قال محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية إن هناك حاجة إلى الوعي بأهمية دور الإعلامي والسياسي في الفضاء العمومي وفي مسار البناء الديمقراطي.
وأضاف بنعبد الله، الذي كان يتحدث أول أمس السبت بمراكش في ندوة تحت عنوان “أي سياسات عمومية لمستقبل الصحافة المغربية؟”، نظمتها فيدرالية الناشرين على هامش الجمع العام التأسيسي لفرعها بجهة مراكش آسفي، (أضاف) أن هناك فضاء مشتركا يجب المحافظة عليه وصونه، معتبرا أن المدخل لذلك هو الأجواء الديمقراطية والسياسية التي يجب أن تسود من أجل أن يكون للمغرب إعلام يقوم بدوره ومن أجل أن يكون بالموازاة مع ذلك فضاء سياسي بأحزابه ومؤسساته المنتخبة التي تقوم هي الأخرى بدورها.
وتابع بنعبد الله “يجب أن نفهم جميعا أنه لدينا هدف مشترك هو أن نصون الفضاء الديمقراطي وفضاء الحريات وأننا نعمل على أساس السعي نحو توسيع هذه القيم وتكريسها، بالكيفية الضرورية، طبقا لما ينص عليه دستور 2011.
في هذا السياق، أكد الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية ووزير الاتصال الأسبق أن هناك مجموعة من الملفات والقضايا المقلقة في المجال الإعلامي التي ما زالت مطروحة وعالقة، داعيا إلى طي هذه الملفات وإحداث انفراج من شأنه أن يساهم في خلق أجواء إيجابية خلال المرحلة المقبلة، خصوصا وأن هناك محطة الانتخابات في شتنبر المقبل التي تحتاج إلى تكتل جميع الفاعلين من أجل إنجاحها.
ويرى بنعبد الله على أن الإعلام يضطلع بأدوار مهمة وأساسية في البناء الديمقراطي تقتضي أن تكون له رؤية وتصور واضحان، وأن أن تكون له استراتيجية رسمية، مشيرا إلى أنه في المرحلة الراهنة لا توجد هذه الإستراتيجية، الأمر الذي يجعل المغرب، وفق تعبيره، متأخرا في هذا القطاع وفي تقويته بالمقارنة مع عدد من التجارب الدولية، بما فيها تجارب لدول أقل من المغرب فيما يتعلق بالديمقراطية والحريات.
وشدد وزير الاتصال الأسبق في حكومة إدريس جطو على أن هناك حاجة إلى سياسات عمومية في الإعلام وأن تكون الحكومة مسؤولة عن ذلك، من خلال وزارة الاتصال التي قال إن دورها أساسي ورئيسي في إصلاح القطاع، عكس ما يروج له البعض بشأن حذف هذه الوزارة بصفة نهائية، مشيرا إلى أن مختلف الديمقراطيات والدول الكبرى ما زالت تحتفظ بهذه الوزارة لرسم معالم القطاع وتقويته وتعزيزه وجعله أساسيا في مسار الإصلاح والديمقراطية وصون الحريات.
وذهب بنعبد الله إلى التأكيد على أن دور المجلس الوطني للصحافة والتنظيم الذاتي للمهنة أساسي ورئيسي ومن الواجب أن يكون، كما هو الشأن بالنسبة لأدوار فيدرالية الناشرين والنقابة الوطنية للصحافة المغربية وغيرها من المؤسسات والإطارات الذاتية للمهنة، مشيرا إلى أن الاحتفاظ بوزارة الاتصال لا يمس بأدوار هذه المؤسسات بقدر ما يساهم إلى جانبها في تقوية القطاع أكثر من خلال وجود محاور حكومي لمختلف هذه الإطارات من أجل العمل المشترك والنهوض بمنظومة الإعلام وتطويرها على مختلف المستويات.
من جهة أخرى، أشار بنعبد الله إلى أهمية منظومة الدعم العمومي للنهوض بدور الإعلام، وكذا تحديد المقاولات المستهدفة، علاوة على وضع سياسة إعلامية واضحة كفيلة برفع التحديات والتكيف مع التحولات التي يعرفها العالم.
وأوضح الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية أنه بالرغم من التحولات الرقمية، تبقى مكانة الصحافة المكتوبة قائمة، وأن تراجع مبيعات الصحف الورقية يرجع إلى المستوى الثقافي المتعلق بغياب ثقافة القراءة، مشددا على أن منظومة الدعم تبقى أساسية لتطوير هذا المكون الأساسي من الإعلام لكن بطريقة تسمح بالتطوير، موجها انتقادات للدعم المعمول به حاليا والذي توجهه الدولة بشكل مباشر إلى أجور الصحافيين، حيث أكد على ضرورة القطع مع هذا النوع من الدعم مقابل إقرار الدعم للمقاولات كما كان معمولا به مع تحسينه أو النقاش حول تغيير صيغته، مع ما يصاحب ذلك من متابعة ومراقبة لعملية الدعم.
ونفس الأمر بالنسبة للإعلام السمعي البصري، الذي قال المتحدث إنه لم يتطور ولم يتحرك منذ أزيد من 20 أو 15 سنة، لا على مستوى هيكلته العامة وتنوعه والقدرة على أن يخترق من قبل القطاع الخاص، كما تم على مستوى الإذاعات خلال ولايته على رأس وزارة الاتصال، بحث ساهم تحرير القطاع الإذاعي في التأسيس لتعددية مهمة ما تزال تغني الساحة الإعلامية.
وشدد بنعبد الله على أن قطاع الإعلام يحظى باهتمام كبير ضمن النموذج التنموي الجديد، داعيا إلى إيلاء أهمية قصوى للقضايا المرتبطة بتحسين الوضع السوسيو اقتصادي للصحافيين، وتوفير الأجواء ليكون قطاعا قويا من جانب المقاولات ومن الجانب الاجتماعي للصحافيين، ليؤدي دوره المجتمعي الأساسي ويساهم في احتضان النقاش الديمقراطي وتقوية الفضاء العمومي.
كما شدد، في هذا الصدد، على أنه لا يمكن تنزيل أي تصور اجتماعي أو سياسة عمومية أو نموذج تنموي بدون ركنين أساسيين هما فضاء سياسي قوي بأحزاب قوية، وإعلام قوي يحتضن النقاش والآراء حول مختلف التصورات.
هذا، ونبه الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية إلى خطورة المزج بين عالم المال والإعلام وعالم السياسة، الأمر الذي يسهم في تقويض الأوضاع، ويعرقل الإصلاح ومسار البناء الديمقراطي، مجددا التأكيد على أن هناك حاجة ملحة إلى صون استقلالية الإعلام والفضاء السياسي عن سطوة المال التي لا تسهم في تخليق الفضاء السياسي والإعلامي، للاضطلاع بدورهما المجتمعي الأساسي.
من جانبه، قال مصطفى الخلفي عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية ووزير الاتصال السابق إن مشروع النموذج التنموي الجديد يحتاج إلى جيل جديد للإصلاحات في مجال الإعلام.
وذكر الخلفي بالكتاب الأبيض الذي جاء بعد نقاش وطني سنة 2012 حول الإعلام الرقمي والتحول الحاصل في هذا المجال، معتبرا أن التحول الرقمي يشكل تحديا وجوديا للإعلام ويطرح سؤال السيادة الإعلامية.
ويرى الخلفي على أن هذا التحدي الذي يواجهه المغرب له أبعاده على مستوى إشكاليات أخلاقيات المهنة التي جعلت الموقف العام يسير نحو النفور من مدى وجود فعل إعلامي يمكن الرهان عليه أو الاعتماد عليه، مضيفا أن هذا التحدي الوجودي يطرح التفكير في إشكالية النموذج الاقتصادي للمقاولة الصحافية، حيث ينبغي إيجاد حلول لهذه الإشكاليات والتوجه إلى المستقبل لإعادة الاعتبار لدور الإعلام في صيانة السيادة وتعزيز الحريات وحماية التعددية والتقدم نحو المستقبل.
وبعد أن أشار إلى أن الدعم الذي خصص للصحافة كان مرتبطا بإجراء استثنائي هو حالة الطوارئ الصحية، أكد الخلفي على أن الصحافة الورقية لا يمكن تصور اندثارها، لأنها هي المنظومة التي أسست لمفهوم التحقق من الخبر وتمحيصه ولمفهوم التعددية من خلال رصد كافة الآراء، داعيا إلى تفكير وطني حول النموذج الاقتصادي في المقاولة الصحافية ما بعد كورونا، وأن المغرب معني أولا بتعزيز وتقوية دور هيآت الحكامة، من خلال المجلس الوطني للصحافة والهيأة العليا للاتصال السمعي البصري.
بدوره، ذهب الحسن عبيابة عضو المكتب السياسي لحزب لاتحاد الدستوري ووزير الثقافة والشباب والرياضة والاتصال السابق إلى التأكيد على أهمية الصحافة الورقية في منظومة الإعلام، التي قال إن دعهما ضروري وأساسي لكن ليس بالصيغة الحالية من خلال دعم الأجور بشكل مباشر.
ويرى عبيابة على أن هناك حاجة لدعم المقاولات الصحافية من أجل ضمان استمراريتها مما يحفظ تعددية المشهد، مطالبا بتوحيد مصدر الدعم من أجل أن يكون حكوميا فقط، حيث نبه إلى أن تعدد مصادر الدعم من شأنه “خلق حروب وتعدد التوجهات” وفق تعبيره.
إلى ذلك، شدد المتحدث على أن المغرب ما يزال متأخرا في ركب إصلاح الإعلام وتطويره مقارنة بمجموعة من الدول، بما فيها دول المنطقة، التي أسهمت في تطوير الإعلام وضمان تعددية كبيرة، جعلها تستعمل جزءا من هذا الإعلام في حروبها الخارجية، بما فيها بعض الدول التي تهاجم المغرب وتحشد إعلامها لذلك.
وقال عبيابة إن المغرب مطالب بإصلاح حقيقي والنهوض بالإعلام الوطني ودعم التعددية، مشيرا إلى أن هذا الإصلاح يحتاج جرأة كبيرة من أجل تطوير القطاع، واعتبر أن الإعلام يعتبر جزءا أساسيا من العملية الديمقراطية. مضيفا أن تطوير القطاع الإعلامي العمومي أمر أساسي ليكون قاطرة لتأطير المواطنين ولإعطاء المعلومة الرسمية، وكذا تطوير القطاع الخاص المسؤول هو أيضا على المعلومة.
وتابع عبيابة أن الإعلام جزء من العملية الديمقراطية، مشيرا إلى أنه يجب أن يكون الدعم آلية للعمل، وتمنحه الدولة، وأن يكون هناك خيط ناظم للإعلام العمومي والقطاع الخاص بالطبع مع ممارسة الحريات والتعبير.
من جانبه، يرى جمال مكماني عضو المكتب السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة أن قطاع الإعلام يعتبر من بين المؤسسات الأساسية المتواجدة على مستوى التنشئة الاجتماعية. وأضاف أن الإعلام يقوم بدور أساسي في عملية التنشئة الاجتماعية، فهو يقوم في الدرجة الأولى بالدور التربوي الذي يعد الوسيلة التي من خلالها يجدد المجتمع ذاته بشكل دائم، موضحا أن الشأن الإعلامي في المغرب ليس شأنا خاصا بالإعلاميين فقط بل هو شأن مجتمعي.
بدوره، أكد عبد الجبار الراشدي عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال أن المنظومة الإعلامية اختلت موازينها التقليدية بفعل دخول فاعلين جدد في حقل التواصل، وبرزت ظاهرة ما يسمى بـ “صحافة المواطن”، على الخصوص في الشبكات الاجتماعية، التي تبث أخبار آنية وتقوم بتوجيه الرأي العام.
وأضاف الراشدي أن الأزمة الصحية العالمية زادت في تفاقم هذه الممارسات وعملت على التراجع المقلق لمبيعات الجرائد الورقية، داعيا الصحف إلى تكييف أدوارها وفقا للمعطيات التكنولوجية وحاجيات الجمهور الجديدة بالاعتناء بالأجناس الأخرى كالتحقيق الصحافي وبتحليل المضامين والخطاب التي تلقى إقبالا من لدن القارئ وتعمل على تعزيز الديمقراطية. مؤكدا أن المقاولات الصحافية لم تعد قادرة على الصمود أمام هذه التحولات والتراجع المهم للجانب الإشهاري وأمام ضعف بنيتها الاقتصادية، مما نتج عنه هشاشة أخلاقيات مهنة الصحافة.
وكان نورالدين مفتاح رئيس فيدرالية الناشرين قد أكد في افتتاح هذا اللقاء أن الإعلام عنصر أساسي في التنمية، مشيرا إلى أنه يتعين التفكير في منظومة جديدة للإعلام بسبب تأثير الإجراءات الاحترازية المتخذة للحد من انتشار فيروس كوفيد – 19 على الصحافة الوطنية الخاصة.
وذكر مفتاح أن القطاع الإعلامي كان يعاني أزمة هيكلية، مبرزا أنه لابد من مشاركة الجميع في هذا التفكير لأن المغرب أصبح اليوم في حاجة لتصور جديد يتسم بالصراحة والشفافية والإبداع.
يشار إلى أن الندوة التي نظمتها فيدرالية ناشري الصحف أول أمس السبت بمراكش تحت عنوان “أي سياسات عمومية لمستقبل الصحافة المغربية” تأتي على هامش الجمع العام التأسيسي لفرعها الجديد بجهة مراكش آسفي.
كما يشار إلى أن لقاء السبت عرف تكريم أربع شخصيات إعلامية من جهة مراكش آسفي، وهي: عبد السلام البوسرغيني، ابراهيم الفلكي، أحمد اليونسي الريفي، والحبيب أبو ريشة.
< محمد توفيق أمزيان