تاريخ الحروب..-الحلقة 10- 2/1

تدفع الحرب الروسية – الأوكرانية التي تدور رحاها بأوروبا الشرقية، والتي أججت التوتر بين الغرب وموسكو وتنذر باتساع رقعتها نحو، ما وصفه مراقبون، “حرب عالمية ثالثة” لها تكاليف باهظة ليس على المنشئات والبنية التحتية فقط وإنما على مستوى الأرواح وعلى ملايين الناس الذين تنقلب حياتهم رأسا على عقب، إلى تقليب صفحات الماضي، لاستحضار ما دون من تفاصيل حروب طاحنة جرت خلال القرن الماضي، وبداية القرن الحالي.
في هويات متداخلة، كما في روسيا وأوكرانيا، لم يبق أحد خارج الحرب. انتهت الحروب وحفرت جراحا لا تندمل وعنفا لا ينسى. وفي هذه السلسلة، تعيد “بيان اليوم” النبش في حروب القرن الـ 20 والقرن الـ 21 الحالي، حيث نقدم، في كل حلقة، أبرز هذه المعارك وخسائرها وآثارها، وما آلت إليه مصائر الملايين إن لم نقل الملايير من الناس عبر العالم..

حرب 67.. حرب ما تزال تبعاتها السياسية والجغرافية تؤثر على المنطقة العربية 

حين عصفت الحرب بالرئيس المصري جمال عبد الناصر وأدت إلى احتلال أوسع لفلسطين

منذ احتلالها فلسطين بدعم بريطاني وتواطؤ دولي، خاض الاحتلال الإسرائيلي مدعوما بالولايات المتحدة، التي تمده بأحدث الأسلحة والعتاد العسكري، صراعات عسكرية مع العديد من القوى العربية، وخصوصا منها مصر وسوريا والأردن، بالنظر لكونها دول تقع على الحدود مع فلسطين المحتلة.

واشتعلت بذلك حروب في 1948 التي احتلت فيها إسرائيل فلسطين، ثم حرب 1956 التي شنتها قوات الاحتلال الإسرائيلية إلى جانب كل من فرنسا وبريطانيا على مصر والتي تسمى بـ “العدوان الثلاثي”، والتي سبق وأن تحدثنا عنها في حلقة سابقة.

مناوشات بين دول عربية والاحتلال الإسرائيلي

بعد انسحاب الاحتلال الإسرائيلي من مصر عقب العدوان الثلاثي، ظلت هناك دائما مناوشات بين الجانب المصري والإسرائيلي خصوصا على الحدود، وتنامي المقاومة في فلسطين بقطاع غزة المحاذي لمصر، ثم توسعت دائرة المناوشات بين الاحتلال الإسرائيلي والأردن عقب التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية الفلسطينية المحاذية للحدود مع المملكة الهاشمية، ثم مناوشات بين الجيش السوري والاحتلال الإسرائيلي على مستوى الجولان السوري الذي توسع فيه الاحتلال.

استمرت المناوشات نهاية الخمسينيات وزادت حدتها بشكل كبير مع بداية الستينات، وبدأت تتعدد أسباب الحرب، خصوصا مع اعتبار إسرائيل أن الأحداث التي تلت حملة سيناء عام 1956 (العدوان الثلاثي) تشكل تهديدا لأمنها، ثم رفضها لجهود التسلح التي تبذلها مصر بقيادة جمال عبد الناصر، ونشاط سوريا ضد المستعمرات الإسرائيلية على الجبهة السورية وأمام الجبهة الأردنية.

وزادت حدة التوتر بين كل مصر والأردن وسوريا من جهة والاحتلال الإسرائيلي من جهة أخرى مع قرار القمة العربية 1964 في القاهرة والقاضي بتحويل مياه نهر الأردن في كل من سوريا ولبنان، ثم قرار تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية في 1965.

بالأردن، انتهى التفاهم بشكل رسمي بين الحكومتين الإسرائيلية والأردنية بشأن تهدئة الحدود الطويلة بين البلدين حيث قُتل 3 جنود إسرائيليين بانفجار لغم على خط الهدنة قرب قرية السموع بجنوبي الضفة الغربية في لواء الخليل الذي كان تابعا للمملكة الأردنية الهاشمية، وعلى إثرها شنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي هجوماً متذرعًا بهذه الحجة على قرية السموع الحدودية وهدم بيوتاً كثيرةً فيها، وانهارت التهدئة بين البلدين.

على مستوى سوريا، تكثفت الاشتباكات منذ 1964، وعبرت قوات الاحتلال الإسرائيلي الحدود بين الجانبين، كما كانت توجه اتهامات للحكومة السورية بدعم المقاومين واحتضانهم خلف الحدود.

استمرت المناوشات بشكل أعنف على مستوى الحدود، خصوصا من قبل المقاومين الذين سهلت لهم سوريا المرور على مستوى الجولان ومدينة القنيطرة وعلى مستوى النقاط الحدودية، ثم النشاط الفلسطيني في قطاع غزة على المستوى الحدود المصرية، ثم تلت ذلك قرارات وأحداث مهمة وقعت منذ منتصف ماي 1967، من بينها مطالبة مصر بسحب قوات الأمم المتحدة من سيناء وبدؤها حشد جيشها في سيناء، وإغلاقها يوم 22 ماي “مضايق تيران” بالبحر الأحمر في وجه الملاحة الإسرائيلية، وهو ما اعتبرته إسرائيل بمثابة إعلان رسمي للحرب عليها.

بداية الحرب  

على إثر التطورات العسكرية بالمنطقة، وما بدر من الجانب المصري، بدأ الاحتلال الإسرائيلي في التخطيط لشن الحرب على دول الجوار العربي مع وذلك مع مطلع يونيو عام 1967، وكان التخطيط الإسرائيلي يستهدف بشكل كبير في بداية الأمر سوريا، حيث أبلغ وفد أبلغ وفد سوفياتي مصر بأن إسرائيل حشدت 11 لواء عسكريا على الحدود السورية.

طوال الشهور الأول من عام 1967 كانت الجبهة السورية مع إسرائيل مشتعلة بنيران متقطعة بين الجانبين وكانت المدفعية السورية مستمرة بقصف المواقع الإسرائيلية، بسبب الاشتباكات المدفعية بين الجانبين وتسلل وحدات من المقاومين الفلسطينيين إلى داخل إسرائيل حيث كانت تنطلق عمليات فدائية من سوريا إلى داخل إسرائيل ونفذت الكثير من العمليات الفدائية في هذه الفترة داخل الأراضي المحتلة، فيما تسللت، بالمقابل، وحدات كوماندوز إسرائيلية إلى داخل سوريا.

كان الاتجاه العام داخل إسرائيل يميل للتصعيد العسكري مع سوريا، ما دفع ليفي أشكول رئيس وزراء الاحتلال للإعلان في الكنيست أن إسرائيل قررت أن ترد بالطريقة التي تراها ملائمة على سوريا، لتقوم في 7 أبريل 1967 بإسقاط 6 طائرات سورية من طراز ميغ 21، اثنان منهما داخل سوريا وأربعة أخرى داخل الأردن، فيما ردت سوريا بإسقاط عدد من الطائرات الإسرائيلية منها ما سقط فوق الأراضي السورية ومنها ما سقط داخل الأراضي المحتلة.

ساعة الصفر

مع زيادة التوقعات بأن الحرب ستنشب بين سوريا وإسرائيل لا محالة، ستقوم قوات الاحتلال الإسرائيلي بهجوم مباغت على قواعد سلاح الجو المصري في سيناء وذلك في صباح 5 يونيو 1967، وكانت هذه ساعة الصفر التي انطلقت فيها الحرب بشكل رسمي.

خلخلت الخطوة الإسرائيلية الجيوش العربية، ذلك أن الهجوم كان مباغتا واستطاع خلال ثلاث ساعات من تدمير سلاح الجو المصري، في الوقت الذي كانت القوات العربية ترقب أن تكون ساعة الصفر بسوريا، لكن الاحتلال  فاجأ الجيش المصري الذي حشده الرئيس جمال عبد الناصر بسيناء بعد إجلاء القوات الأممية.

ولم تقف القوات الإسرائيلية عند هذا الحد، بل استغلت ارتباك الجيوش العربية، وبدأت بشكل متزامن بشن هجمات جوية على المطارات والقواعد الجوية الأردنية والسورية والمصرية وتحطيم طائراتها في آن واحد.

وكذلك استفادت إسرائيل من الضربة الجوية التي قامت بها القوات الجوية الأمريكية والبريطانية اللتان كانتا متمركزتان بقاعدتي هويلز والعدم بليبيا والتي كان من أهم نتائجها تحييد سلاح الجو المصري والذي كان بإمكانه تقديم الدعم والغطاء الجوى للقوات المصرية أثناء العمليات العسكرية أو حتى أثناء الانسحاب.

 ثم استثمرت إسرائيل تحرك الوحدات العربية في عملية إعادة التنظيم الخاصة بالقيادة العربية المشتركة وشنت هجوماً بالدروع باستخدام أسلوب الحرب الخاطفة على الضفة الغربية التي كانت تابعة للأردن وعلى مرتفعات الجولان السورية وقطاع غزة الذي كان تابعاً لمصر ولسيناء كل على انفراد حيث استعملت الأسلحة المحرمة دوليا كالنابالم وقذائف البازوكا.

 

> إعداد: توفيق أمزيان

Related posts

Top