تسجيل نقص كبير في مادة الحليب بالأسواق وسط مراوغات وصمت الحكومة

تفاجأ المتسوقون خلال الأسابيع الماضية، باختفاء العديد من أصناف الحليب، وتراجع كميات أخرى من رفوف الأسواق التجارية الكبرى، وأيضا لدى باقي المحلات التجارية، في سياق اتسم بصمت حكومي على غرار ما تنتهجه من سياسة صماء تجاه أبرز القضايا التي تمس المواطن البسيط بشكل مباشر.

وحتى حدود كتابة هذه الأسطر، لا زالت الحكومة لم تتفاعل مع النقص الحاد في هذه المادة الحيوية والرئيسية ضمن قفة المغاربة، باستثناء المراوغة التي قام بها الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقات مع البرلمان والناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، الأسبوع الماضي تفاعلا مع سؤال صحفي مفاجئ في الموضوع، حيث قال “إن الحكومة ستعلن عن برنامج لدعم سلسلة إنتاج الحليب، مشيرا إلى أن التدابير يراد منها دعم القطاع الذي بهدف التحكم في الإنتاج، حيث سيكشف عن فحواها في الأيام المقبلة”؛ دون الخوض في أسباب النقص أو تسليط الضوء على المشكل القائم.  

وتشهد مختلف جهات المملكة تراجعا في إنتاج الحليب يتراوح بين 50 و60 في المائة مقارنة بالسنوات الماضية، حسب ما أكده عدد من المنتجين، مبرزين أن العديد من العوامل ساهمت في هذا التراجع على رأسها استمرار غلاء الأعلاف.

وشكلت تداعيات الجفاف ضربة قاسية لقطيع الأبقار الحلوب بالمغرب، بالنظر إلى تضرر كل السلسلة المرتبطة بإنتاج الكلأ، وزاد من هذا الوضع ارتفاع أسعار الأعلاف التي شهدت زيادة كبيرة، حيث ارتفع سعر الكيلوغرام بنحو النصف ليصل إلى 5 دراهم للكيلوغرام، في حين كان هذا السعر لا يتعدى 2.5 دراهم في سنوات سابقة.

وأدت هذه التداعيات إلى أثر كبير على الفاعلين في قطاع إنتاج الحليب خاصة من الأبقار الحلوب، وتسبب هذا الوضع في إغلاق نحو 50 في المائة من مراكز التعاونيات، كما تراجع إنتاج بعض التعاونيات من الحليب إلى 300 لتر في اليوم مقابل 2.5 طن فيما قبل، وفق تصريحات مهنيين.

وفي سياق متصل، عزا الشريف الكرعة، رئيس تعاونية إنتاج الحليب بعين دفالي بسيدي قاسم، النقص في الحليب إلى الشركات المصنعة له، مؤكدا أنهم “هم من تآمروا على الفلاح، خاصة شركة سنطرال، التي قامت وفق تعبيره بنهج مجموعة من الشروط ضد التعاونيات لأجل تقليص حجم منتجاتها”.

وأضاف الشريف الكرعة، رئيس التعاونية التي تم تجميدها بسبب التوقف عن الإنتاج، في تصريح لجريدة بيان اليوم، أن الفلاح نفسه نفسه أمام إكراهات عدة من قبيل الزيادات في الأعلاف، وغياب أثمنة حقيقية لجودة المنتجات التي يقدم، مما اضطره إلى التخلي عن هذا القطاع.

وقال الشريف الكرعة، رئيس الاتحاد المغربي لتعاونيات الحليب -الذي تم تجميده أيضا-، إن “الوزارة الوصية صمت آذانها عن مطالب الفلاح، لأن هذا القطاع حقق تنمية فلاحية مهمة في المناطق القروية بما فيها السقوية والبورية، لكن للأسف الوزارة الوصية لم تعطي الاهتمام لهذا القطاع، وبالتالي وقع إفلاس بسهولة لهذا القطاع، وتم التركيز على مسحوق الحليب (الحليب غبرة)، وعلى حليب المنتجين الكبار خوفا من منافستها، وتم إفشال هذا المشروع الذي كان يوفر سيولة نقدية للفلاحين، لأن هذا القطاع يوفر سيولة نقدية للفلاح كل 15 يوم، وليس كما المنتوجات الأخرى في ثلاثة أشهر…، وحدث هذا الإفلاس”.

وتابع منتج الحليب السابق نفسه: “بصفتي كنت من ضمن المنتجين، فالمنتج في قطاع الحليب لم تبق لديه ثقة في الجهات المسؤولة، فيخاف أن يستثمر من جديد وعند ارتفاع الأثمنة، يتم تخفيض الإنتاج، وبالتالي كتعاونية لا يعقل أنه كان يتقاضى من شركة سنطرال درهمين و17 سنتيما، وعلى إثرها جاءت المقاطعة وغيرها… الفلاح لم يتبق لديه أمل للاستثمار ليس في الحليب فقط، بل القطاعات باجمعها مهددة، فنحن الآن بصدد مشاكل في البذور وأثمنة الاسمدة كذلك مرتفعة، مشكل الغازوال مرتفع، وإلى حدود الساعة الفلاح لم يقم بالحرث الاولي لأرضه، وكأنه لا يوجد موسم فلاحي”.

واعتبر الفلاح عينه أنه على الفيدرالية البيمهنية التي تعنى بقطاع الحليب أن تتضمن فلاحين صغار منضمين لاتحادات وتعاونيات، وينظموا أنفسهم داخل الفيدرالية، مشيرا إلى أن الفيدرالية تمثل الفلاحين الكبار والشركات المصنعة هي ذاتها، “نحن نشتكي من الشركات المصنعة وهي من تمثلنا في ذات الآن، إذن كيف ستكون هذه التمثيلية؟”.

وشدد الشريف الكرعة على أن الفلاح لم يكن يوما في صلب الموضوع، معتبرا أنه “مقصي ومهمش، يخدم كما الخماس للشركات الصناعية باكملها سواء شركات الاعلاف او المطاحن أو الحليب… جميع الشركات التي تحول المنتوج الفلاحي”.

واستطرد الشريف الكرعة: “الفلاح إلى حدود الساعة يعيش على كاهل أبنائه الذين يعملون بالمدن وفي قطاعات البناء أو الكهرباء، هناك هجرة خطيرة للشباب من المناطق القروية، فأصبحنا أمام مشكل في اليد العاملة، والسبب في كل هذا هو التهميش، يأتي منتج الحبوب ويبيع إنتاجه ب200 درهم، وهو يشتري البذور في وقت سابق ب160 درهم، أما الآن فأصبحت الأسمدة الخاصة بالسطح ب1200 درهم، وأسمدة العمق بلغت 350 درهم، بعد أن كانت ب270 درهم، فهذا لا يعقل، لا يوجد من يمثل الفلاح، الغرف الفلاحية هي غرف صورية لا تحرك ساكنا، وعلى مستوى البرلمان توجد جميع القطاعات وتناقش إلا القطاع الفلاحي”.

وعن ما إذا كنا أمام موسم فلاحي أبيض، قال الكرعة: “لن تكون سنة بيضاء، لأن الفلاح عندما سيبلغ وقت الزرع سيشتغل وفق الإمكانيات المتاحة، لن يقوم بجميع لوازم الفلاحة لأنه لا يستطيع شراء هذه المواد، سيكون بحرث مباشر أي لن يقوم بحرث أولى، فهو إلى الآن هو الوطني الحر الذي يناضل لأجل هذا المجتمع، وتمنى لو بمقدوره أن يحقق الاكتفاء الذاتي، إلا أنه يوجد لوبي يحارب الاكتفاء الذاتي في المغرب، هناك لوبي الاستيراد هو الذي يقهر هذا الفلاح”.

عبد الصمد ادنيدن

Related posts

Top