تدفع الحرب الروسية – الأوكرانية التي تدور رحاها بأوروبا الشرقية، والتي أججت التوتر بين الغرب وموسكو وتنذر باتساع رقعتها نحو، ما وصفه مراقبون، “حرب عالمية ثالثة” لها تكاليف باهظة ليس على المنشئات والبنية التحتية فقط وإنما على مستوى الأرواح وعلى ملايين الناس الذين تنقلب حياتهم رأسا على عقب، إلى تقليب صفحات الماضي، لاستحضار ما دون من تفاصيل حروب طاحنة جرت خلال القرن الماضي، وبداية القرن الحالي.
في هويات متداخلة، كما في روسيا وأوكرانيا، لم يبق أحد خارج الحرب. انتهت الحروب وحفرت جراحا لا تندمل وعنفا لا ينسى. وفي هذه السلسلة، تعيد “بيان اليوم” النبش في حروب القرن الـ 20 والقرن الـ 21 الحالي، حيث نقدم، في كل حلقة، أبرز هذه المعارك وخسائرها وآثارها، وما آلت إليه مصائر الملايين إن لم نقل الملايير من الناس عبر العالم..
حرب 67.. حرب ما تزال تبعاتها السياسية والجغرافية تؤثر على المنطقة العربية
6 أيام من الحرب
بعد ظهر اليوم الأول من الهجوم، وبعد إعادة الترتيب قامت القوات العربية المكونة من مصر والأردن وسوريا والعراق، التي دخلت على خط الحرب بناء على اتفاقية دفاع مشترك تجمعها بكل من مصر والأردن، (قامت) بتنفيذ غارات جوية ضد إسرائيل، لترد عليها هذه الأخيرة بالمثل.
وفي ختام اليوم الأول، كان الأردن قد خسر أكثر من ست طائرات نقل مدني طائرتين عسكريتين ونحو 20 جنديًا في هجوم شبيه على المطارات الأردنية، أما في سوريا فإن حصيلة الغارات الإسرائيلية كانت خسارة 32 طائرة “ميج21” و23 طائرة “ميج15″، و15 طائرة “ميج17” وهو ما قدر بكونه ثلثي القدرة الدفاعية السورية.
كذلك دمرت إسرائيل عشر طائرات جوية عراقية في مطار عسكري غرب العراق، وكانت الخسارة 12 طائرة “ميج21” و17 طائرة هنتر وثلاثة طائرات قتالية، كما قتل جندي عراقي، كما قتل أيضًا 12 مواطنا في لبنان، وذلك عقب سقوط طائرة إسرائيلية فوق الأراضي اللبنانية.
وكمحصلة اليوم الأول، أعلن الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، أن إسرائيل دمرت 416 طائرة عربية، في حين خسر الإسرائيليون 26 طائرة فقط خلال اليومين الأولين من الحرب، ستة من أصل 72 طائرة ميراج-3 وأربعة من أصل 24 من طائرات سوبر مايستر وثمانية من أصل 60 طائرة مايستر وأربعة من أصل 40 طائة أورغان، وخمسة من أصل 50 طائرة مقاتلة، كما قتل 12 طيارًا وجرح خمسة وأسر أربعة.
تواصل القتال 6 أيام متوالية، بعد الخسائر المهولة في اليوم الأول زادت الخسائر في اليوم الثاني، حيث أعلنت القوات الإسرائيلية صباح يوم 6 يونيو احتلال العريش المصري وفتح المحور الشمالي أمام القوات الإسرائيلية المدرعة، فيما كانت مهمة الطيران الإسرائيلي طوال اليوم تثبيت الوحدات المدرعة في الممرات الجبلية.
وفي مساء اليوم نفسه أذاعت إسرائيل أن عناصر قواتها وصلت إلى قناة السويس مما أصاب جنود الجيش المصري بالذعر، فيما أطلق عليه الغرب “الحرب الخاطفة”، كما أعلنت إسرائيل تمكن قواتها من الاستيلاء على مدينتي غزة وخان يونس في قطاع غزة الذي كان يخضع آنذاك للسيادة المصرية.
كانت بالمقابل مصر تعيش على وقع الارتباك، حيث أعلن نائب القائد الأعلى للقوات المصرية عبد الحكيم عامر في الساعة الخامسة من بعد الظهر الانسحاب العام لجميع قوات الجيش المصري من سيناء إلى غرب قناة السويس، على أن ينفذ على مراحل وخلال الأيام التالية، وهو القرار الذي أثر سلبا على أداء الجيش المصري وعلى مسار الحرب بالنسبة له.
أما على الصعيد الدبلوماسي الدولي فقد صدر ذلك اليوم قرار مجلس الأمن رقم 233 بوقف إطلاق النار، وهو ما كان يعني حينها إقرارا دوليا باحتلال إسرائيل أراضي مصرية وحرمان مصر من حقها في استعادتها.
أيضا، في اليوم الثاني على مستوى باقي الجبهات العربية، شهدت الجبهة الأردنية قتالا في كافة أنحاء الضفة الغربية فسقطت نابلس، وأخذت القوات الإسرائيلية تتحرك في اتجاه نهر الأردن مع الدخول في قتال حول القدس الشرقية. أما سوريا فكانت الاشتباكات متبادلة بين الجانبين.
في اليوم الثالث من الحرب كان على القوات المصرية صباحا وفي وسط سيناء مواجهة ثلاث مجموعات عمليات، وظهرت في هذا اليوم بوادر الانهيار التام للقوات المصرية مع قرب وصول القوات الإسرائيلية إلى قناة السويس، فيما عرفت الجبهة الأردنية وقف إطلاق النار، واستطاع على مستواها جيش الاحتلال من السيطرة على القدس الشرقية، ووصل في العاشرة صباحا إلى حائط البراق ثم سيطرت تماما على القدس مع حلول المساء فيما استمرت المعارك بين الجيش السوري والإسرائيلي بدون أي جديد.
في اليوم الرابع ومع قرب وصول القوات الإسرائيلية إلى قناة السويس بدأت في هذا اليوم الاستعدادات للدفاع عن القاهرة من مدخليْ السويس والإسماعيلية، وجرى حديث بين السوفيات والرئيس عبد الناصر عن وقف القتال على الجبهة المصرية، في الوقت الذي شكلت فيه الوحدات المصرية المدرعة الباقية سدا دفاعيا وسط سيناء، ولكن مع قبول مصر وقف إطلاق النار كانت قد انهارت الدفاعات المصرية الباقية شرق القناة، وبدأ الارتداد العام والانسحاب من سيناء. بالمقابل، كانت الجبهة الأردنية بدون أي إطلاق نار بعد إعلان الملك حسين قبول وقف إطلاق النار مع إسرائيل بصفة رسمية.
في اليوم الخامس قامت القوات الإسرائيلية باحتلال سيناء كلها حتى شرم الشيخ، باستثناء الخط من رأس العش شمالا وحتى شرق بور فؤاد الذي ظل تحت سيطرة القوات المصرية، فيما احتدمت الجبهة السورية بعد تعزيز إسرائيل لقواتها على الحدود السورية مستغلة وقف إطلاق النار مع الأردن واكتساحها الجبهة المصرية، حيث قامت باختراق الدفاعات السورية وتجاوز الحدود.
في ذات اليوم صدر قرار مجلس الأمن رقم 235 لتأكيد وقف إطلاق النار، بينما أعلن عبد الناصر في أعقاب هذه الخسارة تنحيه عن السلطة.
في اليوم السادس واصلت القوات الإسرائيلية اختراقها للدفاعات السورية على طول الجبهة في الجولان فوصلت إلى القنيطرة، وأعلنت سوريا قبولها وقف إطلاق النار الساعة السادسة والنصف مساء من ذلك اليوم، فيما استقال عبد الحكيم عامر ووزير الحربية شمس بدران.
توقف الحرب وخسارة عربية فادحة
مساء يوم 10 يونيو 1967، وبعد ستة أيام من المواجهة انتهت الحرب، وفي اليوم الموالي صدر قرار من مجلس الأمن رقم 236 ينص على إدانة أي تحرك للقوات بعد 10 يونيو.
انتهت حرب 1967 عسكريا، لكن تبعاتها السياسية والجغرافية لم تنته إلى حدود اليوم، حيث تواصل إسرائيل احتلال الضفة الغربية، ومحاصرة قطاع غزة، إلى جانب ضم القدس والجولان لحدودها، والمضي في المشاريع الاستيطانية بمدينة القدس، منذ ذلك الحين إلى اليوم.
واستطاعت إسرائيل الاستيلاء منذ ذلك الحين على 85 بالمئة من أراضي فلسطين التاريخية والبالغة حوالي 27 ألف كيلومتر مربع، وتواصل نهب مقوماتها، فيما لم يتبق للفلسطينيين سوى 15 بالمئة فقط، وتخضع للاحتلال الإسرائيلي.
كما أدت الحرب إلى مقتل نحو 20 ألف عربي، و800 إسرائيلي، واستطاعت خلالها إسرائيل تدمير ما يقدر بنحو 70 إلى 80 بالمئة من العتاد العسكري في الدول العربية، فيما لحق الضرر بنحو 2 إلى 5 بالمئة من عتادها العسكري.ذ
وخلال الأيام الستة للحرب، احتلت إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة، واكتسحت صحراء سيناء المصرية وجنوب لبنان ومرتفعات الجولان السورية، وترتب عن هذه “النكسة”، وفق إحصائيات فلسطينية، تهجير نحو 300 ألف فلسطيني من الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة، كما عصفت الحرب بالرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر الذي أعلن في اليوم الأخير للحرب تنحيه عن السلطة، قبل أن يعود إليها بعد مظاهرات مطالبة ببقاءه في السلطة، ليقضي بعد ذلك ثلاث سنوات قبل وفاته عام 1970.
> إعداد: توفيق أمزيان