تجربة الكتابة

أغلب الأدباء المغاربة لا يهتمون بسرد تجربة الكتابة، بالرغم مما تستبطنه هذه التجربة من حمولة ثقافية وسيكولوجية وغير ذلك.
في أي ظروف خرج هذا النص أو ذاك إلى حيز الوجود، في صورته المألوفة، سواء بين غلافي كتاب أو صفحات مجلة وجريدة، لا نعلم أي شيء عن ذلك.
نتلقى النص وهو في هيئته الجديدة الخالية من الشوائب ومن التشطيبات، منشور بشكل مرتب وعليه مسحة من الجمال، كأنه ولد على هذه الصورة تماما، في حين أن هناك عدة مراحل يمر منها هذا النص، انطلاقا من بذرة في الذهن وفي القلب، إلى أن يستوي أسود على بياض.
إن المعاناة التي يخرج فيها النص إلى الوجود، باعتباره ممارسة، لا يمكن أن يضاهيه أي فعل آخر، سواء ما كان له علاقة بالقراءة أو النشر.
نحن عادة نقرأ النص ونحن في حالة استرخاء جسدي وربما حتى ذهني، وعيا منا بأن النص أمامنا على الورق أو على شاشة الحاسوب، بكامله فقراته، ويمكن لنا العودة إليه متى شئنا، لإتمام قراءته إذا كان طويلا، وقد نقرأه في جلسة واحدة، كل ذلك يحدث دون أن نستحضر الظروف التي خرج فيها العمل الأدبي أو الفكري إلى النور.
ومن جهتهم فإن الأدباء والكتاب عموما، أغلبهم على الأرجح، لا يلقون بالا لتسليط الضوء على الجانب الخفي من معاناتهم في تجربة الكتابة.
يعتقدون أن ذلك ليس بذي أهمية، وأنه قد يستنفد منهم زمنا، يكون من الأفضل لو كرسوه لإنتاج نص آخر، يعزز رصيدهم، سواء من الإبداع أو النقد أو الفكر أو غير ذلك.
حتى الذين ينشغلون بكتابة سيرهم الذاتية، لا تجد ذكرا لتجربة الكتابة، كأن هذه التجربة منفصلة عنهم، أو أن فن الأوتبيوغرافيا لا يمت بصلة إلى عالم الكتابة والنشر، إنه مقتصر على سرد حياة الطفولة وربما قسم من الشباب، وكفى..
في حين أن هذه التجربة الأخيرة تحتاج لوحدها أن يخصص لها الأديب كتابا مستقلا، لا بل إن تجربة إبداع كل نص بحاجة إلى الحديث عنها، على حدة، بتفصيل، وهي بلا شك، تختلف من نص إلى آخر، فكل نص له معاناته الخاصة وطقوسه الخاصة كذلك.
كل نص له تجربة خاصة في كتابته، وبالتالي من المهم جدا أن يكرس كتابنا وأدباؤنا، مساحة من وقتهم؛ لأجل الحديث حول هذه التجارب بالذات.

عبد العالي بركات

[email protected]

الوسوم ,

Related posts

Top