مشروع مالية 2021 لم يقدم حلولا للمعضلات التي تواجه بلادنا ولم يترجم التوجيهات الملكية الداعية إلى إصلاح اجتماعي بنيوي شامل

عقد مجلس المستشارين يوم الجمعة 4 دجنبر 2020 جلسة عمومية للمناقشة العامة لمشروع قانون المالية 2021 . وخلال هذه الجلسة، قدم المستشارعبد اللطيف اوعمو ملخصا لمداخلة مستشاري حزب التقدم والاشتراكية بالمجلس، أعلن قيها التصويت ضد المشروع لكونه عاجز عن تقديم الحلول للمعضلات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه بلادنا في هذه الظروف القاسية، سواء على مستوى إنعاش الآلة الإنتاجية، أو على صعيد التصدي للفقر والهشاشة والبطالة. كما أن المشروع، يضيف اعمو، لم يكن تلك الوثيقة التي كان من المنتظر أن تجيب من خلالها الحكومة على انتظارات المواطنين، خاصة منها تلك المتعلقة بالطابع الاجتماعي، بالنظر إلى الآثار السلبية التي خلفتها الجائحة على المستوى الاجتماعي، بشكل خاص، بل أكثر من ذلك لم يترجم مشروع القانون المالي التوجيهات الملكية الداعية إلى إصلاح اجتماعي بنيوي شامل إلى واقع ملموس، من خلال التعميم التدريجي للتغطية الاجتماعية. وفيما يلي النص الكامل للمداخلة :

السيد الرئيس،
السيد وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة المحترم،
السيدات والسادة الوزراء ،
السيدات والسادة المستشارون،

يتميز السياق الدولي، لمناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2021، بمواجهة العالم،لأزمة صحية شاملة وغير مسبوقة،  تحولت إلى أزمة اقتصادية ومالية واجتماعية وثقافية وبيئية ونفسية.مما كان له انعكاس على المستوى الوطني، حيث أن تداعيات الإغلاق والحجر الصحي كانت قاسية على الجميع، وخصوصا على الفئات الهشة في المجتمع.
واتخذت تدابير استثنائية على مستوى الحكومات لمواجهة آثار الجائحة بتعبئة موارد ضخمة، بجانب العديد من التدابير التي لا يسمح الوقت بسردها وتفصيلها هنا.
ونستحضر، بالمناسبة،أجواء المصادقة على مشروع القانون المالي لسنة 2021،  المتميزة بالتطورات الإيجابية التي تعرفها قضيتنا الوطنية، حيث يأتي مشروع القانون المالي هذا في ظروف إيجابية تتمثل في المكاسب الدبلوماسية التي حققتها بلادنا، حيث تعترف اليوم 85 % من دول العالم بمغربية الصحراء، بفضل دبلوماسية مقدامة ومبادرة.
كما نستحضر بالمناسبة، الإعلان عن مشروع بنيوي ولوجيستي ضخم بمدينة الداخلة، على غرار ميناء المتوسط بطنجة، بالموازاة مع تقدم أشغال الطريق السيار تيزنيت – العيون بخطى ثابتة، مع الإعلان عن نية إنهاء الأشغال قبل متم سنة 2021، بجانب مشاريع تنموية أخرى، مع ما لكل هذه المشاريع البنيوية الكبرى من تأثير في التثبيت النهائي للأقاليم الجنوبية في محيطها الوطني الطبيعي، ولما لها من بعد قاري يمنح المغرب تأثيرا استراتيجيا هاما، لما يعطيه من دفعة قوية لتدفق التبادل التجاري والبشري والثقافي مع بلدان جنوب الصحراء ودول الساحل.

السيد الوزير،
يتم عرض مشروع قانون المالية لسنة2021في ظل ظروف استثنائية، حيث كان ينتظر منه أن يكون قانونا استثنائيا، إلا أنه يبدو أشبه بميزانية “ترحيلية”، يتم بواسطتها ترحيل الإشكاليات المطروحة من سنة إلى سنة، رغم دقة المرحلة وطابعها الاستثنائي.
فعلى مستوى الإنفاق العمومي، فالمشروع اتسم بالاستمرار في نفس الوتيرة والمنهجية في صرف الميزانية، وفي عدم التوازن واستمرار التفاوت القطاعي والمجالي، كما تميز بخلوه من أي إشارة قوية تدل على الإنصاف والعدل على المستوى الجبائي.
فمما يعاب على المشروع عدم استحضاره لتوصيات المناظرة الوطنية الثالثة حول الجبايات المنعقدة بالصخيرات في ماي 2019 ولخلاصات التقرير الصادر عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي تحت عنوان “من أجل نظام جبائي يشكل دعامة أساسية لبناء النموذج التنموي الجديد”… والتي ظلت، للأسف، حبرا على ورق.

السيد الوزير،
إن مناقشة مشروع قانون المالية هذا، هو نقاش ذو رمزية هامة،  سيمكننا من الوقوف عند جوهر السياسات العمومية، من مدخل التدبير المالي.
وهو كذلك رهان بيداغوجي، يجب قراءته في السياق المتصل بورش إصلاح المالية العمومية، في ظل استكمال تنزيل مقتضيات القانون التنظيمي للمالية،  والحرص على تسهيل الوصول إلى المعلومة المالية وتيسير تداولها وفحص مصداقية تأويل الأرقام،  وتقوية آليات مراقبة المالية العمومية من طرف المؤسسة التشريعية.
ولا يسعنا هنا إلا أن نحيي التفاعل الإيجابي لمصالح وزارة المالية، مع استفسارات وبعض تعديلات الفرق والمجموعات النيابية.
وقد سجلنا من خلال مداخلاتكم التعقيبية وملاحظاتكم حول تقييم الاستراتيجيات القطاعية بمجلسي البرلمان، دعوتكم، غير ما مرة، البرلمانيين إلى التقييم الموضوعي للأداء الحكومي من باب الإنصاف والموضوعية، حتى لا نقف عند النواقص فقط دون ذكر المكاسب، على مستوى خلق فرص الشغل،  وعلى مستوى جلب الاستثمارات، وعلى مستوى بنية الميزان التجاري.
ومن موقع المعارضة، فقد تربينا على أن نكون حريصين على رصد مكامن الخلل والهشاشة، دون إنكار التراكمات الايجابية. 
لكن، هل من الموضوعية التملص من المسؤولية، بقولكم أن أبرز مكامن الخلل والهشاشة، التي رصدها ممثلو الأمة بمناسبة مناقشة مشروع قانون المالية،ليست مرتبطة بحكومتكم أو بحكومة معينة،  بل بتراكم سنوات وعقود؟.
فهل سنحاسب الحكومة الحالية على عدم قدرتها أو قصورها في مواجهة ثقل الماضي؟ أم سنلتمس لها عذرا بذلك؟
وهل يحق لنا أن نعتبر أن النفقات المالية العمومية التي يتم “تبويبها” و”تقديرها” وفق توقعات وفرضيات، تتفرع عنها “برامج” تحدد نفقاتها حسب الأنشطة المبرمجة سنويا، هي بالأساس مرتبطة بأهداف ومؤشرات تقييم الأداء الحكومي وبنجاعة الاعتمادات المرصودة -إذا اعتبرنا البرمجة ثلاثية السنوات–وأنهاتمثل مرجعا مهما لتقييم عمل الحكومة آنيا ومستقبليا، وتشخص مدى قدرتها على مواجهة ثقل الماضي، والتحكم في سلبياته، بدل الاختباء وراءه.
فهل يحق لنا من باب “الإنصاف والموضوعية” أن نعتبر مشروع قانون المالية هذا مجرد موازنة جديدة بملامح الماضي؟.
وهل الأداء الحكومي الحالي قادر على إخراجنا من الأزمات المتعددة الأبعاد، والتي ستزداد استفحالا لا محالة في مستقبل الأيام، إذا لم تتم التعبئة المطلوبة بالفعالية المطلوبة؟
نحن لا نعتقد ذلك، فقد أثبتت معالم مشروع قانون المالية هذا أن هناك قصور في التصور، وراحة في تكرار نفس الوصفات، واستكان لموازنات مجترة بملامح الماضي:والتي ترتكز أساسا على مزيد من المديونية وفرض ضرائب جديدة ومواصلة نزيف سوق الشغل في ظل مناخ اقتصادي متأزم يتميز بتراجع مداخيل الدولة ومناخ سياسي مطبوع بعدم الانسجام بين مكونات الأغلبية الحكومية… كأن حكومتنا عاجزة عن قراءة واقعنا… فكيف لها أن تغيره للأفضل…؟

السيد الوزير،
ينتظر من مشروع قانون المالية لهذه السنة أن يكون وثيقة تجيب من خلالها الحكومة على انتظارات المواطنين، خاصة منها تلك المتعلقة بالطابع الاجتماعي، بالنظر إلى الآثار السلبية التي خلفتها الجائحة على المستوى الاجتماعي، بشكل خاص.
كما ينتظر منه أن يترجم التوجيهات الملكية الداعية إلى إصلاح اجتماعي بنيوي شامل إلى واقع ملموس، من خلال التعميم التدريجي للتغطية الاجتماعية.
ولقد أظهرت الأزمة الصحية المرتبطة بكوفيد 19 هشاشة المنظومة الصحية، ولن تكفي المجهودات المبذولة على مستوى التمويل أو على مستوى الموارد البشرية، في نظرنا، لسد الخصاص الذي يعاني منه القطاع،والمتمثل أساسا في ضعف التأطير الطبي وسوء توزيعه وغياب بنية تحتية قوية، ترتكز على محورية “المستشفى العمومي”.
كما أظهرت الجائحة، أن الرهانات المرتبطة بقطاع التعليم، والذي يعد بدوره من أبرز القطاعات الاجتماعية، هي رهانات أقوى وأعمق من الترقيعات المتمثلة في تدعيم القطاع بإضافة 2000 منصب مالي جديد أو الرفع من الغلاف المالي المخصص للقطاع بحوالي 4 ملايير درهم… وهي رهانات مرتبطة بمدى قدرة منظومتنا التربوية على التأقلم السريع والفعال مع التحولات العميقة التي ستمس جوهر القيم الإنسانية،وترهن توازنات النظام العالمي لما بعد الجائحة، بجعل المدرسة في واجهة التحديات التي ستعرفها أزمة الهوية، وتمتحن مدى قدرتها على استغلال آفاق الثورة الرقمية في إطار إستراتيجية طموحة وواضحة المعالم والمرامي.
وفي سياق التنزيل السريع لورش تعميم التغطية الاجتماعية لجميع المغاربة، الذي سيركز بداية على تعميم التغطية الصحيةعبر مشروع قانون المالية 2021. فهذا الورش الذي ينتظر تنزيله على مدى خمس سنوات كحد أقصى، يقتضي إجراءات واسعة خاصة على مستوى توفير التمويل اللازم والكافي، وهو ما يفرض على الحكومة تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي والبحث عن قنوات للتمويل بعيدا عن إرهاق جيوب المواطنين.

السيد الوزير،
إن خيار الجهوية خيار استراتيجي لا رجعة فيه. ولقد تم تحويل ما يناهز 31 مليار درهم للجهات منذ سنة 2016. وخلال سنة 2020، وبالرغم من التراجع المتوقع لموارد الميزانية العامة،بحوالي 40 مليار درهم،  فقد التزمت الحكومة بتحويل المساهمة من الميزانية العامة للدولة كاملة،  أي 3,7 مليار درهم لفائدة الجهات،  حيث سيتم تحويل الشطر الرابع من هذه المساهمة المقدرة بحوالي 800 مليون درهم قبل نهاية هذه السنة.
كما انكبت الحكومة،  بتعاون مع المجالس الجهوية،   على تنزيل الإطار التوجيهي لتفعيل ممارسة الجهات لاختصاصاتها الذاتية والمشتركة،بالموازاة مع مواكبة ودعم الوكالات الجهوية لتنفيذ المشاريع، بجانب تفعيل المشاريع المدرجة في إطار الشطر الأول من برامج التنمية الجهوية.
ورغم هذا المجهود، فالفوارق المجالية والاجتماعية، ظلت تشكل إحدى أبرز الإشكاليات التي تعاني منها بلادنا، بحكم أن ست جهات فقط تستحوذ على 70.9 % من الثروة الوطنية. مما ينتج عنه تفاوت كبير في الولوج للخدمات الأساسية بين جهات المغرب، ويخلق تفاوتات صارخة بين مختلف المناطق.
وفي هذا السياق، خصصت الحكومة ضمن مشروع قانون المالية لسنة 2021 أزيد من ملياري درهم لصندوق التنمية القروية والمناطق الجبلية،بهدف تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية.
لكن جائحة كورونا، ساهمت في التعرية عن حجم وهوة الفوارق المجالية والاجتماعية المطروحة، وحدتها، بما فيها تلك القائمة بين الرجل والمرأة… والتي تتطلب ثورة ثقافية وسلوكية ومجهودات جمة من مختلف الفاعلين، سواء على المستوى الحكومي أو على مستوى الجماعات الترابية.ونعتبر أن مشروع قانون المالية هذا لم يأتي بجديد في هذا الباب.
إن هدف استعادة التوازن المالي والاقتصادي جراء الخسائر التي خلفتها الجائحة، لا يمكن تحقيقه،على حساب الطبقات المتوسطة والهشة. وهو ما يستدعي تبني قانون مالي بنفس اجتماعي قوي. وهو ما لم نلمسه – للأسف – في النسخة الحالية من مشروع قانون المالية، حيث جاء هذا المشروع بملامح سنة أخرى قاسية على المغاربة، وخصوصا الفئة الأضعف منهم من محدودي الدخل والأشد فقرا.

السيد الوزير،
إن من أبرز مكامن الخلل في اقتصادنا الوطني، أن ما يقارب ثلثي (2/3) الأسر المغربية تعيش من القطاع غير المهيكل، ولا تتوفر على حماية اجتماعية، بجانب هشاشة النسيج الإنتاجي، وهيمنة التعامل النقدي.هذا،بجانب ارتباط عدد من القطاعات بالتقلبات الخارجية،  والارتباط الجوهري والبنيوي للقطاع الفلاحي بالتقلبات المناخية وبشح وندرة الموارد المائية.
كما أننا نعاني من ضعف في تجنيد الرأسمال البشري على جميع المستويات، ومن ضعف الحكامة. وهو ما يستدعي تعزيز نجاعة الإدارة العمومية، وتعميم ممارسة ربط المسؤولية بالمحاسبة، ومحاربة الرشوة، وترسيخ نزاهة وفعالية منظومة العدالة وتحسين مناخ الأعمال.وهو ما سيمثل الامتحان الأول والأهم للحكومة في آخر أيامها.
ويقتضي التقييم الموضوعي، الإقرار بأن الحكومة الحالية ظلت عاجزة عن التأثير في كل هذه العوامل بفعالية. وبهذا، ستكون عاجزة، في سنتها الأخيرة، عن استخلاص الدروس للاستجابة للجيل الجديد من الإصلاحات الرامية إلى تنزيل التوجيهات الملكية السامية.
صحيح، أن التوجيهات الملكية لم تكن موجهة للحكومة وحدها،  بل لمختلف الفاعلين، وعلى رأسهم البرلمان.وأن تدبير هذه المرحلة الحاسمة يقتضي اليوم تقاسم المسؤولية.لكن مسؤولية الحكومة قائمة أساسا، ومسؤولية وزارة المالية قائمة كذلك، لكونها المهيمنة على مسار مناقشة قوانين المالية، والمحتكرة للمعلومة المالية وللقدرة التقنية. وهي القادرة عمليا على تقدير الأثر المالي للإجراءات الجبائية المعتمدة، وفقا لمبدأ المسؤولية والمحاسبة.
وهو ما يتطلب من الحكومة تحمل مسؤولياتها كاملة، من خلال الانكباب الجدي والفوري على اتخاذ التدابير الكفيلة بالحد من تدهور القدرة الشرائية، وتسريح العمال، وإفلاس المقاولات، وانسداد الأفق لدى شرائح اجتماعية واسعة.

السيد الوزير،
يحق لنا أن نكون متفائلين، لكن، آخر المعطيات والسيناريوهات المتاحة حاليا، حسب والي بنك المغرب، تشير إلى تراجع قوي في الاقتصاد وخسارة ملموسة في مناصب الشغل وتدهور في التوازنات الماكرو اقتصادية، باعتبار أن التطورات الأخيرة للجائحة، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي، تزيد من مستويات الشكوك حول مآل الوضعية الاقتصادية والاجتماعية.
ومع ذلك، يحق لنا أن نكون متفائلين، ونرفع شعار الصمود والثقة والعيش المشترك.
لكن زرع الثقة في النفوس، يقتضي من القطاع الخاص بعث إشارات طمأنة للرأي العام، خصوصا في قطاعات التعليم والصحة والأبناك والتأمين…، وخصوصا في هذه المرحلة الصعبة بالذات، والبرهنة عمليا وفعليا بأنها لا تستغل الفرص في زمن الأزمات، ولا تقتات من مآسي المواطنين بهدف تحقيق الأرباح على حساب قيم المواطنة المسؤولة.
كما أن قيم الصمود الجماعي تقتضي الإلحاح مجددا على أهمية فرض الضريبة على الثروة، وعلى تضريب الفلاحة الكبيرة وإخضاع القطاع الفلاحي للضريبة التصاعدية، وابتكار بدائل جبائية تهدف إلى توسيع الوعاء الضريبي، بدل الاتكال على الحلول السهلة.
إن تعزيز الثقة والتماسك الاجتماعي، يقتضي تعزيز القدرة على الصمود أمام التغير المناخي الذي باتت تجلياته واضحة على الصعيدين الدولي والوطني، خصوصا في هذه المرحلة الدقيقة.
كما أن تعزيز اللحمة الوطنية والتماسك الاجتماعي يستدعي على المستوى الثقافي والهوياتي، التنصيص على ميزانية خاصة بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية في قانون المالية هذا. وهو ما لم نلمسه في هذا المشروع.

السيد الوزير،
لقد قدمنا تعديلات في إطار مساهمة برلمانيي حزب التقدم والاشتراكية في تجويد وثيقة الميزانية، ودفع الحكومة لإجراء تغييرات في سياساتها المالية والاقتصاديّة، وهي في غالبيتها تعديلات الغاية من تلك التي تهم الإعفاءات هو إخضاع الأنشطة الفلاحية المربحة للضريبة، حيث اقترحنا،في أفق إصلاح جذري للنظام الضريبي ليكون أكثر عدالة، ووعيا منا بمبدأ المساواة أمام تحمل التكاليف العمومية،تخفيض السقف الضريبي المعفى من الضريبة المفروضة على الدخول الفلاحية العالية، معتبرين أنه ليس من الطبيعي الاستمرار في هذا الوضع غير العادل، سيما،وأن القطاع الفلاحي يستفيد من مجموعة من الدعم في إطار مختلف السياسات العمومية الوطنية.
واقترحنا في ذات الوقت تعديلات تتوخى الرفع من الضريبة المفروضة على القيمة العقارية الناتجة عن تحويل الأراضي الفلاحية إلى مناطق حضرية، بهدف محاربة المضاربة العقارية والربح السريع والإثراء غير المشروع الذي نلاحظه في هذه العمليات، المتعلقة بالعقارات المعاد تثمينها بفضل وثائق التهيئة التعميرية الجديدة.
وفي إطار البحث عن موارد جديدة لتمويل التكاليف العمومية وتوسيع الوعاء الجبائي والسعي نحو تحقيق العدالة الجبائية، فإن المجموعة النيابية للتقدم والاشتراكية تقدمت كذلك بتعديل جوهري في مشروع قانون المالية لسنة 2021 يقضي بإحداث ضريبة سنوية على الثروة وذلك ابتداء من فاتح يناير 2021.
كما اقترحنا كذلك تعديلا يهدف إلى تحفيز البحث العلمي ببلادنا، لما له من انعكاسات إيجابية على تطوير مناهج البحث والتأطير بمؤسسات ومعاهد التعليم العالي… إلى غير ذلك من التعديلات التي ترمي إلى خلق أجواء للتماسك الاجتماعي، وحماية القدرة الشرائية للمواطنين وتخفيف الضغط على الطبقة الوسطى، بحكم الدور المنوط بها في هذه الظروف الصعبة التي تجتازها بلادنا.
إلا أنه، مع الأسف، فإنكم ارتأيتم رفضها جملة وتفصيلا، بدون مبرر مقنع، حتى تبقى وثيقة الميزانية في التوجه الذي اخترتموه لها، دون أن يكون بين أيديكم أي مقود ثابت وصامد.

السيد الوزير،
إن كل المؤشرات والأدوات المتوفرة أمام أيدينا، والتي تساعدنا على مسائلة المعطيات المالية التي يحملها مشروع قانون المالية 2021، تدل على أن هذا المشروع اتصف بالاستمرارية في نفس المنهجية والوتيرة في صرف الميزانية، وفي عدم تحقيق التوازن القطاعي والمجالي، مع الاستمرار في تغييب القواعد الخاصة بترشيد النفقات العمومية.
كما أن استحضارنا للبعد الحقوقي المرتبط بوضع وتنفيذ السياسات العمومية ،في امتداداتها المالية، يجعلنا متشائمين تجاه قدرة هذا المشروع على الترجمة الحقيقية لتطلعات المواطنين المغاربة، وعلى الاستجابة لتحديات الظرفية.
فقد أبان مشروع قانون المالية لسنة 2021 عن قصور حاد في إعادة النظر في توسيع قاعدة الإعفاءات الضريبية،مع جعل كل الامتيازات مقرونة بالنفع العام،مثل خلق مناصب الشغل الحافظة للكرامة والضامنة للاستقرار، إضافة إلى عدم إخضاع كل الصناديق لمبدأ المراقبة والشفافية، والحد من الإنفاق الغير المنتج للخدمة العمومية، مع اعتماد مبدأ توظيف الموارد وفق المنفعة العامة.
كما أن عدم ترجمة مبدأ تجريم التملص الضريبي وتقوية نظام المراقبة، وتطبيقه على الجميع بدون تمييز، على مستوى مشروع قانون المالية، مع القصور في إرسال إشارات قوية في اتجاه وضع حد للإفلات من العقاب في الجرائم الاقتصادية والعمل على استرجاع الأموال العامة المنهوبة والثروات المهربة.
وهو ما يتطلب، من جهة أخرى، الإسراع بالمصادقة على القانون الجنائي، لما يتضمنه من مقتضيات هامة تمكن من محاربة الإثراء غير المشروع، وذلك بالتفاعل الإيجابي لوزارة العدل مع هذا المطلب، مع رفض إفراغ هذا القانون من مضمونه.
كلها عناصر وعوامل تجعلنا سنصَوَّتَ ضد هذا المشروع، بالنظر إلى أنه مشروعٌ عَــجَــزَ عن تقديم الحلول للمعضلات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه بلادنا في هذه الظروف القاسية، سواء على مستوى إنعاش الآلة الإنتاجية، أو على صعيد التصدي للفقر والهشاشة والبطالة.

Related posts

Top