قصة المدعو كوفيد 19

حل المدعو “كوفيد 19” منذ 31 دجنبر 2019 وإلى اليوم، ضيفا ثقيلا على ساكنة الكرة الأرضية، في ظل حمأة الصراع حول السيطرة على العالم، والرغبة في قلب موازين القوة الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية بين الدول القوية لا سيما الصين والولايات المتحدة الأمريكية.
وتوجه أصابع الاتهام إلى “كوفيد 19” كمتهم رئيسي في بعثرة أوراق جميع حكومات الدول، التي وجدت نفسها محرجة أمام مواطنيها في تدبير هذه الأزمة الصحية العالمية، خصوصا وأنه كان قد ساد الاعتقاد بأن الإنسان أصبح مسيطرا على العالم، ولا شيء يمكن أن يهدد وجوده، ويحد من توسعه ونفوذه على هذا الكوكب.
وبين عشية وضحاها أصبحت ساكنة الأرض مهددة بقرون كورونا المجهرية التي حيرت العلماء، وأنهكت جميع القطاعات التي تعتبر مصدر عيش العديد من العائلات والأسر بمختلف دول العالم.
والمغاربة، من بين الشعوب الذين عاشوا تفاصيل قصة كوفيد 19 بكل حذافيرها، ولا زالوا محتكين به إلى اليوم في الفضاء العام، متجنبين خطره بالإجراءات الذاتية “التعقيم+ وضع الكمامة+ التباعد الاجتماعي”، أو الجماعية التي تضعها الحكومة من قبيل حالة الطوارئ الصحية..
وسيبقى كوفيد 19 راسخا في الذاكرة الجمعية، وسيؤرخ في كل الوسائط التقليدية والذكية، لتتناقله الأجيال القادمة فيما بينها، كما تتداول اليوم قصص الطواعين والأوبئة التي ضربت البشرية خلال القرن 16، و17، و18، و19.
وفي هذا الركن، ستعيد جريدة بيان اليوم، من خلال سلسلة من الحلقات التي ستمتد طيلة شهر رمضان الكريم، تركيب قصة بطل العالم في الوزن المجهري، كوفيد 19، بسرد مراحل ظهور هذا الكائن الميكروسكوبي، وتعقب انتشاره وتنقله بكل حرية بين أجساد الناس، وصموده في العيش طيلة كل هذه المدة..

> إعداد: يوسف الخيدر

الحلقة الثامنة

الجيش الأبيض

تعتبر الحرب ضد كوفيد 19 “صحية” بالدرجة الأولى، والجيش الأبيض، هم جنود الصفوف الأمامية. فمنذ الشرارة الأولى للجائحة وإلى اليوم مازالوا يواجهون هذا الفيروس المجهري في معركة غير متكافئة بين الطرفين، بالعلاج، والتوعية، والتحسيس، والمواكبة النفسية..
والأطباء والممرضون والمساعدون الطبيون في مختلف التخصصات بالمغرب، استنفروا كل طاقتهم منذ بداية انتشار الفيروس محليا، منهمكين بسخاء إلى حدود كتابة هذه الأسطر في التصدي للفيروس التاجي الذي لا يبقي ولا يذر.
وتجشمت العديد من الأطر الطبية عناء البعد عن أفراد العائلة، وملازمة المستشفيات الطبية لمعالجة المصابين بالمدعو كوفيد 19، خوفا منهم على نقل الفيروس إلى المنزل، حيث يوجد الأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة، أو مسنون لا تستطيع مناعتهم التصدي لكورونا.
وتمكن كوفيد 19 مع الأسف، من خطف أرواح العديد من الأطباء في المغرب، لا توجد إحصائيات رسمية حول عددهم! متأثرين بمضاعفات هذا الفيروس الذين أصيبوا به أثناء أداء مهمتهم الإنسانية والوطنية.
وستبقى تجربة اشتغال أصحاب الوزرة البيضاء في محطة كورونا، من بين أهم المراحل التاريخية في المسار المهني لكل طبيب، أو ممرض، أو مساعد طبي، لا سيما وأنها حملت معها تجربة مريرة ستظل موشومة في الذاكرة الجمعية لمختلف شرائح المجتمع المغربي.
ومن أجل مساعدة الأطباء المدنيين على مكافحة هذا الوباء الذي يستمر في تعنته ليبقى إلى جانبنا أطول مدة ممكنة بنسخه المتحورة، أعطى جلالة الملك محمد السادس القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، بتاريخ 22 مارس 2020، تعليماته السامية للجنرال دو كوردارمي عبد الفتاح الوراق المفتش العام للقوات المسلحة الملكية، والجنرال دو كوردارمي محمد حرمو قائد الدرك الملكي، ومفتش مصلحة الصحة العسكرية للقوات المسلحة الملكية الجنرال دو بريغاد محمد العبار، بتكليف الطب العسكري بشكل مشترك مع نظيره المدني بالمهمة الحساسة لمكافحة وباء كوفيد 19.
وفي هذا الإطار، انخرط الطب العسكري في محاربة الجائحة من خلال إقامة مستشفيات طبية ميدانية خصوصا بمدينة بنسليمان، غير البعيدة عن العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء إلا ببضع كيلومترات، إذ تم استقبال الكثير من الحالات المصابة بالفيروس التاجي قصد العلاج.
واستطاع المغرب من خلال إمكانياته الذاتية في المجال الطبي من مواجهة كورونا كوفيد 19، انطلاقا من البنية التحتية الصحية التي كان يتوفر عليها سابقا، وكذا استعانته بتجهيزات جديدة، استوردها من الخارج، ويهم الأمر الأسرة المجهزة بالتنفس الاصطناعي، أو العادية منها، بالإضافة إلى المستلزمات الضرورية لمختلف المشتغلين في القطاع.
ولم يكن من السهل الحصول على هذه المعدات في السوق الدولية أثناء البدايات الأولى لانتشار فيروس كورونا، نظرا للصراع الدولي الشرس عليها، فلا صوت كان وما زال يعلو على صوت الأنانية في احتكار كل شيء، والمضاربة في صحة ساكنة الأرض.

الوسوم , , ,

Related posts

Top