رحيل محمد جبران.. آخر الأدباء البوهيميين

فارق الأديب المغربي محمد جبران الحياة أول أمس عن سن يناهز الستين بعد معاناة من المرض العضال.
ويعد الفقيد من بين أبرز المبدعين المغاربة في مجال القصة القصيرة، حيث خلف بهذا الخصوص إصدارين: “عيوب البطل” و”دم السلالة”. عمل في الصحافة، حيث كان اهتمامه مركزا على نقد مختلف الشؤون الثقافية. فضلا عن ذلك فقد كانت له إسهامات عديدة في مجال المسرح.
وبالنظر إلى تمرده على الأعراف وصراحته القاسية التي كان يواجه بها الوسط الثقافي، اعتبره البعض بوهيميا، وقد ظل محافظا على طبعه هذا إلى أن فارق الحياة.
عن بداية علاقته بالكتابة، قال في أحد حواراته إنها “هي بدايات الميت وهو يكتشف على مهل حقيقة معنى طين ترابه السادر في الحياة، لم تكن علاقة بالمعنى التعاقدي، ولا هبة امتياز كشوفات عوالم بكر، بل علاقة مبتورة من جانب واحد، تستسهل الاحتواء إلى حد الامتلاك الموهوم وفق سرعة لا متناهية، شأن غرير يطوح بعضه ببعضه في سطح ماء الكتابة وهو في غفلة من أسرار تياراتها الداخلية العنيفة ومن عمق أغوارها القاتلة”.
كان كاتبا عصاميا، غير أنه اجتهد في تثقيف نفسه والرقي بمستواه الثقافي، سواء من خلال انفتاحه على ما جد في الإنتاج الثقافي والأدبي، أو من خلال احتكاكه بالعديد من المثقفين والمبدعين، وكان عضوا في اتحاد كتاب المغرب. يقول بخصوص عصاميته إنه ” لم أتسلق كراسي الطباشير ولا مواعيد التلقي والبحوث في يوميات الدرس، بل محصلة لدم الرصيف ودلال التربية ومذاقات طعم الحلوى المرة في الفم. العلاقة التي لدي بمرجعياتي، علاقة التباس ومحو، وشموس تطلع من ملايين الراوايات والقصص والأشعار المنسية وأرواح تشد أزر فضاءات بكر، مأهولة بالدهشة والخراب”.
وعلى إثر رحيله نعاه أحد أصدقائه المقربين عبد الرحيم التوراني بالقول: “لزمت الفراش، والكرسي المتحرك..
إلى أن وصلت إلى القبر. أنت الذي قلت لنا مرة: (أمام البشرية مسيرة طويلة للوصول إلى القبر).
هي مسيرة عصية على القياس، وهي سيرة مختلفة عشتها بحب وجنون يا صديق الشغب والعبث والتعب.
كم تعبتَ يا مُحَمَّد وكم أتعبت..
آن لروحك القلقة ولجسدك الفاني أن يستريح.
لن يلفظ الآخرون أنفاسك الأخيرة مكانك مثلما لفظتها أنت بحرارة.. وبرعشة نازفة تمرنت عليها العمر كله، وأنت تمشي مترنحا في القبو العلوي للمدن السفلى.. حتى تسمح لمن لم يفهموا شغبك الجميل أن يغطوا غيابك بالأبيض..
وكنت تكتب بدمك ثم تسارع إلى حذف ومحو ما خطته يداك وتجفف الدم، كأنك تقترف جريمة كاملة، وما من جريمة أكبر سوى الفقر، فالفقر قاتل والفقراء مثلك قاتلون وقتلى..
وكم كتبت وحذفت إلى أن حذفت النهار بالكتابة ونمت.
لم يقتلك الداء الخبيث.. كنت تتألم، لكنك كنت تنسب الألم إلى غيرك.. هم من يتألمون وليس أنت..
ولكنك ستموت من شيء آخر، اسمه الجحود والنسيان أحيانا، والعفاف والشرف أحيانا أخرى..”.
رحم الله الفقيد وإنا لله وإنا إليه راجعون.

Related posts

Top