صورة ماسخة

فرضت لعبة الكوطا التلفزيونية على المشاهدين المغاربة، أثناء نشرة الأخبار المسائية لأول أمس على القناة الأولى، استعادة مشاعر الأسى لرؤية واحد من أكبر المتهمين في انتهاكات سنوات الرصاص يتربع وسط الشاشة وفوق وجوه الجميع، ليتحدث عن … الإصلاح الدستوري.
يا الله، من يصر على جعل مشهدنا كله ماسخا إلى هذا الحد؟ ومن يريدنا أن نكون نحن أيضا ماسخين ونتلذذ بالمسخ؟ وكما لو أننا جميعا بتنا بلا ذاكرة، فقد أصر من تعرف عليه الكثيرون في الزنازن والأقبية أن يجعلنا نحس بسخافة اللحظة، وأخرج عينيه في الوجوه كلها، وقال بأنه يريد أكثر من حصة الآخرين، لأنه يود الكلام في العمق، ولا يحب مخاطبة الفراغ…
هل تعب السيد من عطالته، وحن لزمن الوظيفة، حين لم يكن يخاطب أحدا عبر التلفزيون، بل بواسطة أشياء أخرى وكلمات من معجم الوقت؟؟؟
الصورة قاسية على المكلومين وعلى ذاكرة الوطن وعلى أفق الناس.
ما كنت أود أن أضع بجانب هذه الصورة الباعثة على المسخ، صورة أخرى كانت جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس المستشارين لهذا الأسبوع مسرحا لها، لكن هو المسخ ذاته يتدثر بلغة هذا الوقت و… بتخراج العينين..
رئيس الفريق الوافد يرفع ملئ الصراخ مظلمته حول الحرمان من…مجالسة مصطفى العلوي في برنامج «حوار»…
رب اجعل هذا البلد آمنا من أمثال هؤلاء.
الشخص عينه – ولقد عرفتموه بلاشك – يسأل عمن يتحكم في الإعلام العمومي، فهل فهمتم شيئا؟؟
وحتى لو أعدنا الهم كله إلى الكوطا نفسها التي فرضت علينا المومأ إليه أعلاه، فإن صاحبنا البارع في الصراخ كان عليه أن يدور على نفسه ويسأل الحكماء المشتركين معه في ذات المسكن الحزبي، وبعدها يستجمع شجاعته كاملة غير منقوصة، ويجيب عن السؤال:
من أصاب إعلامنا العمومي إذن  بكل هذا المسخ؟ ومن رفعت صوره  مقرونة بالاسم وبشعار الرحيل في المسيرات والوقفات؟
محزن حقا اقتران صورة بلاتو زنقة دار البريهي بصورة قاعة الغرفة الثانية بشارع محمد الخامس، لكنه الإصرار على المسخ وحد المشهدين وحولهما إلى صورة واحدة باهت لونها ووحده لسان ماسخ يتسرب من داخل التجاعيد السياسية ليبزق علينا كلنا برديء القول وبالكذب.
إن إصلاح وتأهيل إعلامنا العمومي، السمعي البصري منه بالخصوص، يتطلب أن ترحل عنه الرداءة ولوبيات الخفاء التي يعرفها الجميع، ونجعله إعلاما يتكلم لغة وقته وبلسان أهل المهنة والاختصاص.
وإن تأهيل حياتنا السياسية والحزبية وإعادة الثقة لشعبنا يفرض أن تخرج رموز الأقبية من وقتنا ومن صورتنا.
المغاربة ليسوا ماسخين حتى يعم المسخ صورتهم التلفزيونية ومشهدهم السياسي والبرلماني.

Top