تكريم الراحل جمال الدين دخيسي

شهادة الأستاذ محمد حرفي*

دخيسي كان نموذجا للكفاءة المهنية والعقلانية في التدبير وعزة النفس

المرحوم جمال الدين الدخيسي من جملة الأشخاص الذين تعرفت إليهم خلال مزاولتي  لمهنة التدريس، ولم تنقطع علاقتي بهم إلى أن تغمدهم الله برحمته.
كان لقائي الأول بجمال في الحصة الأولى يوم افتتاح الموسم الدراسي لعام 1969-1970 بثانوية عبد المؤمن بوجدة.
كانت الحصة الأولى مخصصة للتعرف على التلاميذ وإعلامهم بجدول الحصص الأسبوعية وبالكتب المقررة وبالأدوات المدرسية اللازمة، وعندما أدلى جمال الدين باسمه لفت انتباهي لقب الدخيسي، فسألته عما إذا كانت له علاقة  بشخص أعرفه بهذا اللقب، أجابني: “إنه والدي”، عقبت: “تبارك الله، إنك ابن وطني مقاوم”، أجاب: “نعم وأنا أعرف أنك صديقه فكثيرا ما كنت تزوره  في المدرسة التي كان يديرها”.
ليس هذا هو المهم، وإنما استحضاري ذكرياتي مع جمال الدين الدخيسي التي ألخصها في التالي:

كان جمال من التلاميذ الذين توطدت علاقتي بهم وهم في طور التلمذة، وتوثقت أكثر لما كانوا يتميزون به من حيوية وشجاعة أدبية ومبادرات نضالية حين كان التلاميذ يخوضون معارك ضد بعض التدابير التي كانت إدارة التعليم تتخذها آنذاك، وقد تميز  منهم في هذا السياق جمال الدين الدخيسي، عبد القادر جويط ومحمد شيكر، أخص هؤلاء بالذكر لأنهم أولا تتلمذوا علي في قسم الباكالوريا، لهذا كنت ألمس مبادراتهم عن قرب، وثانيا لأنهم كانوا ينشطون في الشبيبة العاملة المغربية التابعة للاتحاد المغربي للشغل الذي كنت من أطره، أنا والصديق أحمد سالم لطافي.
كان جمال الدين الدخيسي ذا توجه مسرحي، لهذا اختار التوجه إلى الاتحاد السوفييتي للتخصص في هذا المجال، ليعود بعد ذلك إلى المغرب فتسند إليه مهمة إدارة مسرح محمد الخامس وليعهد إليه بعد ذلك بتدريس فن المسرح في عدة معاهد في الرباط وجرادة، وقد عرض عليه الاضطلاع بمهمة إدارة مسرح محمد السادس بوجدة، فاعتذر متعظا بما عاناه من إكراهات موضوعية وأكثرها مختلق.
لقد رحل جمال الدين الدخيسي وترك لدى معارفه ولاسيما المبدعين في المسرح انطباعا قلما كونوه عن غيره، ألا هو الكفاءة المهنية والعقلانية في التدبير  وعزة النفس، وهذه من جملة القيم التي كانت تشكل أهم الإكراهات التي حالت دون إنجاز المشروع المسرحي والسينمائي كما كان يتصوره عندما أنهى دراسته في الاتحاد السوفييتي.
فلينم جمال الدين  قرير العين، فقد أدى واجبه بصدق، وترك جيلا من الفنانين والمبدعين في المسرح والسينما، وهم معتزون لكونهم من تلامذته وحاملي المشعل الذي سيبقى مشعا في فضاء السينما والمسرح.. أبي الفنون.

*أستاذ التعليم الثانوي بوجدة، متقاعد
*مسؤول نقابي بالاتحاد المغربي للشغل بوجدة خلال بداية السبعينات
*ناشط جمعوي بوجدة

***

  • شهادة الأستاذ أحمد حيمري*
  • دخيسي كان يتصدر مواجهة التيار الإسلاموي الذي كان يتشكل آنذاك في مرحلته الجنينية 

كان للمرحوم جمال الدين دخيسي حضور مستمر وقوي في الساحة النضالية داخل ثانوية عبد المؤمن، حيث كنا نتابع الدراسة في فترة السبعينات.
كان شجاعا لا يأبه ردود فعل الخصوم السياسيين، وتجده يتصدر دائما مواجهة التيار الإسلاموي الذي كان يتشكل آنذاك في مرحلته الجنينية بقيادة الأستاذ الرياحي، وكذا الصراع  مع فصيل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية آنذاك.
لعب دورا نشيطا إلى جانب رفاق آخرين في تأسيس ودادية التلاميذ بثانوية عبد المؤمن وثانوية عمر بن عبد العزيز، وهما الوداديتان اللتان لعبتا أدوارا كبيرة في الدفاع عن حقوق التلاميذ في الثانويتين، وهي بالإضافة إلى ودادية تلاميذ “أبي الخير” ببركان شكلت تجارب رائدة وناجحة بكل المقاييس مقارنة مع ما تمت هيكلته في جهات أخرى من البلاد.
إن حيوية جمال الدين رحمة الله عليه وجدية وتضحيات آخرين مكنت من توسيع الشبكة التنظيمية لحزب التحرر والاشتراكية آنذاك، حيث بلغ عدد الملتحقين بالقطاع التلاميذي للحزب قرابة 76 تلميذا بخصال عالية من الأخلاق والتكوين الثقافي والسياسي.
وارتبط اهتمامه المتنوع والمتزايد أيضا بالعمل المسرحي من خلال جمعية المسرح الشعبي، سيما عند انتقلت عناصره النشيطة الأساسية إلى الاتحاد المغربي للشغل  لتكوين فرقة المسرح العمالي فيما بعد. وتابع هذا الميدان بعطاء عندما التحق بالرباط سنة 73 لمتابعة دراسته الجامعية.

*من أصدقاء الراحل
*أستاذ مادة الفرنسية بالتعليم الثانوي بوجدة متقاعد
*معتقل سياسي سابق بوجدة

****

*شهادة الأستاذ يحيى بودلال*

جمال الدين دخيسي إنسان عفوي وتلقائي.. ومناضل ثوري حقيقي

المرحوم جمال الدين دخيسي هو جزء من حياتي، إذ عرفته في مرحلة الدراسة الثانوية بثانوية عبد المؤمن، ثم انتقلنا إلى الرباط لنعيش المرحلة الجامعية، وأثناء هذه المرحلة، لابد أن أفشي سرا كنت أعتز به في حياتنا، إذ فتحت له الباب ليدخل معي مرحلة نضال مرير في صفوف حزب التقدم والاشتراكية، وكان جمال الدين رحمه الله، إنسانا عفويا في حياته، يثق كثيرا في محيطه، في الأشخاص الذين كان يرافقهم، ولكن ما إن مرت سنة على انخراطه في صفوف حزب التقدم والاشتراكية حتى صار مكونا نظريا وعمليا مما جعله يختار الاتحاد السوفييتي سابقا ليتابع فيه دراسة ميدانية وجامعية ويحصل على الدكتوراه في الإخراج المسرحي على يد مسرحيين كبار.
وكان رحمه الله عفويا في معاملاته مع طلبته في المعهد ومع أصدقائه، وأذكر جيدا أنه لما شخص مسرحية في إحدى الجمعيات التي أسسها الحزب في الرباط وهي “جمعية المعرفة” شخص فيها ذلك الثوري الذي يندفع حسب ميولاته ونفسيته اندفاعا عفويا سريعا.
انطلق في مجال التشخيص مما دفعه أن يحب المسرح حبا جنونيا والتكوين فيه وليصبح مديرا للمعهد العالي للمسرح والتكوين في الدراما.
كانت لجمال الدين ميولات أخرى في مجال الفن، إذ كان يقضي ليالي طوالا على مائدته في المنزل الذي كنا نسكنه في حي الليمون بالرباط، ويبدع أعمالا شعرية بالفرنسية، وكان لا ينام حتى يقرأ لي تلك الأشعار التي ينضمها على منوال نيرودا وبابي فريدريك كارسيون، أتذكر هذه اللحظات وأتذكره دائما  بعفوية وتلقائية واندفاعية.
اندفاعه كان ثوريا حقيقيا، وكان يحب الفقراء حبا جما، وكان يميل إليهم حتى في الشوارع والأزقة والطرقات والأسواق الشعبية، وكان يعرب عن تضامنه بطريقته العفوية لما يراهم، خصوصا أولئك الذين كانوا يتسكعون في الطرقات أو الساحات العمومية أو المقاهي وبصحبتهم آلات موسيقية كالبندير أو غير ذلك، يمزجون بين ما هو فرجوي وما هو تسولي.
هذا هو جمال الدين باختصار، ولا يسعني إلا أن أترحم عليه، وأتمنى أن يكون من الذين يفوزون برضا ربهم والجنة إن شاء الله.
*من أصدقاء الراحل
*أستاذ مادة الفرنسية بالسلك الثانوي متقاعد،
*مخرج مسرحي وممثل ورئيس فرقة المسرح العمالي سابقا (ا.م.ش)

***

  • شهادة الأستاذ موسى كرزازي*
  • شخصية المرحوم جمال الدين دخيسي الملتزمة المركبة تجذرت في بيئة سياسية وجمعوية وثقافية غنية..  

بادر حزب التقدم والاشتراكية، عبر لجنته الثقافية مشكروا، إلى تنظيم حفل تكريمي 1 يونيه 2017، للمرحوم جمال الدين الدخيسي، الأستاذ والفنان المقتدر في ميدان المسرح والسينما، ابن المقاوم الذي نفتخر به، كمناضل ملتزم منذ ريعان شبابه إلى جانب الكادحين والفلاحين الفقراء والمستضعفين والمثقفين الثوريين، في حزب التحرر والاشتراكية، وكناشط جمعوي ومسرحي ملتزم في الفرقة المسرحية التابعة لجمعية المعرفة لمحاربة الأمية، وعضو قدم عدة خدمات للشبيبة المغربية للتقدم والاشتراكية.
وبهذه المناسبة، نترحم على روح الفقيد. وتكريما لمثواه كنموذج للفنان الذى اختطفته يد المنون وهو في عز عطائه، ولكوننا من نفس جيل السبعينات جمعتنا وإياه الجغرافيا وخاصة الجماعة الترابية بعين الصفا في قلب جبال بني يزناسن بأحواز وجدة بالجهة الشرقية، واشتراكنا كشباب يافع في النضال زمن الرصاص خلال سبعينيات القرن 20 في نفس الإطار الحزبي، حيث كان المرحوم طالبا مناضلا في حزب التحرر والاشتراكية المحظور، ثم تعرفنا عليه عن قرب وعملنا جنبا إلى جنب ويدا في يد، في العمل الملتزم لمحاربة الأمية ونشر الفكر التحرري والفن الهادف في إطار جمعية المعرفة لمحاربة الأمية بالرباط،، حيث كان عضوا نشيطا في فرقتها المسرحية رفقة ثلة من الرفاق، في مقدمتهم رئيس الفرقة المسرحية المخرج يحي بودلال، وعز الدين بالماحي، وآخرون..،
عندما نحلل شخصية المرحوم نجزم بأنه ابن البيئة التي ترعرع فيها، فهو ينتمي إلى قبائل بني يزناسن التي كانت سدا منيعا ضد كل الغزاة على التخوم المغربية الجزائرية، بل تربي جمال الدين دخيسي هو نفسه في أسرة مناضلة، حيث كان أبوه مقاوما معروفا بتضحياته بالمغرب الشرقي. وللتذكير،  فجهة المغرب الشرقي هي التي أعطت المناضل مهندس المعادن عبد الكريم بنعبد الله، أحد أركان منظمة الهلال الأسود المسلحة لمقاومة الاستعمار الفرنسي، وعضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي المغربي، والذي اغتيل على أيدي الغدر مطلع استقلال البلاد من بعض الغلاة المتعصبين. تربة المغرب الشرقي نفسها أنجبت المناضل الملتزم والاقتصادي الدولي عزيز بلال، منظر العالم النامي، وعضو المكتب السياسي لحزب التحرر والاشتراكية والتقدم والاشتراكية، وريث الحزب الشيوعي المغربي، الذي مات في ظروف غامضة بأمريكا وهو يؤدي الواجب الوطني كمنتخب ضمن الوفد المغربي في ماي 1983..
وبصدد انخراط المرحوم جمال الدين الدخيسي، وهو تلميذ في ثانوية عبد المومن بوجدة، إلى جانب مجموعة من التلاميذ في حزب التحرر والاشتراكية، فيرجع الفضل في ذلك إلى رفيقنا أحمد سالم لطافي، الذي ذاق المحن والتعذيب على يد السلطات المحلية بوجدة، لدوره كأستاذ ملتزم، في تأطير نضالات التلاميذ وانخراطها أفواجا أفواجا في حزب التحرر والاشتراكية. وعلى سبيل المثال، فمن تلامذته الذين وفدوا إلى الرباط من وجدة في مطلع السبعينيات منخرطين في الحزب المحظور، نذكر الرفاق جمال الدين دخيسي ومحمد الشيكر وأمينة لمريني، وبرجوان وآخرون.
كما أن المرحوم دخيسي، معززا برفاقه في فرقة المسرح التابعة لجمعية المعرفة لمحاربة الأمية، وفي مقدمتهم المخرج المسرحي الكبير يحي بودلال رئيس الفرقة، وصديقه الحميم عز الدين بالماحي، وآخرين، كانوا يؤمنون بالمشروع المجتمعي الذي يناضلون من أجله. في هذا الصدد نذكر المسرحية الملتزمة والهادفة التي عرضت أمام الجمهور والطلبة ومنخرطي جمعية المعرفة في أوائل السبعينيات بقاعة سمية (علال الفاسي) بأكدال، تحمل عنوان “الوجه والقناع”، كعربون للالتزام والوعي بقضايا المجتمع وبالقضية الفلسطينية.
ومن المعلوم أن هذه الجمعية أسسها بطريقة غير مباشرة مكتب ناحية الرباط لحزب التحرر والاشتراكية المحظور، كمتنفس للتعبير عن الآراء ومحاربة الأمية وتنظيم أنشطة فنية ومسرحية هادفة. وقد قدم لها عدة خدمات رئيسها الأول رفيقنا المهدي بنشقرون وزوجته نعيمة، وكذا الرفيق فتحي الذي تحمل مسئولية رئيس الجمعية كامتداد للفترة السابقة، وكل أعضاء المكتب ومنهم أمينة لمريني وكرزازي علي وفرحات… وغيرهم كثيرون في الرباط وأعضاء نشطون بمدينة سلا (سعيد سيحيدة ومازوز عبد العزيز…)، وغيرهم، كما لعب المنخرطون فيها ومعظمهم من الرفاق، دورا أساسيا في إشعاع الجمعية إلى أن ضغطت بعض الأوساط الرجعية لمنعها في أواسط السبعينات بعد الانتخابات التشريعية لسنة 1977.
والإطار الثالث الذي ساهم فيه المرحوم دخيسي بنضاله ودعمه سواء بالرباط أو وجدة أو جرادة، فهو منظمة الشبيبة المغربية للتقدم والاشتراكية (الشبيبة الاشتراكية حاليا).
هذه الأوساط التي ترعرع فيها المرحوم جمال الدين دخيسي، من بني يزناسن المقاومة، ووجدة التي كانت منارة لحزب التحرر والاشتراكية والفكر التقدمي الذي لعب في نشره دورا حاسما، أساتذة فرنسيون ذوي قناعات تقدمية وثورية، وهم  أصدقاء رفيقنا سالم لطافي، ونقابيون تقدميون في الاتحاد المغربي للشغل ومنهم الأستاذ المناضل والمقاوم محمد حرفي، الذي تتلمذ على يديه المرحوم الدخيسي في مرحلة الباكالوريا، واحتضان جمعية المعرفة بالرباط للطاقات الشابة المبدعة في الفن والمسرح، ومنهم المرحوم الذي تمرس على الفن المسرحي بحضن الجمعية، قبل التحاقه لاستكمال تكوينه في الاتحاد السوفياتي، إضافة إلى الشبيبة المغربية للتقدم والاشتراكية، كلها تفسر الشخصية التقدمية المركبة المناضلة الملتزمة لفقيد الفن المسرحي والسينمائي رفيقنا جمال الدين دخيسي.
إن جمال الدين دخيسي لم يمت، فهو حي بيننا بروحه الطاهرة، وبعمله الذي يشهد له به فنانون كبار تتلمذوا على يديه، واتبعوا منهجه الهادف لبناء مجتمع تسوده العدالة الاجتماعية والعدالة المجالية والديمقراطية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية…
رحم الله الفقيد. وليكن قدوة للفنانين والمسرحيين وكل المبدعين الشباب والصاعدين.. لخدمة الوطن والقضايا العادلة للشعب.

*من أصدقاء الراحل
*أستاذ جامعي
*عضو اللجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية

الوسوم ,

Related posts

Top