مشروع القانون التنظيمي للحق في الإضراب يغلب عليه الطابع الزجري

رفض المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي مشروع القانون التنظيمي للإضراب في صيغته الحالية، وطالب بوضع نص بديل يتضمن مختلف المقترحات والتوصيات التي تعبر عنها الأطراف المعنية.

 وقدم المجلس، في رأيه الاستشاري الذي أعده بخصوص مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب،  مجموعة من الملاحظات تؤكد ترجيح الحكومة للمقاربة التقييدية لحق الإضراب وصياغتها لنص يغلب عليه البعد الزجري عوض وضع قانون ينظم الإضراب باعتباره حقا يكفله الدستور والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب.

ودعا المجلس إلى ضرورة أن يخضع تقنين ممارسة حق الإضراب لمنطق التشاور باعتباره أولا وأساسا مشروعا مجتمعيا، يتطلب بناء توافقات بناءة مع نهج تشاركي يتم فيه إشراك جميع ألأطراف المعنية وذلك لضمان إخراج نص متوازن يعبد الطريق أمام ممارسة حق الإضراب في إطار الحرية النقابية وحرية العمل في آن واحد، باعتبارها عنصران أساسيان لأي مجتمع دينامي ديمقراطي متطور.

وانطلق المجلس في رأيه من الجانب الشكلي للنص ليمتد إلى مضمون المشروع، حيث لاحظ بالنسبة من حيث الشكل، تغليب الطابع الزجري على النص عبر ترجيح المقاربة التقييدية لممارسة حق الإضراب، وهو الأمر الذي أضر بهذه المبادرة التشريعية من خلال خلق نوع من الشك والريبة اتجاهها والتساؤل حول المقصود من وراء وضع مشروع قانون ينتصر مضمونه لنهج تقييد حق ممارسة الإضراب.

واعتبر المجلس في الملاحظات التي بناها اعتمادا على خلاصة جلسات الإنصات التي أجراها مع مختلف الأطراف المعنية وخبراء في المجال والنقاش الداخلي لمختلف الفئات المكونة للمجلس، على أنه بالرغم من أهمية هذا النص التشريعي الذي طال انتظاره على مدى عقود أي منذ أول دستور للمملكة ن فإن المشرع أغفل بشكل جلي إفراد تقديم أو تمهيد لنص المشروع  الذي يمكن أن يوضح روح القانون وفلسفته والأسس التي اعتمدها ومقاصده والغايات التي يسعى النص إلى تحقيقها.

وأضاف مشيرا إلى اللاتوازن الذي يطبع  هيكلة مشروع القانون التنظيمي، حيث خصص 22 مادة من أصل 49 ، لموضوع في ممارسة حق الإضراب في القطاع الخاص، في حين لم يخصص سوى 4 مواد لممارسة هذا الحق في القطاع العام والمؤسسات العمومية، وأوصى المجلس إلى تجنب إدراج عقوبات سالبة للحرية في المشروع، ومراجعة كل المقتضيات التي توجد في القوانين الأخرى كالقانون الجنائي ، والتي تتنافى مع ممارسة حق الإضراب.

وساق بهذا الخصوص مجموعة من الملاحظات من حيث تعريف الإضراب، معتبرا أن حصر ممارسة حق الإضراب على الأجراء دون غيرهم من الفئات الاجتماعية ألأخرى، فيه مس بمضامين الدستور ، كما جاء في المادة 29 حيث أن  الفقرة الأولى من هذا المقتضى لاتفصل بين الحريات والحقوق الأساسية وبين الحقوق الاجتماعية والاجتماعية .

 ولفت المجلس إلى حالة الالتباس التي أحدثها المشروع على هذا المستوى ، حيث لم يقتصر على مخالفة الدستور بل من شأن حصر ممارسة الإضراب في فئة معينة وعدم التنصيص في الوقت ذاته على حرمان الفئات الأخرى ،أن يؤدي إلى وضع لا يحقق الأمن القانوني و إلى تمييز قانوني بين ممارسة الإضراب طبقا لهذا المشروع، وممارسته هذا الحق من قبل الفئات المهنية الأخرى التي لم يتم ذكرها عنوة ربما في هذا النص.

وأوصى المجلس على هذا المستوى إلى تحديد بوضح في النص التشريعي بوضوح وإلى أضيق حد فئات الموظفين العموميين الذين يتم تقييد حقهم في الإضراب، بما يتوافق مع توجهات منظمة العمل الدولية ويتماشى مع التجارب الدولية التي تقيد هذا الحق ، عادة بالنسبة لحملة السلاح والفئات التي تمنع أنظمتها الخاصة صراحة ممارسة حق الإضراب.

كما أوصى بإضافة مقتضيان خاصة لتنظيم ممارسة حق الإضراب في المرافق العمومية المحلية والجهوية ، بما يتناسب مع خصوصيتها واحتياجاتها، وذلك لضمان التوازن بين حقوق العاملين والمرتفقين على حد سواء.

وسجل رأي المجلس ملاحظة تتعلق بالدعوة إلى الإضراب حيث اقتصر على جعلها من حق نقابة العمال كهيئة وحيدة ، وحرم هيئات وفئات اجتماعية أخرى كالنقابات والجمعيات المهنية من ممارسة هذا الحق ، وهو بذلك يخالف منطوق العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي يكرس حق التنظيم، ويجعل العمل النقابي جزءا من العمل الجمعوي ويقر حق التنظيم للجميع والانضمام إليها من أجل حماية مصالحه”.

وأوصى المجلس في هذا الجانب بسد الفراغ التشريعي وجعل الدعوة للإضراب من حق كل المنظمات النقابية والجمعيات المهنية المؤسسة والمعترف بها قانونا، والعمل في هذا الصدد على معالجة كل الإشكالات التي تتعلق بالتمثيلية ومعاييرها في القطاعين العام والخاص على حد سواء، بما يتيح رفع القيود عن ممارسة حق الإضراب والحق في التنظيم ويعكس التمثيلية الحقيقية على مستوى الشرعية والمشروعية.

كما اقترح فيما يتعلق بتعريف المرافق الحيوية والحد الأدنى من الخدمة، إلى تحديد المرافق الحيوية بوضوح ودقة، فضلا عن تحديد الخدمات الأساسية وأهمية الممتلكات والتجهيزات والآلات في أماكن العمل في القطاع الخاص، بل والعمل على إيجاد أرضية تشاركية بين جميع الأطراف لتحديد الحد الأدنى من الخدمة عن طريق اتفاقيات جماعية أو التزامات تعاقدية ، وأورد المجلس نماذج مقارنة بخصوص هذا الجانب.

وشملت ملاحظات وتوصيات المجلس موضوع آجال قرار الإضراب ومعايير سلمية الإضراب وتقيين الإضراب في القطاع العام محليا وجهويا ومسألة العقوبات، علما أن المجلس فصل في المشروع  وبشكل دقيق أغلب المقتضيات التي كانت السبب وراء إثارة غضب المركزيات النقابية ومجموعة من الهيئات السياسية والحقوقية.

فنن العفاني

Top