أكد الرئيس الأول لمحكمة النقض، مصطفى فارس، على ضرورة التفاعل السريع مع ما تضمنته الرسالة الملكية الموجة لوزير العدل والحريات، والتي تنبه إلى الأخطار التي باتت تمثلها ظاهرة الاستيلاء على عقارات الغير، التي تعود ملكيتها للأجانب والمواطنين خاصة المقيمين بالخارج.
وقال الرئيس الأول لمحكمة النقض، في تدخله في لقاء خصص لمقاربة ظاهرة الاستيلاء على عقارات الغير المنظم بالرباط الاثنين الماضي، إن الموضوع يتعلق بشكل مباشر بالأمن العقاري للمغرب، وبحق الملكية المكفول دستوريا، وبالاستقرار، وبالاستثمار، وبالتنمية، بل وبمحاولات أيدي إجرامية امتدت لأملاك الغير تريد قطع أواصر ارتباط أجانب ومواطنين بالوطن.
وكشف مصطفى فارس أن تلك الممارسات المتكررة والتي أكدت الرسالة الملكية على استفحالها، هي من فعل عصابات ولوبيات منظمة محترفة تضم أحيانا في صفوفها عناصر أجنبية قد تقوم بجزء من أنشطتها حتى خارج التراب المغربي، مقرا بحكم العارف بخبايا التعقيدات التي تطرحها مثل هذه الأفعال “أن الأمر يتعلق بمجموعة من الإشكالات القانونية والتنظيمية والقضائية وتكتسي أبعادا دستورية وحقوقية واقتصادية، وطنيا ودوليا، وتقتضي الكثير من الموضوعية والمهنية والوطنية الصادقة لمقاربتها من أجل تطويقها”.
وشدد فارس على أن جرائم الاستيلاء على أملاك الغير وراءها أشخاص محترفون في رصد الثغرات القانونية والتجاوزات الإدارية وتصيد ضعاف النفوس من موظفين ومهنيين وقانونيين من أجل مساعدتهم على الاستيلاء على عقارات الغير، إما زورا أو احتيالا ونصبا، حيث يقوم هؤلاء “بعملية التحريك عن بعد لأشخاص مهمشين اجتماعيا مقابل إغراءات مالية بسيطة لاستعمالهم كواجهات لإجرامهم حتى يتملصوا هم من المسؤولية والعقاب”، وهي إشارة على ما يبدو من المسؤول القضائي إلى ما تسرب من أخبار حول بعض الملفات بهذا الشأن التي اتهم بالتورط فيها أشخاص ينتمون لصفوف فئات من المهن القضائية.
واقترح مصطفى فارس، لمحاصرة الظاهرة، تبني خارطة الطريق التي حملتها الرسالة الملكية، بحيث يتم اعتماد مقاربة تشاركية وخطة شمولية متكاملة لتفصيل كل العناصر الواقعية لهذه الظاهرة والإحاطة بكل جزئياتها، مع اعتماد أساليب التحسيس والتكوين والحكامة والردع.
ودعا فارس، في ذات الوقت، إلى التعجيل بالمسار التشريعي لمشروع القانون رقم 16-69، والذي تم تقديمه قبل أشهر، والذي يرمي إلى إدخال الوكالة ضمن الوثائق الواجب تحريرها بعقد رسمي أو من طرف محام مؤهل لذلك.
كما دعا إلى التعجيل بتعديل نص المادة 2 من مدونة الحقوق العينية، معتبرا أنه في حال الإبقاء عليها بصيغتها الحالية، ستساهم في تكريس هذه الأوضاع غير المنطقية وستؤدي إلى ضياع الحقوق والمس بالأمن العقاري للأفراد، خاصة فيما يتعلق بأجل الأربع سنوات المنصوص عليها لرفع دعوى المطالبة بالحق، والذي يستغل في الاستيلاء على أراضي الملك الخاص للدولة”حسب تفسير الرئيس .
كما نبه إلى ضرورة التركيز على الموظفين الذين يمتلكون المعلومة حول العقار، وقد تصدر عنهم تجاوزات يتم استغلالها من طرف مافيات الاستيلاء على العقار، قائلا “لا بد من الحديث بجدية وبصراحة عن التجاوزات التي يقوم بها للأسف بعض الأشخاص بالنظر إلى احتكارهم للمعلومات حول الوضعيات الواقعية والقانونية لهذا النوع من العقارات ويقومون بتوظيفها واستغلالها للاستيلاء على أموال الناس زورا أو بهتانا”.
وشدد على اتخاذ أكبر الاحتياطات عند الشك في صحة معاملة عقارية تحوم حولها الشكوك أو الريبة، وكذا التأكيد على الدور الأساسي والمحوري للمحافظة العقارية كمصدر للمعلومة وللوثائق وكفضاء خدماتي يتعين مواصلة تحديثه وتطوير آليات اشتغاله حتى يتاح للملاك الإطلاع بشفافية ويسر على وضعية أملاكهم دون عناء أو كلفة أو تأخير.
ولفت إلى أن العملية العقارية تضم متدخلين آخرين، ويجب عليهم الانخراط بكل إيجابية والمشاركة في تطهير هذا المجال من المتلاعبين والمستهترين والمخلين بواجباتهم المهنية عمدا أو إهمالا، مقترحا بنوع من التأكيد على ضرورة وضع برنامج تكويني وتحسيسي جاد عملي يضم إلى جانب أطر المحافظة العقارية موظفي الإدارة الضريبية والمصالح المكلفة بالمصادقة على الإمضاء ومهني توثيق التصرفات العقارية من موثقين وعدول ومحامين كأحد الآليات الاستباقية والوقائية لمواجهة هذه الحالات الإجرامية.
فنن العفاني