أكد فريق التقدم والاشتراكية، في تعقيب للنائب أحمد العبادي، في الجلسة الشهرية للأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة الموجهة إلى رئيس الحكومة حول: “الاستراتيجية الاقتصادية العامة في مواجهة التقلبات العالمية” أن العنوان الأبرز للأوضاع الاقتصادية ببلادنا، اليوم، هو غلاء أسعارِ المحروقات وجُلِّ المواد الأساسية. وهو ما يُغرق المقاولة في مزيدٍ من الصعوبات، ويزيد من تفاقم الأوضاع الاجتماعية وتدهور القدرة الشرائية.
واوضح الفريق أن الحكومة تُعَلِّقُ كُلَّ شيءٍ على مِشْجَبِ الظروف الموضوعية، في الوقت الذي بإمكانها التدخل عبر مخطط اقتصادي واضح وإجراءاتٍ لها وقعٌ ملموس على كافة الشرائح، وليس على فئة دون غيرها أو قطاع دون غيره.
وأكد فريق التقدم والاشتراكية أن فئاتٍ واسعة، وخاصة منها الفئات الشعبية والطبقة المتوسطة، تنتظر إجراءاتٍ ملموسة وفعلية، ناجعة ونافذة، تحمي القدرة الشرائية وتنهض بالأوضاع الاجتماعية للجميع، لأن مبرر وجود أيِّ حكومةٍ هو تَــحَمُّلُ مسؤولية الصعوبات، وليس التَّــشَــكّي أو التَّــحول إلى وكالةٍ للأنباء غير السارّة. خاصة إذا كانت هذه الحكومة قد أفرطت في تقديم وعود وردية.
وفي ما يلي تفاصيل نص التعقيب:
السيد الرئيس؛ السيد رئيس الحكومة؛ السيدات والسادة الوزراء؛ السيدات والسادة النواب:
يُسعدني أن أتناول الكلمة، باسم فريق التقدم والاشتراكية، في إطار مناقشة السؤال الاقتصادي. وهو سؤال حارقٌ لا يَنتظر المواطنُ بخصوصه سوى أجوبةً عملية وملموسة.
وفي البداية، لا بُدَّ من تأكيد إشادتنا بالانتصارات المتتالية لديبلوماسية بلادنا، تحت القيادة المتبصرة والحكيمة لجلالة الملك. وهو ما يُكَرِّسُ المكانة المتميزة للمغرب إقليميًّا وعالميًّا، ويُــقَرِّبُنا أكثر من الحسم النهائي للنزاع المُفتعل حول قضية وحدتنا الترابية.
ومن أجل النجاح في رفع هذا التحدي وغيره، فإنَّ تمتينَ جبهتنا الداخلية يكتسي أهميةً بالغة. وهو ما يقتضي بناءَ اقتصادٍ وطني قوي قوامِهُ الدورُ الاستراتيجيُّ للدولة، ومِحورُهُ الإنسان، على أساسِ عدالةٍ اجتماعية وديموقراطيةٍ مُرَسَّــخَــة.
هكذا سيظل التقدمُ والاشتراكية واثقاً في هويته الوطنية والديموقراطية، وفي مرجعيته اليسارية، ومُدافعاً عن عموم المغاربة، ولا سيما عن الطبقات الكادحة والفئات المُستضعفة، والتي تَـــئِـــنُّ، اليوم، تحت وطأة غلاء الأسعار وتداعيات الجائحة وتأخر الأمطار وخيبة الأمل إزاء وُعود الحكومة.
السيد رئيس الحكومة؛
من مَوْقِــعِــنَا، كمعارضةٍ وطنية ديموقراطية، بَنَّــاءَة ومسؤولة، نؤكد لكم أنه لا أحد يُجادِلُ في كونِ الظرفية الدولية متقلبة ومُضطربة؛ وأنَّ وتيرة الخروج من آثار الجائحة بطيئة؛ وأنَّ النزاع الروسي الأوكراني أثَّر سلباً على تداوُلِ وأسعار المواد الأولية والطاقية؛ وأنَّ تأخر الأمطار زاد الطين بَــلّــة.
لكن الجِدال، بالنسبة إلينا، يَـــكْــمُــنُ في أنَّ مبرر وجود أيِّ حكومةٍ هو تَــحَمُّلُ مسؤولية الصعوبات، وليس التَّــشَــكّي أو التَّــحَوُّلُ إلى وكالةٍ للأنباء غير السارّة. خاصة إذا كانت هذه الحكومة قد قَــدَّمت وعوداً وردية نَبَّهْنَاكُم إلى إفراطها في التفاؤل. وها هي كلُّ فرضيات القانون المالي صارت في خبر كان. وخاصة إذا تعلق الأمرُ بحكومةٍ تَــنْعَتُ نفسها بأنها حكومةٌ سياسية قوية. ونحن نتمنى أن تكون فعلاً سياسية وقوية وقادرة على ملء الساحة واتخاذ القرارات، وتَحَمُّلِ أعبائها وإقناع الرأي العام.
السيد رئيس الحكومة؛
إنَّ العنوان الأبرز للأوضاع الاقتصادية ببلادنا، اليوم، هو غلاء أسعارِ المحروقات وجُلِّ المواد الأساسية. وهو ما يُغرق المقاولة في مزيدٍ من الصعوباتٍ، ويزيد من تفاقم الأوضاع الاجتماعية وتدهور القدرة الشرائية.
لكن اختلافنا معكم جوهريٌّ. فحكومتكم تُعَلِّقُ كُلَّ شيءٍ على مِشْجَبِ الظروف الموضوعية التي نَــتَفَهَّمُّهَا. لكننا نعتقد أنَّ الحكومة بإمكانها، بل من واجبها، التدخل عبر مخطط اقتصادي واضح وإجراءاتٍ لها وقعٌ ملموس على كافة الشرائح، وليس على فئة دون غيرها أو قطاع دون غيره.
أليس مُفترَضاً في الحكومة أنْ تنأى بنفسها عن تضارب المصالح؛ وأن تتملك الإرادة السياسية لإعادة تشغيل شركة “لا سامير”؟ في وقتٍ صار فيه مخزونُنَا من الغازوال مثلا لا يتجاوز 26 يوماً.
ثُمَّ، ألَمْ يكن جديراً بالحكومة أن تُخفِّــض مؤقتًا من الضرائب على استهلاك المحروقات؟ وأن تفرض تقليص هوامش الربح الفاحش على شركات المحروقات التي تُراكمُ ملايير الدراهم من غير حسٍّ تضامني ومواطناتي ومن دون تقيدٍ بقواعد المنافسة والشفافية؟
أليس في البلاد حائطٌ أقصر من الطبقة الوسطى والأُجراء والمستضعفين والمقاولات الصغرى، ليساهم في أداء تكاليف الظرفية الصعبة؟
أَليس مُــمكناً استعمالُ العائدات الإضافية التي توفرت للميزانية خلال فترة الأزمة هذه، من أجل دعمٍ حقيقي للأسعار المُلتهبة؟
ولماذا لم تلجأ حكومتُكُم إلى تفعيل المادة الرابعة من قانون حرية الأسعار والمنافسة، والتي تُتيح للحكومة إمكانية اتخاذ تدابير مؤقتة ضد الارتفاع الفاحش في الأسعار بسبب الظروف الاستثنائية؟
هذه الأسئلة الحارقة، ومثيلاتها، هي التي تستدعي جوابكم. فـ”الدولة الاجتماعية” كلامٌ كبير، وسياسات، وقرارات، ومعاني عميقة، وليس مجرد شعارٍ للترويج وتلميع الصورة.
“الدولة الاجتماعية” تعني دولةً مُوَجِّــهَة وحامية ومتدخلة واستراتيجية؛ وتعني إجراءاتٍ في اتجاه السيادة والأمن الغذائي والمائي والطاقي والدوائي.
وتعني خدماتٍ عمومية جيدة ومضمونة الولوج. وتعني محاربة الأمية والبطالة، وسُلَّمًا متحركاً للأجور؛ وإعمالاً لدولة القانون في المجال الاقتصادي، وتعني المساواة والعدل أمام الضريبة.
وتعني، أيضا، تعميق المسار الديموقراطي والنهوض بالمساواة والحريات، كأوراشٍ أساسية لا تتطلب ميزانيات.
فهل لدى حكومتكم، السيد الرئيس، ما يكفي ويلزمُ من إرادةٍ لبلورة هذه المفاهيم الفلسفية والسياسية والبرنامجية؟؟؟ نتمنى صادقين أن يكون الأمر كذلك.
وتأكدوا أننا نجهر بهذه المواقف، بشكلٍ مسؤول وبَنَّاء، ونحنُ مُدركون تماماً لدقة الظرفية. فمن واجبنا التنبيه إلى المخاطر والنقائص. ولا نريد للحكومة سوى النجاح، لكي تَخرج بلادُنا من هذه المرحلة قويةً ومتماسكة.
فالحكومة تتوفر على كل الإمكانيات للتحرك ومُباشَرةِ الإصلاحات والقرارات التي يتطلع إليها المجتمع: دستورٌ بصلاحيات واسعة؛ أغلبية مؤسساتية مُريحة؛ وأمامكم نموذجٌ تنموي اتَّخَذَتْموه مرجعاً؛ ولدى بلادنا شُركاء متنوعون؛ وسِلمٌ اجتماعي يتعين الحفاظُ عليه.
ولكن، أمام معاناة المغاربة، واختناق المقاولات، ولهيب الأسعار، ليس مقبولاً أنْ تأتيَ الحكومةُ لتُعَبِّــرَ عن رضاها وارتياحها واطمئنانها، وعن انشراحها لمجرد توفر السلع، دون اهتمامٍ بكُلفتها.
نعم، قُمتم ببعض الإجراءات لفائدة فئاتٍ بعينها، وفي ميادين محددة، سنعتبرها إجراءاتٍ إيجابية على
العموم، وسنتجاوز عن تفاصيل نقائصها وقِــصَــرِ نَفَسِها وضُعف حكامتها والابتذال الذي يشوبُ الترويجَ لها.
والحقيقة المؤسفة هي أنَّ إجراءاتِكم لا تزال معزولةً عن بعضها؛ ولا ترقى إلى حجم صعوبات المرحلة؛ كما ينقصها الاتساق والشمول والرؤية القائمة على مخطط إصلاحي عميق. كما أنها إجراءاتٌ خجولة وفئوية أو قطاعية أو محدودة، ولا تجد لها وقعاً لدى أوسع الشرائح.
السيد رئيس الحكومة؛
إنَّ مواجهة التقلبات الدولية لها سبيلٌ واضحٌ هو بلورة مخطط شاملٍ لإنعاش النسيج الاقتصادي الوطني وتمنيعه ضد الصدمات، ودعم المقاولة المواطِنة، وحماية المنتوج الوطني، والتوجه نحو تصنيعٍ حقيقي يخلق القيمة المضافة، وأيضاً نحو فلاحةٍ تستهدفُ الأمنَ الغذائي وتُراعي مواردنا المائية المُستَنزَفة، مع الاهتمام بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني واعتماد البُعد الإيكولوجي.
كما تستدعي الأوضاعُ إعمال دولة القانون والشفافية في المجال الاقتصادي، ومحاربة الريع والفساد والاحتكار، ومُباشرَة إصلاح ضريبي مُنصف يَمنعُ التملص والغش ويَحُدُّ من الإعفاءات.
ولأنَّ منطق السوق بَرْهَنَ على عدم قدرته، تلقائيا، على تحقيق التنمية ورفاه الإنسان، فإنَّ تطور اقتصادنا الوطني مُرتبطٌ جدلياًّ بمدى قدرة الحكومة وإرادتها في محاربة الهشاشة والفقر، من خلال إعمال آلياتٍ مُنصفة لإعادة توزيع الثروات، وإقرار العدالة الاجتماعية والمجالية.
أخيراً، لا بد من التأكيد على أنَّ فئاتٍ واسعة، وخاصة منها الفئات الشعبية والطبقة المتوسطة، تنتظر إجراءاتٍ ملموسة وفعلية، ناجعة ونافذة، تحمي القدرة الشرائية وتنهض بالأوضاع الاجتماعية للجميع.
نتمنى، إذن، السيد رئيس الحكومة، أن تكونوا في الموعد.
والسلام.
تصوير: رضوان موسى