عام تونس

مضى عام على الثورة التونسية، وعلى هروب بنعلي المقيم اليوم لاجئا في العربية السعودية، وفي مناسبة الذكرى احتفل التونسيون بالنصر..
لم تقتصر الاحتفالات في تونس على الجانب الرسمي والمؤسساتي، فقد شهد شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة تجمهر آلاف التونسيين، احتفالا بالمكان وبالدلالة وإحياء ل (لحظة ارحل)… من تونس كانت البداية، ومن سيدي بوزيد وابنها محمد البوعزيزي كان المنطلق، وكان أيضا التأسيس لتحولات مجتمعية كبرى انطلقت بكلمة سحرية هي ( ارحل )، وهي التي تحولت فيما بعد إلى شعار مركزي للربيع الديمقراطي الذي خرجت الشعوب العربية تطالب به.
لقد تحققت أشياء كثيرة في تونس، ومن دون شك برز الكثير من القلق أيضا، لكنه بلد بأكمله يلج اليوم مرحلة تاريخية جديدة ومختلفة عن السابق، وتتجه إليه كل الأنظار، ولهذا فالتحدي الرئيسي أمامه هو تثبيت الاستقرار،  وتشغيل الديناميات الاقتصادية والإدارية والمؤسساتية، وتمتين الثقة الشعبية في المستقبل وفي الزمن الجديد.
لقد انتصرت تونس عندما لم نشاهد الجيش يقتل الناس في الشوارع، أو يمارس الحكم بدل السياسيين…
لقد انتصرت تونس عندما أصر شبابها ونساؤها و…شعبها على الخروج كل مرة إلى الشارع للتنبيه وللاحتجاج وللغضب…
لقد انتصرت تونس عندما أكدت وجود مثقفين وفنانين وإعلاميين ونشطاء حقوقيين ونقابيين لم يسقطوا فريسة التدجين، وطبقة وسطى رغم كل الضربات وتجليات الضعف بقيت حية وتقاوم…
لقد انتصرت تونس بتنظيم انتخابات وإقامة مجلس تأسيسي وانتخاب الرئاسات المطلوبة لسير الدولة والمؤسسات، وبعودة المنفيين والإفراج عن المعتقلين السياسيين، وبإلغاء جهاز البوليس السياسي وإطلاق حرية تأسيس الأحزاب وتشكيل تحالفات هدفها استقرار البلد والنهوض به.
ولقد انتصرت تونس أيضا في إطلاق دينامية التغيير في بلدان عربية أخرى، حيث سقط نظام القذافي، ونظام مبارك، ويوجد نظام علي عبد الله صالح في هاوية السقوط، كما يقترب نظام بشار الأسد من ذات الهاوية، وصارت  كلمة (ارحل) شعارا عربيا جماعيا من أجل التغيير والديمقراطية والكرامة وحقوق الإنسان.
من تونس وصلنا الخبر اليقين، بأن كل أنظمة التحكم والقمع والحزب الأغلبي مآلها الفشل، ولن تقود بلدانها إلا إلى المآسي، مهما طال أمد تحكمها..
ومن تونس نتأكد اليوم كذلك أن التغيير السياسي يجب أن يقترن بتلبية المطالب الاجتماعية والاقتصادية للناس، وبتحقيق الكرامة وتحسين مستوى العيش، حتى تتقوى الثقة في الديمقراطية، وحينها سيتعبأ الشعب تلقائيا لحمايتها.
التونسيون اليوم يصرون على انتصار ثورتهم، لكنهم يخرجون إلى الشارع للمطالبة بإصلاحات اجتماعية واقتصادية، وللدفاع عن المساواة بين الجنسين، وعن تمتين الانفتاح والتسامح داخل المجتمع، وعن احترام الحريات الفردية وحرية التعبير والإبداع.
إنها دروس  من تونس، وعلينا جميعا التمعن في دلالاتها…
ولأشقائنا كل التهنئة والتحية والتقدير..
[email protected]

Top