في أفق تنظيم المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء

 >  إعداد: عبد العالي بركات  

يعد المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء المزمع عقد دورته الثانية والعشرين خلال الفترة الممتدة من الحادي عشر إلى الحادي والعشرين فبراير، أبرز تظاهرة ثقافية ببلادنا؛ بالنظر إلى الإشعاع الدولي الذي تحظى به، ويتجلى ذلك بالخصوص من خلال الحجم الكبير لدور النشر المشاركة والحضور الفاعل للأدباء والمفكرين القادمين من مختلف القارات.
  في هذا الأفق نفرد حيزا لنخبة من مثقفينا ومبدعينا من أجل الحديث عن نظرتهم الخاصة لهذا الملتقى السنوي الكبير، ومقترحاتهم لتقوية الحركة الثقافية ببلادنا.

تقليد ثقافي يجب الدفاع عنه

ــ المعرض يشكل موعدا سنويا جميلا يلتقي فيه الكتاب والناشرون والقراء وهو تقليد ثقافي يجب الدفاع عنه والإستمرار في إحيائه ودعمه ماديا وفكريا. إنه واجهة إعلامية للثقافة المغربية ويساهم بالتعريف بالمغرب الثقافي.
 
هذه أحدث إصداراتي

ــ آخر كتاب صدر لي هو مجموعة قصصية بعنوان “حياة سيئة، نساء سعيدات”، وهي مجموعة تضم ثلاث وثلاثين نصا قصصيا تتنوع مضامينها، القصة الرئيسية تدور حول علاقة حب معقدة بين امرأتين وما يصاحبها من أحاسيس فريدة. القصص الأخرى تتناول الواقع المعيش لفئات اجتماعية كثيرة، مثل المعوقات الذهنية، وما يتعرضن له من استغلال جنسي ومن قهر مجتمعي ينتهي بالبطلة إلى الانتحار مع بناتها. تتناول المجموعة سؤال الإنسان في المجتمع المغربي وكيف يقهر هذا الإنسان تحت مبررات دينية وسياسية واجتماعية. المجموعة تصف حيوات سيئة تسعى فيها النساء إلى السعادة رغم كل شيء، لأن النساء وحدهن قادرات على خلق مساحات للأمل رغم انسداد الأفق الإنساني.

 يجب مراجعة سياسة دعم النشر

ــ هناك سوء تفاهم حقيقي في هذا الأمر، أمر دعم النشر، حين حصلت على دعم وزارة الثقافة لنشر كتابي الأخير اعتقدت أنني سأستفيد من هذا الدعم. ما حدث هو أن الدعم أعطي للناشر ولم أستفد من أي شيء. يجب مراجعة سياسة الدعم، بحيث يستفيد المؤلف وليس فقط دار النشر.

حتى لا يتم تكرار الأسماء الفائزة

ــ أعتقد أنه يجب تطوير آليات جائزة المغرب للكتاب، بحيث تكافئ كتابا وليس مسارا أدبيا، وهذا سيحول دون تكرار الأسماء الفائزة وتمنح فرصة لأصوات جديدة وشباب لكي يفوزوا بالجائزة.

على المثقف المغربي أن يقترب أكثر من الواقع

ــ في نظري يجب تقوية المؤسسات الثقافية الموجودة حاليا وإمدادها بالميزانيات الكافية لتحقيق البرامج والمخططات، كما يجب تشجيع المبادرة الحرة وتأسيس مقاولات ثقافية جديدة بالاعتماد على المال الخاص، ودعم المحتضنين للعمل الثقافي. يجب إعادة الاعتبار للثقافة الشعبية واعتبارها جزءا من الثقافة وموازية للإبداع بصفة عامة. على المثقف المغربي أن يقترب أكثر من الواقع المغربي ويقاربه في أعماله ويطرح تساؤلات الواقع والإنسان العادي. المثقف المغربي يجب أن ينزل من برجه العاجي وأن ينخرط في دينامية الشارع ومطالبه.Sans titre-14

الناقد الأدبي عبد الرحمن التمارة

> فرصة للتفاعل مع منجز ثقافي متنوع ومتعدد:

< يمثل المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء، لحظة ثقافية نوعية في المشهد الثقافي المغربي، لأنه يمنح فرصة للتفاعل مع منجز ثقافي متنوع ومتعدد الأنماط الخطابية والتعبيرية والفكرية، أخرجته دور نشر مغربية وعربية وغربية. كما يعدُّ لحظة إنسانية تمكّن من الالتقاء بمثقفين ومبدعين وكتاب، من مختلف التخصصات في إنتاجهم الفكري والإبداعي، وتفعيل نقاشات بمذاق إنساني خارج منطق التواصل الافتراضي الذي ييسر التفاعل، لكنه يغيب حميمية اللقاء المباشر. فضلا عن ذلك، فالمعرض يعتبر فرصة لقياس حجم التطور الذي يعرفه الإنتاج الثقافي الوطني والذاتي، لكل كاتب ومبدع، في خريطة الإبداع العربي. لكن ما يثير في المعرض الدولي هو تكريسه لمبدأ التكرار الممل في بعض الأسماء التي تشتغل بمنطق الانتماء العشائري والقبلي قصد تحقيق الحضور بكل الطرق الممكنة. لذا، تجد مسيرا لجلسة في الفكر الصوفي وهو “متخصص” في الشعر، وقد تجده مسيراً في هذه الجلسة ومحاضراً في جلسة أخرى، ومحاوراً لضيف من ضيوف المعرض في جلسة أخرى، ويوقع كتابه “الذي لا مثيل له” في جلسة أخرى. لهذا، فالمعرض لا تتحكم فيه كائنات فضائية، وإنما يشرف عليه مثقفون، لهذا فالمفروض أن يجسدوا لحظة ثقافية عالية المستوى، قوامها الإيمان بالمثل العليا للمثقف والمفكر وهي التنوير والتحرير، كما يقول إدوارد سعيد، وليس مثقفا يساهم في التنظيم بمنطق قيمي أساسه تكريس مركزية الفضاء، حيث يختزل المغرب في الرباط والدار البيضاء، وتكريس مركزية عشائرية قبائلية، حيث المدعو للمشاركة يجب أن يكون مقربا لديه أو صاحب نفوذ أو من سيقدم خدمة لاحقاً، أو يمتاز بحسن السيرة والسلوك والسير على الطريق المخزني المستقيم، وإن كان لم ينشر كتاباً، أو بالأحرى مقالاً، في تلك السنة، أو السنوات التي قبلها، التي يحضر فيها باعتباره “فاعلاً ثقافيا”.  

   > كتاب متوافق مع مجال بحثي العلمي:
< صدر في نهاية هذه السنة (2015) كتابي الرابع “سوسيولوجية الرواية: البنية واللغة”، عن دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة. وهو كتاب متوافق مع مجال بحثي العلمي المتمثل في السرد والنقد الحديث. إنه كتاب ينضاف لما تحقق من إنجازات نوعية على يد نخبة من النقاد المغاربة الجادين والنوعيين. إن هذا الكتاب حاول الإجابة عن السؤال الآتي: كيف تبني الرواية مرجعيتها النّصية الاجتماعية من زاوية اللغة؟ غير خاف أن اللغة تعد مادة أساسية للرواية ولباقي الأجناس الأدبية، ووسيلة هامة للتعبير عن الحياة الاجتماعية، لأنه إذا كان النص الروائي نسقا لغويا دالا فإن ذلك يجعله مشكلا من عدة رموز تمتاح ملفوظاتها من الواقع الاجتماعي مادام الأدب عامة، ومنه الرواية، ينبثق من مجتمع ما، وهذا المجتمع يمتلك لغته الخاصة. بيد أن الرواية تشغّل اللغة وفق نظام فني خاص، مما يخلخل العلاقة المباشرة والاعتباطية بين الدال والمدلول. لهذا تبني الرواية عالما رمزيا، وخطابا متداخل العناصر ومنتظم المكونات في إطار استراتيجية السرد. من هنا، فاللغة في الرواية لا تعكس الواقع الاجتماعي وفق رؤية ميكانيكية، بل تقدم تصورا عن هذا الواقع؛ حيث تصبح اللغة وسيطا يقدم من خلاله المبدع تصوره للحياة الاجتماعية. إن هذا ما حاولنا أن نبرزه في رواية “الهباء المنثور” للروائي والأديب المغربي أحمد المديني عبر قراءة نقدية تعتمد لغة النص منطلقا للقراءة والتأويل في ضوء المرجعية الاجتماعية، والتي تعتبر أفقا واسعا للتفسير وإطارا مرجعياً للدراسة.

> يجب ضبط مسارات ومخرجات دعم النشر:
< يعتبر كل دعم للكتاب والكتاب أمراً محموداً، دون أن تنزع “أسنان” المثقف الفكرية، ويكون إنتاجه المدعوم مؤطراً برؤية الدولة المشخصة في الوزارة. إن رؤيتي لسياسة الدعم تقوم على أمرين؛ الأول أساسه مرتبط بتعقد الإجراءات المسطرية للحصول على الدعم، والثاني متصل بأمر تدبير هذا الدعم على قاعدة الشفافية والوضوح من جميع الأطراف المتدخلة. فضلا عن هذا، ما هو المدى الذي يمكن أن يقترن به هذا الدعم؟ هل سيبقى بنفس الطريقة وبنفس الإجراءات إذا جاء وزير جديد ببرنامج ورؤية مخالفة للوزير الحالي، الذي بدوره غيَّر سياسة الدعم التي كانت معتمدة؟ لأن توقف الدعم وتغيّر إجراءاته قد يفسد “الكتاب” الذين يراهنون عليه، لأنه سيصير “عادة” قد تفسد المثقف وتجعله راضيا كل الرضى على سياسة الدولة عموما حين يُدعم كتابه، أو ساخطا عليها، دون أن يتجه للإنتاج الفكري، بدعوى غياب الدعم. لا يجب أن يفهم من كلامي وقف الدعم، بل يجب ضبط مساراته ومخرجاته (الإنتاج والتوزيع) والإعلان عن استراتيجيته الكبرى، التي يجب أن تلتزم بها الوزارة، وإن تغير الوزير.  

> حرب خفية بين المتبارين على جائزة الكتاب:
< تشكل الجائزة اعترافاً، وتعدّ تتويجاً لإنجاز داخل المشهد الثقافي. لهذا، فجائزة المغرب تعبّر عن الرغبة في الارتقاء بالمجتمع من خلال تخصيص جائزة للإنتاج الثقافي والفكري، بما يمثله ذلك من اعتراف بقيمة المثقف في المجتمع وأدواره داخله. بهذا المعنى، فإيجابية الجائزة ظاهرة وجليّة، وغايتها مليئة بالنبل القيمي والتحفيز الفكري. لكن خارج منطق المثاليات المفرطة، يمكن أن أقول إن الجائزة في حاجة إلى أمور عدّة؛ أولها، أن تخصص جائزة للتكريم، تستهدف المفكرين والمبدعين، وكل الفاعلين في الحقل الثقافي، اعترافاً بما قدموه للثقافة المغربية والعربية من منجز فكري واضح الأثر وبالغ التأثير، لأنه تحوّل إلى عنصر للتثقيف والتكوين وتعميق الوعي. وثانيها، أن تخصص جائزة تحفيزية للشباب، لأنهم هم الخلف، ويمكنها أن تقتصر على نصوص لا مؤلفات. لماذا هذا الاقتراح؟ كي تتجاوز الجائزة منطق “الحرب” الخفية التي تميّز المتبارين (صراع الأجيال)، في علاقتهم بلجن الفحص والحكم. فضلا عن ذلك، يجب التفكير في بعدين أساسيين، البعد الوطني للجائزة؛ أي التفكير في ما سيربحه الوطن منها، وبالتالي عدم الاقتصار على لجن “الرباط والدار البيضاء” من جهة. والبعد القيمي للجائزة؛ أي تدفع هذه الجائزة لتبني روح التفاعل الإيجابي مع المنجز الفائز، وعدم التفكير في الربح المادي ونسيان المؤلَّف الفائز. ألا يعدّ الإحجام عن الكتابة النقدية، وإدماج الكتب الفائزة في نقاش ثقافي عام، أو داخل المعرض (وليس الاستماع للكُتّاب الذين قالوا ما يجب قوله في كتبهم)، نوعاً من العقاب لهذه الكتب التي تبيّن أنّ ثمة أمراً ما في منح الجائزة لكاتبها، خاصة إذا فاز بها كاتب ما أكثر من مرة؟
   > لأجل عدم تكريس التفاهة والتسطيح:
< يصعب الإحاطة بكل ما يمكنه المساهمة في تقوية الحركة الثقافية في بلادنا. لكن سأجيب من خلال عناصر، في تقديري، أراها ممكنة لتقوية هذه الحركة. أولاً، اشتغال المؤسسة الوصية (وزارة الثقافة) بمنطق التثقيف لا التدبير فقط، وبالتالي، على الأقل، تنظيم ملتقيات قارة، ولو في الرباط، تكون قبلة للمثقفين والمبدعين للتداول في قضايا تهم مجال إنتاجهم، وإصدار مجلة (الثقافة المغربية) بشكل منتظم دون توقف. وثانياً، اشتغال المثقفين بمنطق الإفادة وروح التشارك الفعال مع كل المثقفين في الوطن، بما يكفل التأثير، ولم لا التغيير الاجتماعي، خارج منطق الكراهية والحقد والرغبة في الإقصاء .. إلخ. وثالثاً، إلزام قنوات الإعلام العمومي على تخصيص حيز هام من برامجها للشأن الثقافي، وليس الإغراق في مسلسلات تكريس التفاهة والتسطيح. ورابعاً، تشجيع مبادرات المجتمع المدني المنشغلة بالشأن الثقافي. وخامسا، محاربة كل أشكال الريع، أو رفضها والتّصدي لها، التي تبلّد إحساس المثقف وتجعله مندمجا في السلطة التي تغريه المال، مما يحوّله من كائن ثائر، بطبعه، إلى خاضع للسلطة يراوغ ويناور من أجل المال، فينعكس سلوكه ذلك على التفاعل مع منجزه الإبداعي والنقدي الذي يصير عرضة للإهمال. لأنه ليس مهماً أن تتحدث عن الديموقراطية في الكتب، وتكون ديكتاتوريا في السلوك، وتسبح بحمد المال الذي يرتفع منسوبه كلما كرس المثقف جهده لخدمة السلطة لا الثقافة. بهذا المعنى، فالارتقاء بالفعل الثقافي عامة هو مسؤولية المؤسسة الوصية من جهة، ومسؤولية المثقف داخل هذا البلد من جهة ثانية. Sans titre-15

الباحث والقاص عبد المجيد جحفة

(حملنا مجموعة من الأسئلة إلى الكاتب عبد المجيد جحفة، تهم معرض الكتاب والنشر والحياة الثقافية ببلادنا بوجه عام، غير أنه ارتأى أن يقصر إجابته على السؤال المتعلق بجديد إصداراته).

 صدر لي كتابان مترجمان عن الأنجليزية، الكتاب الأول: “نظرية نسقية في الحجاج” للعالمين الهولنديين فان إيمرن وغروتندورست.
 في هذا الكتاب، يقدم الباحثان الرائدان في النظرية الحِجاجية، فرانز فان إيمرن وروب غروتندورست، تصوُّراً جديداً للحِجاج، إذ يريان أنه وسيلة لحل الخلافات في الرأي من خلال اختبار مقبولية المواقف المُتنازَع بشأنها. يُعتبَر نموذج «النقاش النقدي» عندهما أداة نظرية لتحليل الخطاب الحِجاجي وتقييمه وإنتاجه. في هذه المقاربة، يقع التأليف بين رؤى ذريعية وجدلية من خلال اعتبار النقاش النقدي تبادلاً منهجياً لأفعال كلامية بين طرفين.
  يُعد كتاب “نظرية نسقية في الحِجاج” مساهمة كبرى في دراسة الحِجاج، ويحظى بمكانة خاصة لدى الدارسين وطلبة الدراسات العُليا المختصين في التواصل الكلامي، والمنطق غير الصُّوري، والبلاغة، والفكر النقدي، واللسانيات، والفلسفة.
 الكتاب الثاني: “الفلسفة في الجسد” للعالمين الأمريكيين لايكوف وجونسون.
هذا الكتاب هو الكتاب الثاني الذي يشترك فيه المؤلفان، ويوسعان فيه ما قدماه من افتراضات وتحاليل في كتابهما المشترك الأول: “الاستعارات التي نحيا بها”.
 يدافع هذا الكتاب الضخم (الذي جاء في 800 صفحة، بأربعة أقسام و25 فصلا) عن تصور يرى أن الاستعارة ظاهرة عصبية. ويعتمد في ذلك على ما يسمى النُّسوخ الاستعارية التي تتحقق ماديا على شكل خرائط عصبية.
وتتوخى ترجمة الكتاب لفتَ الانتباه إلى هذا التصور الجديد للاستعارة، هذا التصور الذي يسند محتوى تجريبيا مباشرا لنظرية الاستعارة، ويمُدّها بأسس مادية تفسر البناءَ الاستعاري وتبرز نسقيتَه من خلال التركيز على العمليات المتجسدة في الذهن البشري.
 تتوخى هذه الترجمة أيضا أن تتمّ الاستفادة من هذا المنظور الجديد، وتفتح آفاق المراجعة والتفكيك لتصوراتنا الخاصة، لا بخصوص البناء الاستعاري فحسب، وإنما بخصوص الحقيقة الفكرية والفلسفية عامة. كما تتوخى أن يقع استغلال ما يتيحه هذا المنظور من إمكانات إعادة قراءة أنساق الفكر والثقافة.

Related posts

Top