية التي تنظم في مختلف المدن المغربية وعلى هوامش المدن أيضا. وأجد أن الإعلام السمعي البصري وخاصة البصري غائب في كثير من الأحيان عن الساحة الثقافية، بل ليس معنيا تماما بالحركية الثقافية المغربية، كأننا في كوكب آخر.
مسؤولية وزارة التربية الوطنية رابعا، لأنها يجب أن تنفتح على الثقافة المغربية وأن تخلق مشاريع تنموية للقراءة والإبداع في مختلف فضاءات المؤسسات التعليمية، كما أن معظم المؤسسات التعليمية لا تتوفر على مكتبات، وإن وجدت مكتبات فهي هزيلة وفقيرة من الكتب، والكتب التي تتوفر عليها جد محدودة ومهترئة. ومن أجل تثقيف التلاميذ وتحبيب لهم القراءة والكتابة والإبداع، يجب أن تنهج الوزارة سياسة تعليمية تثقيفية وتنموية، تعمل على تزويد المكتبات بالكتب اللازمة في جميع المجالات وخاصة الكتب المغربية الغائبة عن المكتبات الصفية بشكل فظيع.
مسؤولية الآباء والمربين والأساتذة خامسا، الآباء يجب أن يربوا أبناءهم على حب المطالعة وتحريضهم على القراءة وممارسة الكتابة أيضا، إذا توفرت لديهم إمكانيات الإبداع بالتحفيز المستمر، وأن يعودوا أبناءهم على تقديم لهم هدايا عبارة عن كتب، وحبذا أن تكون من اختيارهم، شأنها شأن باقي الهدايا التي يفخرون بها مثل الملابس والألعاب والمأكولات. وأن يضم البيت مكتبة ولو صغيرة في ركن صغير للقراءة الفعلية وليس كديكور للبيت. الأساتذة والمربون يجب أن ينخرطوا في النوادي الثقافية والاجتماعية بالمدارس ليجد التلميذ متنفسا حقيقيا، تمكنه من اكتشاف جوهره الثمين، ويعبر عن ذاته بشكل أفضل.
مسؤولية القنوات والفضائيات المغربية سادسا، لغياب برامج تثقيفية موجهة للأطفال تربي الناشئة على الذوق السليم والأخلاق الرفيعة السمحة بعيدا عن الأدلجة وخطر الاستلاب الذي يدجن العقل المغربي ويجعله خاضعا لمزاد البيع والشراء.
مسؤولية المكتبات العمومية سابعا، لأن فضاءاتها لم تعد مفتوحة للمطالعة الحرة، بل أصبح معظم المنخرطين يلجأون إليها لمراجعة الدروس فقط، لذلك يجب على المسؤولين تزويد المكتبات بكتب جديدة تفتح شهية القارئ على جديد إصدارات الساحة الثقافية، وخلق أنشطة موازية تحفيزية.
مسؤولية المجتمع المدني ثامنا، لخلق دينامية ثقافية جديرة بمغرب الغد، قريبة من نبض المواطن المغربي ومنفتحة على الهوامش.
**الروائي محمد الإحساين
تجربة نشر مرنة
تجربتي مع آخر كتاب للنشر كانت عادية ومرنة إلى حد ما، يتعلق الأمر بآخر رواية لي، أقصد “فارس من حجر”، غير أن التجربة لا تتوقف هنا كما يعرف ذلك المؤلفون.
آخر ما قرأت ورقيا وإلكترونيا
من آخر ما قرأت ورقيا:
-“حوليات الجامعة التونسية” عدد 55
– “من البنية الجملية إلى البنية المكونة” للدكتور الكبير أحمد المتوكل.
Rhétorique de la poésie
وفي الرقمي: “أنطولوجيا الوجود” لكانط.
تقارب دون تماس
علاقتي بالكتابة الالكترونية علاقة تواز، أي محاولة التقارب دون تماس، وأظن أن ههنا تكمن الفائدة وكل الفائدة.
خطوة حميدة
خطوة دعم النشر التي تتبناها وزارة الثقافة سوف تكون حميدة ومفيدة، إذ أن الكتاب في حاجة إلى الدعم بالرغم من أنني أعرف أن ميزانية وزارة الثقافة ليست في مستوى الحدث الثقافي الذي تطور بجهود المثقفين الذاتية وبمواجهاتهم ضد التيارات المعيقة. وبغض الطرف عن الدواعي الإيديولوجية التي تسببت في التأخر في المجال الثقافي، فإنني على يقين أن العلاقة بين المثقفين على اختلاف ميولهم ونوازعهم ستزداد رسوخاً بواسطة الندوات واللقاءات والقراءات النقدية للأعمال المطروحة في الساحة. أنا على يقين أن هناك مبادئ مشتركة تجمع بين مثقف ومثقف، وأن نقط الخلاف قد تبدو واهية عند التطبيق في الساحة الأدبية والفنية، لكن كل ذلك قد يتم بواسطة تبني مشروع ثقافي مستقبلي.
المسألة بكاملها هيكلية
أي اقتراح حول دعم القراءة للكتاب المغربي ينبغي أن يأخذ مساره الطبيعي كما في جميع بلدان العالم. المسألة بكاملها هيكلية فيما يخص التوزيع، فالشركات الرئيسية في البلاد تتلكأ في توزيع الكتاب المغربي خاصة الثقافي منه، في حين تجد في السوق المغربية كتباً عن الطبخ وتفسير الأحلام والمجلات النسائية. أخذنا نفتقد في السوق المطبوعات الأدبية والثقافية، بله حتى بعض المجلات والجرائد الدولية، عكس ما كان سائداً في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي. أهي أزمة القراءة في المجتمع المغربي والعربي معاً؟ أهو انتشار النشرات الإلكترونية بشكل أوسع؟ حينما كانت شركة واحدة في المغرب تحتكر التوزيع، أنشئت عدة شركات للتوزيع فكانت هناك تنافسية إيجابية، غير أنه لسبب ما، بعد تعكر علاقات بعض المؤلفين مع بعض الشركات، ساء وضع توزيع الكتاب المغربي الذي هو الوجه البارز في الثقافة المغربية وفي الحداثة والتراث، وإلا فليس لنا جميعاً ذاكرة، نحتفظ بمؤلفاتنا كما تحتفظ بها المكتبات العامة داخل المغرب وخارجه. على أي حال، المبدع المغربي أثبت حضوره في الساحة الثقافية بالرغم من الحواجز والعراقيل. في الأخير، دعني أحيي كثيراً من المؤلفين في شتى المجالات وأشد على أيديهم.
**الأديب أبو يوسف طه
تجربتي مع النشر
تثير في نفسي الحديث عن النشر الشجن والأسى، لهذا كنت أتجنب الخوض فيه لأسباب متعددة ،أغلبها يتعلق بكرامة الكاتب وكبريائه الطبيعي كمنتج للخيرات الرمزية، وما أصبح يدعى بالثروة اللامادية، لكن مع وجود الأنترنيت، وقيام بعض الكتاب بمغالبة الصعاب والنشر الفردي أو من خلال جمعيات، لم تعد لدور النشر أهمية إلا في جانب واحد وهو التوزيع، إن أحسن تدبيره على الوجه المطلوب، وفائدته على الكاتب لا تكاد تذكر. إن الكاتب مغبون، لا من حيث علاقته بدور النشر فحسب، بل من جهة ما يتعرض له أحيانا من الأصدقاء الألداء، وشيوع النقاد المأجورين الذي يقوم بالتلبيس، والسير على خطوات إبليس.
الآن يمكنني أن أتطرق لحكايتي مع النشر بإراحة تامة، سبب ذلك اقتناعي المبدئي بأنها قطاع خاص ربحي، لا تشتغل وفق مشروع وازن، وتخضع للعرض والطلب، زيادة على أنها لا تعتمد على الشفافية والوضوح في التعامل من الكتاب، هذا إذا لم ندخل في الاعتبار الرياء والمماطلة مما يضيع على بعض الكتاب أوقاتا في الانتظار لتكون النتيجة صفرا. وحدثني الكثيرون عن دور نشر عربية ومغربية يلتف حولها من لا هم لهم إلا إقصاء كتاب لأسباب نفسية تشي بأنهم على غير ما يرام، بل يحتاجون إلى الإيداع في مصحات.
أكتب هذا ، مستثنيا دور نشر بعيدة عن هذه الغوغائية، ومرجحا أن يكون موضوعي مثيرا لأشخاص لا أمني النفس بأن يعد أصداء لي، مثلما أمني نفسي بأن تكون أرائي واضعة إياي خارج هذا النسق البئيس.
تبدأ الحكاية من ( نوفيلا ) الشتاء الضوئي حيث تسلمها الصديق محمد برادة لنشرها في مصر ثم بعد مدة أعادها إلي بتبرير أن الدار المعتمد عليها في النشر حدث لها مكروه ..حريق أو تفجير، لا أذكر.
حدث تسليمي للمخطوط قرب مقهى فرنسا بيد الشاعر محمد بنيس، وكان بصحبته مبارك ربيع وبرادة ومبارك حنون ..انتهى الأمر بأن أصدرتها على نفقتي بتينمل بمراكش.
بعد هذه الزعلكة، نشرت لي سلسلة (شراع) لخالد مشبال، هذا الرجل الفذ، مجموعة (سلة العنب)، لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل نشرت لي إفريقيا الشرق (نوفيلا) عشاء البحر. مرت أربع سنوات، وبعد مهاتفات توصلت بشيك يتضمن مبلغ 958 درهم، ولأن الشيك تضمن اسمي في الأوراق الثبوتية، علما بأن نسخة من البطاقة الوطنية مودعة عند الدار، فقد بادرت برد الشيك بعد إبطاله، سيكون عائد هذه الرواية كما هو واضح صفرا..
وبإيعاز من بعض الأصدقاء قدمت مجموعة قصصية لدار العين، تسلمتها باليد صاحبة الدار، ثم انتهى الأمر بمماحكة تملصت من خلالها فاطمة البودي من النشر دون إبداء سبب حقيقي، لكن في حالة دار العين أو المركز الثقافي العربي أبلغت بعدم وجود أي عمل لي في الدارين.
لو كنت ناشرا
أحدد موعدا مع الكاتب بعد تسلم عمله لأبلغه القرار النهائي، في حالة الرفض أضع بين يديه مكتوبا تعليلات الرفض، إذا كان العمل مقبولا مع بعض التحفظات يطلب منه إجراء التعديل المناسب، أن يكون للدار مصحح لغوي، وكاتب ثان مشهود له، يعيد الكتابة بعد التنسيق مع المؤلف، والاتفاق معه أو مده بالمقترحات المناسبة، أن تكون عدد النسخ معلومة، وكذا عدد المبيعات.
آخر كتاب نشر لي، بعد هذا الطواف العبثي كان (سفر في الأرخبيل) وهو مجموعة قصصية، تسلمت منها 60 نسخة، أهديت منها للأصدقاء 20 نسخة، وبيعت أربعون، وانتهت علاقتي معها إلى يوم الدين.
إعادة النظر في الأثمنة
بالنسبة لرفع المقروئية، يجب النظر في الأثمنة وجعلها مناسبة، وإصدار كتب الجيب، والتكثيف من الأنشطة داخل المؤسسات التعليمية كما هو حاصل الآن، واستفادة الكتاب من عائد مطبوعاتهم،وتنويع مدن معرض الكتاب، وإجراء مباريات القراءة الى غير ذلك.
هذه بعض مقاساتي لكن ذلك يجعلني أكثر إصرارا على الكتابة.
لا فائدة
عن علاقتي بالكتاب الالكتروني، لا أستفيد إلا على نحو جزئي، فقراءة الورقي أكثر متعة ، وتتيح التركيز والمعاودة.
**القاص محمد الشايب
على حسابي الخاص
بالنسبة للمجموعة القصصية “هيهات”، التي تعتبر آخر إصداراتي لحد الآن، فقد نشرتها على حسابي الخاص في 1000 نسخة بيع منها أكثر من النصف، بفضل تعاون بعض الأصدقاء، عن طريق مشاركتهم في التوزيع أو تنظيم حفلات لتوقيع المجموعة في بعض المدن المغربية كالقنيطرة و برشيد وسوق أربعاء الغرب. و تجربتها لا تخرج عن باقي التجارب السابقة إذ أن كل إصداراتي الثلاثة الأولى طبعت على حسابي الخاص و وزعت تقريبا بنفس الطريقة، ولدي مجموعة قصصية جديدة جاهزة أتمنى أن ترى النور قريباً، وأن تكون ظروف نشرها أحسن من سابقاتها.
آخر ما قرأته ورقيا وإلكترونيا
ما زلت أقتصر على قراءة الكتاب الورقي، ولم أعتد بعد على قراءة الكتب الإلكترونية. ومن عاداتي أن أقرأ أكثر من كتاب واحد في نفس الوقت وبشكل متواز. وقد أنهيت قراءة ثلاثة كتب هي رواية “بيضة العقر” للكاتب محمد الهجابي، والمجموعة القصصية “انكسار السراب ” للقاصة زكية الحداد، والمجموعة القصصية “رماد بطعم الحداد ” للكاتب مصطفى يعلى.
إلكترونيا اكتفي بقراءة نصوص قصيرة و متفرقة، و لم أعتد بعد – كما قلت لك سابقا على قراءة الكتب الإلكترونية.
الحلقة الأضعف
أتمنى أن تنفتح الوزارة في ما يخص سياسة دعم النشر، على المؤلفين وتنصت إلى اقتراحاتهم، كأن توزع استمارات من طرف المبدعين بغية الخروج بتصور عام عما يشعرون به تجاه طريقة الدعم المتبعة حاليا، والتي أرى أنها تخدم دور النشر أكثر، وتجعل من الكاتب الحلقة الأضعف في هذه العملية، علماً أنه المنتج الأول للأفكار والإبداع.
لأجل رفع نسبة المقروئية
الكتاب المغربي يعاني من كثير من المشاكل لعل أهمها مشكل التوزيع، فالكاتب المغربي في الغالب يطبع على حسابه الخاص، ويجد نفسه بعد ذلك عاجزا عن توزيع كتابه، وحتى إذا وجد شركة تتولى هذه المهمة فإن الأمور لا تتم بالطريقة التي يتمناها المبدعون، وتخدم الكتاب المغربي، وتروجه على أحسن وجه. بالإضافة إلى ذلك يعاني الكتاب المغربي من تهميش لا يطاق، فهو في الغالب مغيب عن المقررات الدراسية، وجل أشكال الاحتفاء والتشجيع. وللرفع من نسبة مقروئيته، على المعنيين بالأمر الانتباه إلى مثل هذه المشاكل وسواها، من أجل معالجة وتخطي كل المشاكل التي تحول دون ارتفاع نسبة الإقبال على الكتاب المغربي.
**الشاعر كمال أخلاقي
تجربة موفقة
كتابي الأخير ديوان”تماما كما يفعل الملاك” الذي صدر عن بيت الشعر في المغرب السنة الماضية، نشرته بطلب من الشاعر نجيب خداري رئيس المؤسسة، وحظي بدعم من وزارة الثقافة. كانت تجربة موفقة رغم أنني لضغط الوقت المرتبط بترشيحات الدعم، لم يتسن لي إضافة قصائد أخرى في المجموعة، ووقعت هفوات على مستوى تصفيف الكتاب.
آخر ما قرأته ورقيا وإلكترونيا
أنهيت للتو رواية ” نوميديا ” لطارق البكاري ووجدته عملا روائيا جميلا وأصيلا. آخر كتاب رقمي قرأته هو رواية للكاتب أرييل امانويل سميث،
بعنوان “طائفة الأنانيين” وأنصح بقراءته.
علاقة جديدة وغير واضحة
علاقتي بالكتاب الالكتروني علاقة جديدة وغير واضحة أتعب كثيرا و أنا أحاول مرهقا أن أكمل رواية على شاشة حاسوب. ما أجمل الكتاب الحي ولكن الضرورة تقتضي أحيانا أن تمارس تعب العيون لترى جمال النص.
خطوة في الاتجاه الصحيح
الطريقة الجديدة التي بلورتها وزارة الثقافة في ما يخص دعم مشاريع الكتب، خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنها تحتاج بموازاة ذلك وضع منظومة كاملة ومهيكلة لمسلسل صناعة وإنتاج الكتاب، وهذا يمر بالضرورة عبر ضمان حقوق التأليف ومتابعة عمل الناشر بخصوص الترويج للكتاب والفصل بين دعم شركات النشر من جهة وبين دعم الجمعيات الناشرة للكتب.
حتى لا يبقى الكتاب بعيدا عن عيون القراء
أهم اقتراح في نظري للرفع من نسبة مقروئية الكتاب المغربي، هو تدريس مادة الكتاب المغربي في أسلاك الثانوي وهيكلة مكتبات المؤسسات التعليمية وتنشيط دور الخزانات البلدية والجهوية التي غالبا ما تقوم بعمل حفظ الكتاب وخزنه، بعيدا عن عيون القراء المحتملين.