– 1 –
إن المتفحص في طرائق تشكل القصيدة العربية المعاصرة، سيلاحظ أنها سعت، دوما، إلى البحث عن بنى وتقنيات وصيغ تعبيرية جديدة قادرة على تجسيد معاناة الشعراء الخاصة والعامة، وتطوير في أشكال القصيدة الغنائية والوجدانية البسيطة ذات الصوت الواحد/ المنفرد، تلك التي ظلت مسيطرة على الشعر العربي في مختلف مراحله.
وهذا التشكل لا نلمسه إلا عند قلائل من الشعراء الذين ظلت شهوة التجريب الفني مستمرة ومتوقدة لديهم، فواصلوا تطوير قصائدهم نحو بنائية جديدة؛ من هنا اتجهوا إلى استدعاء وتوظيف العديد من العناصر المنتمية إلى أجناس أدبية أخرى في قصائدهم، كالتوتر، والصراع، والحوار بشكليه، وتعدد الأصوات، والشخصيات (معاصرة / تراثية)، والاسترجاع، والأقنعة، والأحداث، واصطناع الضمائر العديدة، وتداخل الأزمنة، والأمكنة؛ كما تمثلت قصائدهم عدة تقنيات فعالة من بقية الفنون، وبشكل خاص من فنون الرسم والتشكيل والمونتاج والملصقات وغيرها؛ فضلا عن الأساليب الفنية الأساسية في الشعر كالرمز والأسطورة والصورة الفنية واللغة والبنية الإيقاعية. كما تعرضت شأنها شأن بقية الأجناس الأدبية إلى ضغوط العصر والواقع وإلى مؤثرات الإيديولوجيا.
وبهذا استفادت قصائد هؤلاء الشعراء الأصلاء من ضروب التعبير الفني المختلفة استفادات جمة، مما أضاف الكثير إليها على المستويين الفكري والتعبيري. والقصيدة العربية المعاصرة بهذا التطور أثبتت أنها كائن حي يصيبه التطور شأنه في ذلك شأن بقية الأجناس الأدبية الأخرى التي تصبو إلى أرقى مستويات التعبير، وهو مستوى التعبير الدرامي.
غير أن منحى هذه القصيدة نحو الأشكال المركبة، واغتناءها بالعديد من العناصر الدرامية والسردية، لا يعني البتة ضياع الحدود بينها وبين بقية الأجناس الأدبية الأخرى، إنما المراد من ذلك أن هناك تبادلا للمزايا الداخلية، وخلق نوع من التلاقح بين العناصر الغنائية والدرامية، دون إحداث أي نوع من الإرباك فيها، فالقصيدة الشعرية مهما اعتمدت مكوناتها على خصائص وتقنيات القص والمسرح والرواية، للتخفيف من حدة الغنائية، والتحرر من قيود الثبات والنمطية، ومن ثم الانطلاق إلى آفاق أكثر رحابة لتحقيق أعلى درجات الإبداع الأدبي، فإنها تحتفظ دوما بهويتها وخصائصها الشعرية.
ومن الملاحظ كذلك أن قصيدتنا العربية المعاصرة رغم انطوائها على تنوع هائل في الأساليب والتقنيات والأشكال والرؤى، فهي تظل، في نظرنا، تمثل جنسا أدبيا واحدا هو جنس الشعر الغنائي، وأن كافة التنويعات الفرعية التي يحفل بها هذا الشعر إنما هي تقسيمات ثانوية يمكن أن نصطلح عليها بـ “الأصناف” التي تنتمي إلى جنس أساس. وهي التي تظل خاضعة بالأساس للصوت المهيمن للشاعر الغنائي والذي يتحكم في النسيج الداخلي والبنيوي والدلالي للقصيدة المعاصرة ـ التفعيلية بالأساس.
بدر شاكر السياب.
إننا يجب أن نعترف هنا بأن القصيدة الغنائية التي نحن بصددها، لم تعد محددة بتلك الخصائص الذاتية والوجدانية النقية التي عرفتها القصيدة الغنائية العربية القديمة، بل أصبحت قصيدة مركبة، عند أهم شعرائنا، حيث انصهرت فيها الكثير من العناصر التي امتصتها من الأجناس الأدبية، ومن بقية الفنون الأخرى.
إن قدرة القصيدة الغنائية على تمثل بعض العناصر الدرامية ـ السردية، لا يعني بالضرورة أنها قد أصبحت جنسا أدبيا موضوعيا، وأنها فقدت جوهرها الغنائي، لأن الشاعر يعرض هنا ما هو موضوعي وخارجي من خلال بؤرة الذات.
إن التأمل في واقع الشعر الغنائي يؤكد أن الغنائية لا تعني الذاتية في جميع الحالات، بل كثيرا ما تبدو غنائية جماعية، وخاصة عندما تنصهر الذات الشاعرة في الجماعة الوطنية أو الإنسانية، فتختفي “الأنا” الشخصية، لتظهر الـ “نحن” الجماعية، ويصبح الشعر أغنية ونشيداً جماعيا، تتعانق فيه الأصوات، وتتوحد المشاعر، ويزول الحاجز بين الذات والموضوع، بين الخاص والعام، وبين “الأنا” و”الأنتم”.
ـ 2 ـ
إن قراءتنا المتجددة الساعية إلى التقييم المتأني الموضوعي، جعلتنا لا نجافي الحقيقة حين نذهب بثقة ويقين إلى القول بأن أهم وأبرز عناصر التجديد التي مست القصيدة العربية قد تحققت على أيدي جماعة متميزة من المبدعين الأصلاء من المنتمين إلى شعراء جيل الرواد وجيل الستينات، أولئك الذين قدموا عن جدارة واقتدار عديدا من نماذج فذة بالغة القيمة، هي الأبهى والأنضج لما يزهو به شعرنا العربي المعاصر.
فمن خلال امتلاك هؤلاء الشعراء لإمكانات موهبية وعقلية وثقافية ولغوية عالية وغيرها من المؤهلات، استطاع كل واحد منهم أن يكون له دوره المرموق في حفر مسار شاق للتجديد والتجريب الرفيعين المتسمين بالتعدد الغني في التقنيات الفنية والتشكيلية والجمالية، والمجسدين للضرورتين الموضوعية والذاتية معا، وذلك لاعتقادهم بوجود المبررات الكافية لإيجاد أشكال وصيغ فنية جديدة قادرة ومؤهلة لاستيعاب الواقع الإنساني الجديد، أو بعبارة أكثر دقة للمساهمة الإيجابية، على المستوى الإبداعي، في حركية اللحظة الحاضرة المتسمة بالنمو والاستمرارية.
من كتب بدر شاكر السياب.
من هنا جاء انتماء قصائدهم الشعرية لتلك الحداثة الإبداعية الحقيقية والمؤثرة والقادرة على أن لا تذهب جفاء، هي التي استوعبت مستجدات عصرها وعبرت عنه مثلما استوعبت كامل الأفق الشعري وخاصة منه ما له صلة بكتابة الشعر على أسس جديدة.
في ضوء هذا الإنجاز الذي تَم تحقيقه على هذه الصيغة، نرى من الضروري العودة، ولو بإيجاز، إلى أحد الصناع الأساسيين لهذه الحداثة المتوازنة، وصاحب الدور الجوهري في تلك الانعطافة النوعية الحاسمة في مسيرة الشعر العربي، إنه بدر شاكر السياب الذي استطاع تحقيق ثورة في معمار القصيدة العربية المعاصرة. فهو الشاعر المالك لناصية لغته الشعرية، وهو المتمكن من ثقافة زاوجت بين التراث الشعري العربي والتجديد الشعري العالمي. دلت دواوينه الشعرية على كل ذلك، مما جعلها تقتحم باب المعاصرة بأسهل الطرق وأقوم الأساليب. بدا كل ذلك في انتقاله من الغنائية الصرف إلى الدرامية بشكل لم يكن ليلغي أو يفضل واحدة منهما على الأخرى، بل ليجعل اندماجهما طريقة جديدة لكتابة نص شعري معاصر.
إن هذا الاندماج أسعف الشاعر في التعبير عن مشكلات الواقع الخاضع ـ جدليا للتناقض الذي هو أساس ما تجري به وعليه حياة اليوم. هذه الحياة التي تنعكس على “أناه” الذاتية المتعددة النزعات والانفعالات. “أناه” الموزعة على شخوص وأصوات وضمائر تقوم على التحاور والتصارع والتوتر. بهذا نقل الانفعال من الذات المفردة إلى الذات الجمع، وأعطى للتأثير الفردي نكهة التأثر الجماعي. كان هذا الانقلاب سبيلا دفع الشاعر إلى رؤية تجربته الذاتية منعكسة على صفحة مرآة مجتمعه، وكان هذا سبباً في استفادة شعره من العناصر الدرامية، ذلك أن الدرامية، كما نراها، لا تلغي الغنائية بل تثريها وتغذيها بالكثير من الطاقات البنائية الجديدة فتمنحها أشكالا متجددة، الشيء الذي يجعلنا نصف القصيدة المستخدمة لبعض الأساليب الدرامية بـ “الغنائية الدرامية”.
لقد سعى السياب بدأب للبحث عن بنى وتقنيات تعبيرية تكون قادرة على تجسيد تعقد التجربة الحياتية وتعدد أبعادها. فنوع في استخدام العناصر الدرامية، مما أسهم في تطور حركة العديد من قصائده بنزوعها نحو الأشكال الفنية المركبة.
وسنكتفي، في هذا الحيز، بإعطاء بعض الأمثلة فقط عن مظاهر الدرامية في منجزه الشعري التي بدت فيه على الشكل الآتي:
1 ـ كان أسبق شعراء جيله استخداما للحوار الدرامي الذي اتخذ عنده شكلين أساسيين هما: (المونولوج) و(الديالوج). في (المونولوج) تعبر الشخصية عن بعض أفكارها الداخلية العميقة ودوافعها، إنه حوار بين النفس وذاتها في عملية استبطان لها واستكناه لمشاعرها. ويمكن لمونولوجاته أن تلتمس، مثلا، في قصائده (غريب على الخليج) و(المُخبر) و(المسيح بعد الصلب). أما توظيفه للديالوج فقد تنقل الشاعر عبره بين أكثر من أسلوب مباشر وغير مباشر. ومن أمثلة ذلك (قالوا لأيوب) و(المومس العمياء) وكثير من قصائد مرحلة المرض والاحتضار.
2 ـ استفادته من طاقة الرمز والأسطورة، حيث عمد إلى مزج ما هو أسطوري بما هو واقعي، وهكذا صارت الأسطورة تحور الواقع وتعدله وتحيل إليه، بل غدت أحياناً قناعاً للوقائع والأحداث التي عاصرها الشاعر وأراد أن يغيبها وراء عباءة الأسطورة وحجبها الكثيفة.
وفعل الشيء نفسه في الرمز الأسطوري الذي اتخذه قناعا شخصيا يشف عن ملامحه هو ومعاناته في الواقع وحتى مراحل مرضه المزمن. وقد وضع السياب بهذا الصنيع البذرة الأولى لتطور قصيدة القناع كإحدى الوسائل الدرامية الهامة التي دخلت في تشكيل بنية القصيدة المعاصرة وشاعت من بعده عند العديد من الشعراء (المسيح + أيوب).
لقد اغتنت قصائد السياب الناضجة بحركية الرمز، والدال الأسطوري، لتشكل هالتها الجمالية ومتواليات معانيها.
فالأساطير والرموز والسير الشعبية في هذه القصائد، ليست زخرفا إبداعيا، أو لعبة لفظية، بل هي مادة النسيج وجينات جماليته في آن معا.
لقد تمثل السياب عناصر الدراما في الأساطير والملاحم العراقية القديمة، كما تمثلها من حياته الشخصية، واشتقها من تجربته في الألم والأذى والقطيعة السياسية والإيديولوجية.
وإذا كان استخدام السياب لعناصر الدراما كثيرة في شعره “الأسطوري” فإننا سنكتفي هنا بالإشارة إلى قصيدته (مدينة بلا مطر)، وهي التموزية الأولى، حيث يحدد مسرح الصراع المكاني فيها بين عالمين متدرجا بما يشيعه من جو التوتر في مستهل القصيدة، ثم وهو يحرك الأشخاص، كبعث الموتى، ومواكب رجال بابل، وتجمعات العذارى في المعابد، ومسيرة الأطفال في الشوارع، وهو، هنا يفيد من عنصر (المجاميع)، أو (تحريك المجاميع) في الدراما. كما يفيد من “المشهد” فيجيد رسمه ليفجر من خلاله الموقف، بما يحيط قصيدته من مظاهر الطبيعة، كما يستخدم الكورس، وفي إجادته لاستخدام الأناشيد (أناشيد الجوقة) في وصف الأحداث، كالحوار بين الأطفال وآبائهم، حتى يتوصل أو يوصل القصيدة إلى عنصر “التوقع” في التغيير، ثم الذروة: “لنعلم أن بابل سوف تغسل من خطاياها!”.
3 ـ انفتاح العديد من القصائد السيابية على فضاءات أجناسية مختلفة وهو ما نلمسه مثلا في قصائده الحكائية (قصيدة الحكاية) بأنماطها المختلفة، كحكاية الأحداث التاريخية (إرم ذات العماد) وحكاية الشخصيات التاريخية /الدينية (قالوا لأيوب ـ سفر أيوب) والحكاية الأسطورية (سربروس في بابل). حيث نلاحظ عناية خاصة بتوظيف العديد من العناصر السردية (الراوي ـ الحوار ـ الحدث ـ الشخصية ـ تعدد الأصوات ـ الأبعاد الزمانية/المكانية ـ فلاش باك ـ القناع…). ومن النماذج المبكرة لهذا الانفتاح الأجناسي ما نجده في قصيدته (نهاية) التي أفاد فيها من الحوار بنوعيه (الخارجي /الداخلي)، وتوظيفه للتداعي والسرد والقطع، حيث تضافرت هذه العناصر السردية للتعبير عن موقف عاطفي خاص بالأنا الغنائي.
أما مطولاته الشعرية الثلاث التي تعد تنويعات على نغم واحد ومضامين لموضوع متكرر، فالقاسم المشترك بينها هو الصراع من أجل الحياة وضد أعدائها، صراع من أجل الوجود في الشكل الخارجي إلا أنه اجتماعي في جوهره، يعكس وعي السياب السياسي آنذاك حيث استحوذت على فكر الشاعر طيلة فترة الخمسينات “تيمة” الإنسان المنسحق المحاط بقوى غادرة مُحبطة لنضاله.
لقد استعارت هذه المطولات البناء القصصي حيث نتلمس فيها بعدا زمانيا ومكانيا إلى جانب الحدث، كما يتخللها الحوار المتبادل أو المونولوج الذي يعد حورا داخليا في نفس الشخصية، هذا إضافة إلى الوصف الخارجي الذي يتناهى في الدقة حتى ليتمثل المتلقي أحيانا جو الحدث بشكل مجسد.
فقصيدة (حفار القبور) جاءت زاخرة بالتوترات النفسية الحادة والمونولوجات الداخلية الثرية التي تعكس إحكام الموقف الذي خلقه الشاعر ورمز من ورائه إلى إدانة طبقة بأكملها تعيش على موت الشعوب، وقد تميزت باعتمادها السرد وإيراد التفاصيل الجزئية في حياة الحفار لكي يركب الشاعر منها الصورة العامة.
أما في (المومس العمياء)، التي تنطوي على معنى “المأساة الاجتماعية” التي جعلت من المرأة “مومسا” بسبب من التحكم الإقطاعي والقهر الاجتماعي الذي يرافقه، فهي أقرب إلى البناء الملحمي، ففيها شخصية أو شخصيات محددة ذات أبعاد وماض وعلاقات واضحة وأسماء أيضا. كما نجد فيها نموا دراميا مشتركا يتم بخلق الشخصيات المتضادة لتلقي الأضواء على الفكرة الأساس التي يريد توصيلها.
لقد كانت القصيدتان، بشكل عام تقومان على أسلوب “الحكاية” لكن الحكاية في “حفار القبور” تعتمد التسلسل الزمني من دون أن تؤثر عليها “مونولوجات” الحفار الطويلة، في حين اعتمدت “المومس العمياء” على رسم المشهد بتفاصيل دقيقة تمهيدا لدخول “الممثلة” (وهي هنا المومس العمياء) التي تأخذ برواية تحولها من دون أن تكون هذه الرواية متصلة الزمن، إذ تعتمد التداعي، والاسترجاع / فلاش باك، والانتقالات الشعورية المفاجئة، وربط المدرك الحسي بالمدرك الذهني، إلى غير تلك من عناصر السرد القصصي.
إضافة إلى ما ذكر فقد انطوت هذه المطولات الشعرية على العديد من المزايا الدرامية حيث استثمر فيها الشاعر ما أتيح له من عناصر مستمدة من أجناس أخرى (الطابع القصصي ـ الشخصيات ـ عنصر المفارقة ـ الصراع ـ الأحداث ـ الحوار ـ المونولوجات ـ حشد من الشخصيات التراثية المتعددة المصادر ـ التناص ـ تعدد الأصوات…).
4 – توظيفه لإحدى التقنيات السينمائية (المونتاج) في تركيب الصورة الكلية، إذ يقوم على جمع الصورة الصغيرة (اللقطات) عن طريق واو العطف التي عرفت بـ (واو السياب) [الواو دلالة على نهاية اللقطة وبداية اللقطة الجديدة]، وربط اللقطات مع بعضها لتكون مقطعا. ومن المقاطع تتألف المشاهد، وتسلسل هذه المشاهد وتأطيرها داخل آلية العطف، يجسد لنا في النهاية ما يشبه الشريط السينمائي مقترنا بدلالة صوتية ونفسية وفنية، ولعل هذا الأسلوب، وعلى ضوء ما سلف، قد استخدم في قصيدة شاعرنا “في السوق القديم”.
ففي مقطعها الأول يقول:
“الليل، والسوق القديم” صورة ثنائية حيث يستثمر النص الدلالة الزمنية (الليل) بمزجها مع الدلالة المكانية (سوق قديم) لتشكل لدينا صورة ثنائية الأبعاد. فتصوير السوق تهيئة عن طريق تحديد ملامحه وظرفيته، أي أبعاد السوق المكانية ووقت التصوير.
ولأجل إضفاء معطيات الصورة/ الصوت، يحاول الشاعر أن يستثمر العناصر الصوتية واللونية داخل معطيات اللقطة:
“خفتت به الأصوات إلا غمغمات العابرين
وخطى الغريب وما تبث الريح من نغم حزين
في ذلك الليل البهيم”.
فـ (الليل) دلالة ظرفية لونية، اجتمعت مع صفة جديدة من صفات اللون (بهيم) لتكون صفة الليل أكثر دلالة داخل معطيات الصورة السوقية.
فلعبة الصورة/الصوت، كما يظهر، هي أحد العناصر التي اعتمدها الشاعر في تشييد شريطه الشعري، فضلا عن اقتران هذه الصورة بماهيات اللون وحساسيته، وعند محاولة جمع هذه اللقطات يتشكل لنا في النهاية شريط شعري خاص.
وكانت هذه التقنية الفنية في البناء مقدمة لبناء وتشكيل قصائده الشعرية بعد ذلك بهذه الطريقة الرائعة. ومن أروع النماذج في هذا المجال قصيدته “المومس العمياء” حيث أبدع في بنائها وتركيبها مستعيناً بالذكريات والمونولوجات، فكان أن أبدع دراما واقعية تقوم على علل سردية وترمز لأمة مستلبة.
لقد تمكن السياب من التفاعل الخلاق مع شتى معطيات الأجناس الأدبية فحقق لمدونته الشعرية درجة عالية من الغنى الجمالي والامتلاء الدلالي.
إن ما أحدثه السياب من فتح جليل في هذا المجال، وما أرساه من قيم فنية ومقترحات تجديدية، يعتبر مساهمة مؤثرة بالغة القيمة فتحت آفاقا جديدة للشاعر العربي وللقصيدة العربية المعاصرة، ولعل أية مقارنة بين استخدامه لهذه الأساليب واستخدام غيره ممن جايلوه، أو جاءوا بعده من جيل الستينات تظهر بصماته بجلاء، وتحيلنا على الرافد السيابي ودوره الأصيل في التجديد الشعري.
لقد كان من الطبيعي أن تشهد حركة الحداثة الشعرية العربية المتوازنة ـ بعد الريادة الفنية للسياب ـ تجارب وخبرات شعرية بالغة الأهمية، على أيدي جماعة ممتازة من شعراء الجيلين السالفي الذكر، هؤلاء الذين أسهموا إسهاماً مرموقاً في تطوير الحركة الشعرية المعاصرة، ورسم آفاقها الشيقة الواسعة؛ دون إغفالنا الإشارة هنا إلى ما يميز، بالطبع، كل واحد منهم عن نظرائه، بحكم اختلاف الثقافة والرؤية والتوجه بينهم، وبحكم درجة التجريب والمغامرة في عالم القصيدة لدى كل منهم، فكان لكل واحد منهم صوته الشعري المميز وفرادته وآفاقه وأثره الخاص في تجربة الحداثة الشعرية.
ونحن إذا ما تأملنا منجزات هؤلاء الشعراء، فإن ما يلفت انتباهنا أكثر أن أنضج ما أبدعوه ومثل قمة تطورهم الشعري وأهلهم لأن يشغلوا هذه الأهمية الكبيرة في شعرنا المعاصر، هو ما طرأ على قصائدهم الشعرية من تنويع وتلوين في عناصر الأداء وأشكاله، وما تجلى في ارتباطها الوثيق بالعديد من العناصر الدرامية، حيث عمدوا إلى إغنائها عن طريق الاستفادة من تداخل الأجناس الأدبية، كتداخل الشعر بالرواية، بالسينما، بتعدد الأصوات وبالابتعاد الطاغي عن الذاتية، واستعمال الحوار الداخلي الذي يصور صراع النفس وتقلباتها، واستخدام شكل الحوار المسرحي، والإفادة من عناصر الحكاية أو القصة، وتوظيف الصراع الدرامي بالاستفادة من خبرات المونتاج والتقطيع السينمائي، إلى ذلك التنوع الإيقاعي داخل القصيدة الواحدة، والانتقال بين الأزمنة والأمكنة واستخدام الأقنعة والإحالات إلى شتى الموروثات.
إن هذه القصائد اختارت الطريق الدرامي وقادت شاعرها للسير فيه، لكن ليس أي شاعر، إنما الشاعر الذي امتلك “المقدرة على التشكيل، مع المقدرة على الموسيقى” كما كتب صلاح عبد الصبور، وهذا لا يتأتى إلا بعد مسيرة طويلة مبنية على الخبرة والتجريب وتلمس الطرق الوعرة للإمساك بعالم الخصوصية والإبداع العظيم.
ولعل ميل هؤلاء المبدعين المهرة إلى هذه الأشكال الفنية المركبة، يتساوق مع تعقد التجارب الذاتية والموضوعية وتشابكها وتعدد أبعادها، وهو ما دفع الشاعر، كما قلنا، إلى استغلاله لشتى العناصر الدرامية في بناء قصيدته/قصائده، لما يتيحه ذلك من إمكانيات التعبير الأفضل عن صراعه مع نفسه وتناقضاتها، ومع القوى المحيطة به، وهو في كل هذا يشكل أحد أطراف الصراع.
على ضوء كل ما سبق، وإضافة إلى ما ألمحنا إليه من توظيف لبعض العناصر الدرامية عند السياب، سنسعى لرصد أهم الملامح الدرامية عند الشاعر صلاح عبد الصبور باعتباره واحداً من كبار صناع الشعرية العربية المعاصرة. فقد حقق لمنجزاته الشعرية السامقة درجة عالية من درجات النضج والاتزان، وكرس بكثير من الجهد والعناء والعمق العديد من القيم الفنية، وساهم مساهمة جليلة في استحداث أشكال شعرية جديدة، وقدم العديد من الطروحات النظرية في الثقافة والنقد والإبداع.
ـ 3 ـ
صلاح عبد الصبور شاعر درامي بامتياز. اتخذت معظم قصائده ذات الطبيعة الغنائية منحى دراميا منذ ديوانه الأول “الناس في بلادي”، حيث اعتمدت في بنائها على العديد من العناصر الدرامية، من حوار داخلي وخارجي، وأسلوب للقص أو الحكي، ومفارقة تصويرية وتوتر وصراع وتعدد للأصوات واستخدام لأكثر من إيقاع موسيقي داخل القصيدة الواحدة، وتوظيف للجدل بين القديم والمعاصر حين استدعائها لأصوات الماضي ومواجهتها بقدر الإنسان العصري ومشاكله، وغيرها من الأدوات والأساليب الدرامية التي أغنت متونه الشعرية ومنحتها آفاقا رحبة وحرية أكبر لإبراز صراعه مع الذوات المحيطة به أو صراعه مع ذاته، والتعبير عن روح عصره، كما سعت بهذه المتون إلى الوصول إلى الغنائية الفكرية، والاقتراب من أرقى مستويات التعبير وهو مستوى التعبير الدرامي.
من هنا لا أرى – عكس ما يراه بعض الباحثين – أي تناقض هنا بين الغنائية والدرامية، أو كون إحداهما تلغي الأخرى بل تؤازرها وتقويها. حيث يمكن القول بأن صلاح عبد الصبور بدأ شاعرا غنائيا ودراميا في الآن نفسه، وقد ترافقت هاتان النزعتان عبر مسيرته الشعرية، بل إن الصوت الغنائي قد ظهر جليا في مسرحياته الشعرية، من أجل هذا أجد أن الارتباط كان قويا بين قصائده وبين مسرحه الشعري. وقد شعر هو نفسه بهذا عندما تردد بين كتابة مسرحية “مسافر ليل” في صورة قصيدة أم في صورة مسرحية. ولا شك عندي أن قصيدة مثل “حكاية المغني الحزين” كان يمكن أن تأتي في قالب مسرحي. وعلى هذا النحو نستطيع التأكيد أن ليس في شعر صلاح عبد الصبور قصيدة غنائية خالصة أو درامية تامة، بل إن الشاعر قد سعى إلى خلق القصيدة التي تندمج فيها الغنائية بالدرامية، بحيث يصعب الفصل والتمييز بينهما. خاصة إذا علمنا أن الغنائية عند شاعرنا لم تهرب من واقع الحياة لتتغنى بآلامها وأحزانها وتتأوه بصرخاتها الذاتية المنطوية، بل، على العكس، أصبحت – في أغلب قصائده – تحمل صوت الشاعر وموقفه من الحياة والوجود، هذا الصوت الذي يطغى على الأصوات الأخرى ويدير الحوار والصراع ويتخذ المونولوج الداخلي والتداعي والارتداد في سبيل خلق هذا الموقف، ثم إن عبد الصبور بالذات هو شاعر متأمل مفكر اتخذ من القصيدة شكلا فنيا لتجسيد هذا التأمل وتصوير الأفكار.
من اعمال صلاح عبد الصبور
إن شعر صلاح عبد الصبور يكشف لنا عن اتجاهه إلى المواءمة بين تجربته بأبعادها وتشابك أطرافها واغتنائه بعناصر درامية قادرة على استيعاب أبعاد هذه التجربة وتجسيدها ونقلها إلى ذهن المتلقي، حتى أصبحت هذه الطريقة واقعا ملموسا ملازما له. حيث نجد، على سبيل المثال فقط، أن الحوار، كعنصر من عناصر الدراما، يشكل في كثير من قصائده جزءا مهما من بنائها: مثل “رحلة في الليل” و”الحزن” و”رسالة إلى صديقة” و”أغنية خضراء” و”مذكرات الصوفي بشر الحافي”، بل نقف على قصائد مبنية كلها على الحوار مثل: “الموت بينهما” حيث ينتظم هذا العنصر القصيدة بأكملها ليحقق لها النمو والتطور، وليبرز الشاعر من خلاله ما يعانيه الإنسان من قلق وآلام نفسية في هذه الحياة. وفيها يدور الحوار بين صوت الحق الذي يمثله “صوت عظيم” والذي يرمز إلى الجانب الإيجابي ويحمل كل معاني الخير والعطاء، وبين صوت الإنسان الذي يمثله “صوت واهن” ويرمز إلى السلب ومعاني التقصير والسقوط، والتفريط في المسؤولية تجاه خالقه.
لقد كان صوت الشاعر، في القصائد السالفة، جليا يدير الحوار وهو جزء منه. كما نلاحظ تعددا للأصوات إلى جانب صوت الشاعر في “مذكرات الملك عجيب بن الخصيب” و”4 أصوات ليلية للمدينة المتألمة”.
أما الملمح الآخر الذي اعتمده الشاعر في بناء شعره الغنائي فهو أسلوب القص الدرامي، الذي اتخذ منه وسيلة للتعبير عن أفكاره وعواطفه بطريقة موحية مؤثرة، موظفا العديد من إمكانيات القصة سواء في قصائده القصيرة أو في قصائده الطويلة. إن استخدام الأسلوب القصصي الدرامي يقتصر على الإشارات السريعة، واللمحة الخاطفة المشحونة بالإيحاء والتأثير، وهي في هذه الحالة وسيلة تعبيرية درامية تساعد على نمو الفكرة والعاطفة وذلك من خلال النقل السريع لحركة هذه الفكرة أو العاطفة، حيث لا يحرص الشاعر فيها على تلك التفاصيل التي يحرص عليها القصاص أو الروائي.
لقد كان شاعرنا على وعي تام بأهمية هذا الأسلوب، وذلك حين اكتفى في قصائده الدرامية، التي تستخدم أسلوب القص الدرامي، بالجزئيات الجوهرية، ولم يتورط في التفاصيل التي لا تخدم موضوع قصيدته، ولا تحقق لها النمو والتكامل.
وقد تجلى هذا الأسلوب الدرامي في العديد من قصائد دواوينه كلها، نشير هنا فقط إلى بعضها مثل: “أبي” و”شنق زهران” و”السلام” و”العائد” و”موت فلاح” و”أحلام الفارس القديم” و”مرثية رجل تافه” و”مرثية صديق كان يضحك كثيرا” و”إجمال القصة” و”عندما أوغل السندباد وعاد” وهذه القصيدة هي آخر ما نشر في حياته، وظف الشاعر فيها كل الإمكانيات الفنية الحديثة التي دخلت القصة من حيث المزج بين الارتداد والتداعي والمونولوج الداخلي والخروج على التسلسل الزمني للحدث القصصي والمراوحة بين الماضي والحاضر، وبروز صوت الشاعر بين آونة وأخرى متخذا دور الراوي، ومعلقا على بعض الأحداث بعد أن يوقف حركتها، مستخدما كل طاقات البناء الدرامي ومعتمدا على الصور والموسيقى في خلق التناقض والتقابل، والحركة والنمو. لقد جاءت هذه القصيدة ملخصة تجارب الشاعر ورحلاته السابقة، ولهذا بدأ المقطع الأول محاطا بنقاط توحي بارتباط التجربة بمثيلاتها السابقة، فاتحا أمام القارئ عالما واسعا من الايحاءات والرؤى:
… كل شيء تجلى له وتكشف…
أما العنصر الآخر فهو استغلال الشاعر لتقنية تعدد الأصوات، وهو أحد العناصر الدرامية في بناء القصيدة عند شاعرنا والذي يحقق لها الموضوعية وعمق التأثير. وقد تجسدت هذه التقنية في أشكال عديدة من أبرزها تعدد الشخصيات وتعدد الأوزان والنغمات وذلك من خلال توظيف الشاعر للشخصية/ الشخصيات أداة لتجسيد تجربته، وتوفير المعادل الموضوعي لها، حيث يتخذ من هذه الشخصيات قناعا/أقنعة يبث من خلالها ما يدور بخلده من عواطف وأفكار، بعد أن يمنح هذه الشخصيات وجودا مستقلا عن ذاته بقصد تحقيق الموضوعية والدرامية لقصيدته. وهذه الشخصيات التي يستدعيها الشاعر، قد تكون شخصيات تراثية معروفة بدلالتها التي اشتهرت بها في الماضي، وقد تكون شخصيات من خلق خيال الشاعر تظل باقية في ذهن المتلقي، مما يكسب هذا الأسلوب أثرا عميقا في النفس.
وقد كانت قصائد “القناع” التي صاغ الشاعر مواقفه من خلالها، مدخلا قريبا للشاعر إلى عالم المسرح الشعري، ومن أمثلة ذلك: “مذكرات الملك عجيب بن الخصيب” و”مذكرات الصوفي بشر الحافي”. كما أن هناك شخصيات أخرى شغف بها في قصائده الغنائية ظهرت بعض ملامحها في مسرحياته الشعرية، كشخصية “القديس” في قصيدته الطويلة “أقول لكم” وشخصية الصوفي أبو نصر بشر بن الحارث في قصيدته “مذكرات الصوفي بشر الحافي” وشخصية زهران في قصيدته “شنق زهران” وشخصية الشيخ محيي الدين في قصيدته “رسالة إلى صديقة”.
أما استخدام الشاعر لتقنية تعدد الأصوات فتجلى في عدة قصائد منها: “رحلة في الليل” حيث جسد لنا معاناة الشاعر المعاصر، وثقل مهامه ومسؤولياته وتعقيد تجربته، وموقف المتلقي اللامبالي، مستغلا شخصية “السندباد” ليجعل منها معادلا موضوعيا، يعبر من خلالها عن مغامراته الخاصة في سبيل البحث عن الكلمة الشاعرة بين غابات الأحاسيس معانيا من أهوال التجربة، ليعود إلى “الندمان” بكنزه الثمين، وهي كلمة الشاعر. لقد تمكن الشاعر من خلال تعدد الشخصيات في هذا النص، باعتباره صورة لتعدد الأصوات، من إبراز معاناة المبدع المعاصر في نقل تجربته وموقفه الايجابي في الحياة، وتناقضه مع الموقف السلبي للمتلقين. لقد كانت هذه القصيدة، بحق، محاولة جادة لخلق تركيبة درامية، ومن ثم النهوض بالشعر إلى مستوى الفن الدرامي واحتواء عناصره في القصيدة الطويلة مستعينا بفنون القصة والمسرحية مثل تعدد الأصوات والصراع والحوار وتقسيم القصيدة إلى مجموعة من المقاطع يحمل كل منها عنوانا مستقلا.
وفي “الشمس والمرأة” نجد قصيدة مصوغة ليؤديها صوتان أو ممثلان أو راويان. فهناك بطلتان هما الشمس الغاربة والمرأة العجوز. والقصيدة مثال على فلسفة صلاح عبد الصبور في دواوينه الأخيرة، حيث يغلب عليها التشاؤم أو الإحساس بأن قدر الإنسان محكوم عليه بالفناء والفساد والضياع، فالشمس هنا تشيخ ولكنها تعود إلى الحياة شابة من جديد، تغتسل في ماء البحر ثم تعود شابة مرخاة الذوائب، أما الإنسان فإنه يشيخ ولا تبقى له إلا الذكريات ثم ينطوي انطواء تاما أبديا.
أما في “مذكرات الملك عجيب بن الخصيب” فاستخدم شاعرنا عنصر الموسيقى في التعبير عن تعدد الأصوات في القصيدة، باعتباره عنصرا هاما ورئيسيا في قصيدة التفعيلة، حيث عمد إلى التحول من وزن إلى آخر ليوافق بين حركة الوزن وطاقة الانفعال. وبذلك سخر الشاعر هذا العنصر ليضيف بعدا جديدا لتجربته من جهة، وليؤدي به مهمة درامية من جهة أخرى. وقد سبق أن درسنا هذه القصيدة من هذه الزاوية في فصل خاص بالشاعر في كتابنا “حركية الإيقاع في الشعر العربي المعاصر”.
لقد أبانت متون شاعرنا صلاح عبد الصبور باعتمادها واستثمارها العناصر السالفة عن نضجها المبكر وقدراتها الفنية، وتجديدها المعبر عن حوافز ملحة تقتضيها التجربة، كما حققت أكثر من قيمة فنية وموضوعية منها، على سبيل المثال، اعتمادها في بناء القصيدة على أكثر من صوت، وبهذا تخلصت، في معظمها، من الرتابة والملل وانتقلت إلى عالم شعري ضاج بالحيوية والأنغام المتعددة التي تم تركيبها بطريقة فنية تجعل منها أقرب إلى السمفونية المتعددة الألحان منها إلى اللحن المتكرر الممل. كما أنها اقتربت، بأصواتها المتضادة غالبا، خطوات من الدراما، بحيث تحتاج هذه الأخيرة إلى الحوار بدلا من المونولوج، احتياجها إلى رسم الشخصية الإنسانية وتصويرها بصدق وأمانة، وليس من الإبداع الصادق الأمين أن نتصور الإنسان بلا قلق ولا تمزق ولا حيرة. وكلما اعترف المبدع بالقلق الإنساني، واعترف بتعدد الأصوات في النفس البشرية إلا واستطاع بذلك أن يقترب من الفن الأصيل الرفيع.
إن بناء القصيدة على أكثر من صوت واحد – كما تفصح عن نفسها نماذج غير قليلة من قصائد شاعرنا – يعتبر من الناحية الموضوعية درجة عليا من درجات الفهم للتجارب الإنسانية بكل تناقضاتها وتضادها وتساوقها، وهذه الدرجة العالية من الفهم تحمي المبدع من رؤية السطوح الخارجية للتجارب والاكتفاء بها، وتحميه من التعبير المباشر عن قضاياه.
لقد شاع هذا المنحى الدرامي في متونه الشعرية القصيرة مما يشي بأن وصف القصيدة القصيرة بأنها غنائية بطبيعتها قد لا يكون حكما مطلقا، كما ساد قصائده الطويلة التي اكتسبت صفة البنية الدرامية المتكاملة.
بقلم: د. حسن الغُرفي