على مدى ثلاثة أيام عاشت ساكنة مدينتي العيون والمرسى على إيقاع الفرجة والمتعة من خلال عروض لمسرح وفنون الشارع احتضنتها ساحة المشور بوسط المدينة والساحة الكبرى ببلدية المرسى خلال الفترة الممتدة من 8 إلى 10 أبريل 2016.
وقدمت ثماني فرق مسرحية واستعراضية عروضها الفنية لجمهور متعطش لهذا النوع من الأنشطة الفنية.
وتميز حفل افتتاح مهرجان العيون لمسرح الشارع المنظم من قبل جمعية أوديسا للثقافة والفن، بتكريم الثنائي الفني خديجة أسد وعزيز سعد الله الذي أغنى الساحة الفنية بأعمال مسرحية وسينمائية وتلفزيونية امتدت لأزيد من أربعين سنة..
واختار منظمو الدورة الثانية من مهرجان العيون لمسرح الشارع الانفتاح على المدن المجاورة من خلال تخصيص يوم كامل لجمهور مدينة المرسى الذي التقى الفنانين المكرمين وباقي الفرق المشاركة بشكل مباشر حيث تبادل المتفرجون الحديث والنقاش مع الفنانين والتقطوا معهم صورا وتحقق التواصل الإنساني الذي تسعى إليه فنون وفرجات الشارع.
وتعتزم إدارة المهرجان تعزيز هذا المكسب في الدورات المقبلة من خلال تخصيص أيام من المهرجان للمدن التابعة للجهة حيث ستحتضن مدينة طرفاية في الدورة الثالثة عروض وأنشطة موازية لتلك التي تحتضنها ساحة المشور.
يذكر أن الدورة الثانية لمهرجان العيون الدولي لمسرح الشارع استضافت أزيد من ثمانين فنانا وفنانة من إسبانيا وألمانيا وإيطاليا والأرجنتين فضلا عن الفنانين المغاربة القادمين من مدن سلا وطنجة والدار البيضاء والرباط واكادير، كما عرفت الدورة تغطية إعلامية واسعة من قبل المواقع الإلكترونية المحلية والوطنية والصحافة المكتوبة من المغرب وإسبانيا وموريتانيا والقنوات التلفزية الوطنية.
ينظم مهرجان العيون الدولي لمسرح الشارع بدعم من وزارة الثقافة، وبشراكة مع المسرح الوطني محمد الخامس، ومجلس جهة العيون الساقية الحمراء، والجماعة الحضرية للعيون ولمدينة المرسى، ومؤسسة البنك الشعبي، ومؤسسة فوسبوكراع، ووكالة الجنوب.
عرف الحفل الختامي المنظم بقاعة العروض التابعة للخزانة الوسائطية بمدينة المرسى ـ 25 كلم جنوبي غرب مدينة عيون الساقية الحمراء ـ الذي استمر إلى ساعة متأخرة من الليل تنظيم لقاء تواصلي لجمهور المدينة مع الثنائي الفني خديجة أسد وعزيز سعد الله المكرميْن خلال فعاليات هذه الدورة، والذي أطره الأستاذ الحسين الشعبي، عرض من خلاله النجمان مقتطفات من سيرتهما الفنية التي امتدت على مدى أكثر من أربعة عقود، قدما خلالها إبداعات مميزة، سواء على الركح عبر فرقة مسرح الثمانين، التي أمتعت الجمهور وطنيا ودوليا بمسرحيات من قبيل “سعدك يا مسعود”، “برق ما تقشع”، “كوسطا يا وطن”، “خلي بالك من مدام”، وهي أعمال لامست واقع المجتمع المغربي، وحملت رسائل سياسية واكبُت التحولات التي عرفتها المملكة المغربية؛ أو عبر الشاشة الصغيرة بمسلسل “بنت البلد”، “هي وهو” أو برنامج “3TV “، سلسلة “لالة فاطمة”.. وأجاب الثنائي الفني المميز بصدر رحب على مختلف الأسئلة التي طرحها الجمهور الحاضر والمتعلقة أساسا بجديدهما الفني، ومشاريعهما المستقبلية، ومدى الاستفادة من فترة تواجدهما الطويل بكندا، وآرئهما في الجيل الجديد من الفنانين خريجي المعهد العالي للمسرح والتنشيط الفني، واستعدادهما للأخذ بيدهم في بداية مشوارهم.
هذا وكان برنامج النسخة الثانية من مهرجان العيون الدولي لمسرح الشارع غنيا بالفقرات المتنوعة بين ندوات ولقاءات ثقافية وفكرية أطرها كل من خالد أمين، حسن يوسفي، عبد الواحد بنياسر، محمد جلال أعراب، محمد قاوتي، محمد بهجاجي، الحسين الشعبي، طارق الريح، وسعيد كويس.. إلى جانب تنظيم ورشات تقنية وتكوينية لفائدة الشباب المهتم بالمسرح، منها ورشة همت صناعة الدمى أطرها أحمد بنميمون، وورشة فن الحكي أشرف عليها نبيل المنصوري، فيما أطر عماد فجاج ورشة للتشخيص.
أما العروض الفنية التي أثتت فضاءات المدينة فتنوعت بين ألعاب السيرك، التي نشطها زكريا الهنوش والفولي دو سيرك، وسيرك ماندراكولا لخوان كريس باركومانط ومرينا سيلفا، وفن التماثيل الحية لاخورخي عمر بالمسيدا من إسبانيا، وفيور داميان من إيطاليا. فضلا عن عرض مسرحية أنتجت خصيصا لمسرح الشارع، منهات مسرحية “الجايحة” لفرقة زانكار من الدار البيضاء من تشخيص فيروز عاميري وعماد فيجاج، ومسرحية “التشرميل” لمسرح سفر من الرباط، من تأليف وإخراج عبد العزيز الخلوفي، ومسرحية “جحا في الحلقة” لفرقة تيرمينوس للفنون من الدار البيضاء من إنجاز ربيع بنجحيل ونبيل المنصوري، ومسرحية “الطاكسي” لفرقة اونكور من مدينة سلا، من تأليف نبيل المنصوري وإخراج عثمان السلامي، وتشخيص محسن ماليزي، ياسين السكال، نبيل المنصوري، هجر الشركي وزهير أيت بنجدي. وعروضا لمجموعة غنائية ومسرحية مكونة من فنانين شباب ينحدرون من تغمرت بإقليم كلميم وعروض أخرى من ألمانيا.
هذا، ويسعى مهرجان العيون الدولي لمسرح الشارع الذي عرفت دورته الثانية نجاحا منقطع النظير، سواء فيما يتعلق بالجانب التنظيمي أو القيمة الفنية للعروض، أو الإقبال الجماهيري المكثف، إلى إبراز الطاقات الثقافية والفنية التي تزخر بها مدينة العيون، والأقاليم الجنوبية للمملكة عموما، وكذا تأكيد قدرة العيون على احتضان تظاهرات فنية كبرى من هذا الحجم في أفق أن تتحول إلى قبلة لفناني ومثقفي العالم.
إلى ذلك، ضربت جمعية أوديسا، الجهة المنظمة، موعدا مع النسخة الثالثة لمهرجان العيون لمسرح الشارع خلال السنة القادمة على أمل تطعيم فقراته وإغنائها بالمزيد من الفرق والتجارب الوطنية والدولية وتكريم وجوه وفعاليات مغربية وعربية وعالمية.
****
الندوة الفكرية للمهرجان تقارب مفهوم فنون الشارع وخصوصياتها
أي موقع للفرجة في المجال العمومي بما في ذلك مسرح الشارع؟
التأمت ندوة فكرية وطنية حول موضوع “أي موقع للفرجة في المجال العمومي بما في ذلك مسرح الشارع؟” ضمن فعاليات مهرجان العيون لمسرح الشارع في دورته الثانية المنظم من طرف جمعية أوديسا للثقافة والفن بمدينة العيون بالصحراء المغربية من 8 – 10 أبريل 2016، شارك فيها باحثون وممارسون، حاولوا، كل من وجهة نظره، وانطلاقا من تجربته الشخصية أو معاينته لظاهرة مسرح الشارع ببلادنا وفي العالم، أن يقاربوا مفهوم مسرح الشارع ضمن الإطار العام الذي يشمل فنون العروض الحية وفنون الشارع.. وفيما يلي بانوراما مقتضبة لبعض مداخلات الندوة:تدخل د. خالد أمين: الـ «فرجة» تتيح لنا إمكانية إدماج كل أنواع فنون المدينة التي تركها المسرح وراءه
بالرغم من الاعتقاد السائد بأن مسرح الشارع ظاهرة طارئة وجديدة في المشهد الفرجوي المغربي، فقد تفاعل المسرح المغربي مند نشأته في عشرينات القرن الماضي مع فضاءات خارج الترتيب المسرحي الأرسطي، إذ عرضت أولى مسرحيات الفرق الهاوية بمدينة فاس بساحة السراجين. كما شهدت العديد من المواقع الأثرية المغربية من حيث هي “أمكنة للذاكرة”: وليلي، شالة، باب منصور، باب الماكينة… مجموعة من الفرجات التي تفاعلت مع ذاكرة المكان، دون أن تسمى بالفرجات المتفاعلة مع الموقع أو الخاصة به. في نفس السياق، نستحضر مجموعة من أعمال فرقة المعمورة الرائدة سواء في موقع وليلي الأثري أو مواقع أخرى حيث كان الجمهور يتنقل من فضاء لآخر رفقة الممثلين… والحال أن أغلب الفرجات المغربية الخارجة عن الترتيب المسرحي الإيطالي برزت في ثمانينات القرن الماضي على شكل ملاحم قدمت في مناسبات رسمية، وهذا ربما من بين الأسباب التي جعلتها تقابل بالصمت من لدن النقاد رغم قيمتها الفنية.
ومع ذلك، يدفعنا تلمس مفهوم الفرجة في المجال العمومي إلى احتراس منهجي يسعى إلى تفادي الإنزلاق وراء تعميمات وتجريدات تسهم في تبخيس محتواه. كما يساعدنا على إعادة النظر في السلوكات الفرجوية الخارجة عن دائرة الممارسات الأدائية الصرفة؛ والأهم من هذا هو إعادة تقييم مفهومنا للمسرح وباقي فنون المدينة. فقد أصبح من الضروري أن نتخلى عن المفهوم التقليدي للمسرح، ذلك أن كلمة «فرجة» تتيح لنا إمكانية إدماج كل أنواع فنون المدينة التي تركها المسرح وراءه، كما تمكننا من النظر إلى المسرح في حد ذاته من وجهة نظر نقدية مغايرة تتيح إمكانية مقاربة تداخلات ومشتركات بين المسرح وسلوكات فرجوية أخرى خارج البناية المسرحية.
فالفضاء الذي تشغله فرجات الشارع يتميز ببعده الرمزي من حيث هو بنية مكثفة بالدلالات؛ فهو لا يقيم القطيعة بين عوالم العام والخاص عبر فصل الممثلين / المؤدين عن مورفولوجيا المكان والجمهور. بل أكثر من هذا، تستدرج أغلب فرجات الشارع جمهورها للمشاركة في صناعة الفرجة عوض الاكتفاء بالتلقي السلبي. وهذا يعني أن جمهور فرجة الشارع سرعان ما يتحول إلى صانع لها. لا يوجد حد فاصل بين الوهم والحقيقة. وهذا ما يجعلها تراوح بين العام والخاص، القدسي والدنيوي؛ إنها ببساطة، تتموضع في فضاءات المابينية.
تقتحم فرجات الشارع فضاء عموميا ما لتربك طمأنينته وتختفي بعد ذلك.. ولكن ذاكرة هذا الحدث الفني الطارئ سرعان ما تظل مشعة في المكان خاصة بالنسبة للجمهور الذي عاش تفاصيلها.. تخلخل فرجات الشارع الحياة العادية، إذ تجمع بين المنتوج الفني وأثره على المتلقي، من جهة، والفضاء العمومي، من جهة ثانية. فبالإضافة إلى تنشيط الفضاءات الخارجية، يضطلع مسرح الشارع بدور تأطير الحياة اليومية ضمن قالب لعبي فني يلغي الحدود القائمة بين الفن واللا فن…
سأحاول فيما يلي أن ألفت الانتباه للفرجة الخاصة بالمواقع في حدود علاقتها بذاكرة طنجة الإبداعية خاصة من خلال مهرجان طنجة للفنون المشهدية.
ما هي الفرجة الخاصة بالمواقع؟ إنها ببساطة فرجات يتم التفكير فيها، إخراجها، وإنجازها في مواقع أثرية أو أمكنة الذاكرة… إذ لا قيمة لهذه الفرجات بمعزل عن مورفولوجية الموقع التي تنبعث منه… الفرجة الخاصة بالموقع هي من بين الأطياف الفنية الأقل تواترا رغم ما تفجره من طاقة ونقاش داخل البلدان العربية وخارجها. ففي الوقت الذي يتم فيه توجيه عناية كبيرة للفرجة الخاصة بالموقع في سياقاتها الواسعة على الصعيد العالمي، فإن السياقات العربية الإسلامية ما زالت في حاجة لمواصلة البحث.
وفي سياق الفرجة الخاصة بالمواقع ثمة تجربة تستحق الوقوف عليها وهي “فرجة الجسد الراقص- الفضاء الراقص” ( طنجة المشهدية / دورة 2010):
أنجزت “فرجة الجسد الراقص- الفضاء الراقص” على هامش ندوة “الفرجة الخاصة بالموقع”: المرة الأولى بسور المعكازين بطنجة، إذ ركزت على إبراز العلاقة بين الرقص المعاصر والعمارة (الأول يرتكز على الحركة والدينامية، بينما المعمار هو جسد ثابت لا يتحرك)؛ تمت إعادة نفس الفرجة بساحة متحف القصبة في 2011.. ومن هنا جاء المشروع الفني المختبري “من يخاف الفرجة الخاصة بالموقع؟” سنة 2011 كمساءلة لنظريات وتطبيقات الفرجة الخاصة بالموقع على نحو ينعكس عليها بالذات. اعتمد العرض على سينوغرافيا الموقع، وهو متحف القصبة بكل حمولاته التاريخية والمعمارية من حيث هو فضاء لحفظ الذاكرة un lieu de memoir. فالكوريغرافيا هي رحلة عبر إيقاعات مختلفة من الرقص، وتناغم حركة الجسد مع محيطه المباشر (الفضاء والحركة والحدث) وبالتالي فهي تعكس كيفية تفاعل الجسد بتلقائية مع الفضاء من خلال بحث في ذاكرة الجسد، واستكشاف القناع المحايد للجسد ومسرحته، والرقص بجميع أشكاله.
إن الرقص والعمارة مرتبطان ارتباطا وثيقا. فأحدهما يعتمد على فعل التنقل والحركة، والآخر يقوم على تثبيت هيئات المكان من خلال تصاميم سرعان ما تصبح محيطنا. ورغم اشتغالهما المتباين على المكان، سواء كان ساكنا أو متحركا، فإن كليهما يركز على تصوراتنا للمحيط، وعلى كيفية تمثلنا للعالم وكيفية تحوله. إن متحف القصبة في هندسته، وهو قصر سلطاني (بني على أنقاض قلعة يورك التي دمرها الإنجليز قبل انسحابهم الاضطراري من طنجة جراء حصار جيوش المولى إسماعيل) كان موقعا مثاليا للعرض. ذلك أنه مكان مشحون بالحمولات التاريخية، وترسبت أحداثه في أبعاد وذكريات متعددة، علاوة على كونه فضاء فسيحا لإشراك الأدائية / الفرجة الحية.
***
تدخل د. محمد جلال أعراب:البعد الفرجوي للحلقة في الفضاء العام (ساحة جامع الفنا بمراكش نموذجا)تتميز ساحة جامع الفنا بمراكش بهندسة دائرية، حيث يتناغم هذا الشكل الدائري مع الهندسة العامة للمدينة. ويساعد هذا الشكل أصلا الحلايقي على رسم دائرته لممارسة لعبه وحكيه. الساحة في البداية فارغة، يحط الحلايقي رحاله وأمتعته ولوازم عمله، بعد أن يكون قد حدد المكان الذي سيكون مسرحا لنشاطه الفرجوي. ومنذ هذه اللحظة تبدأ عملية التفضية: تموقع الجسد، تحديد المسافة بين الناظر والمنظور إليه، تأثيث المكان بالأكسسوارات، وتوزيعها على الأرض بإحكام. فيثير فضول المارين والمترددين على الساحة، والعاشقين لفن الحلقة. المساحة فارغة، يملؤها الحلايقي بجسده وأكسسواراته، فيلتئم الناس، ناظر ومنظور إليه، وموضوع، ثلاثة عناصر كافية لتحدد عملية التفضية، ويتحقق فعل من أفعال المسرح، يقول بيتر بروك: “أستطيع أن أتخذ أية مساحة فارغة وأدعوها خشبة مسرح عارية. فإذا سار إنسان عبر هذه المساحة الفارغة في حين يرقبه إنسان آخر، فإن هذا كل ما هو ضروري كي يتحقق فعل من أفعال المسرح” (بيتر بروك، المساحة الفارغة، ترجمة وتقديم فاروق عبد القادر، مركز الشارقة للإبداع الفكري، مكتبة المسرح 2، ص 15).
يعي الحلايقي جيدا منذ البداية أن تقسيم الفضاء، والتحكم في المسافة التي تربطه بالمتلقي من شروط نجاح عمله، كما أن المتلقي يعي جيدا منذ البداية أن هناك مسافة بينه وبين الحلايقي لا يجوز تجاوزها، ولا يجوز ولوج منطقة الحلايقي إلا بأمر منه بدعوة للمشاركة في مجريات أحداث القصة. هذه العلاقة البيشخصية، شخصية الحلايقي كطرف أول والمتلقي كطرف ثان، تحتم على الناظر الانصياع لسلطة المحكي وتمسرح الأداء وشروط التفضية.
تفرض التفضية على المتلقي وضعية الثبات، وتمتع الحلايقي بحرية الحركة، والاستدارة، والتنقل، والوقوف، والجلوس… فهو صانع الفرجة، ومهندسها، ومديرها.
****
تدخل الفنان طارق الربح:فرجات مسرح الشارع بالمغرب.. الغنى والتنوع تنوّع عروض مسرح الشّارع
أهم عنصر نصطدم به في مجال دراستنا للجانب الجمالي والمهني لِفرجات مسرح الشّارع هو التّعدُّد والتّنوُّع الذي تعرفه هذه الفرجات، على غرار الفرجات الشّعبية المغربية. حيث نجد أنّ لكلّ فرقة طريقة اشتغال مغايرة، وتعتمد جماليات خاصّة بها، بل نجِد أحيانا أنّ الفَرقَ شاسع بين عرضين مسرحيين لنفس الفرقة، مثل مسرحيّة “للا ميكا” الّتي تعتمد على الدمى العملاقة، ومسرحية “تقرقيب النّاب” الّتي ترتكز على الحكي المنطوق ولعب الممثّل، والمسرحيّتان معا لنفس الفِرْقة وهي “المسرح الرّحّال”، ولنفس المخرج وهو “محمّد الحسّوني” مدير الفرقة.
لا يمكن الحديث عن خُصوصيات اشتغال الفرق قبل أن نُقارب خصوصيات العروض ومميّزاتها عن بعضها البعض. ولهذا الغرض نقترح مجموعة من العلاقات التي تحكم وتتحكّم في هذا التنوّع، وهي كالتالي:
> الفرجة في علاقتها بمكان العرض، حيث تتراوح فيه ما بين الثبات والتنقل والانتشار.
> الفرجة في علاقتها بالجمهور، وهي علاقات في غالبها إما أن تكون أفقية أو عمودية، إن على مستوى الدِّراية بالموضوع والقصّة أو على مستوى التِّموضع في المكان العمومي.
> الفرجة واختياراتها الجمالية المؤثثة للفضاء” السينوغرافيا”، وهي إما أن تكون جامدة أو متحركة.
> الفرجة ومحتواها الدراماتورجي: إما أن يكون حكيا كلاميا، أو حكيا بالصورة، أو حدثا يَخْلُق ظروفا تساعد على حكي يُشرِك في صنعه فعاليات العرض والجمهور على حدّ سواء.
تتفاوت مستويات الاشتغال على هذه المعطيات من عرض لآخر، الشيء الذي يجعل من محاولة تأطير أنواع مختلفة من هذه الفرجات مهمة تكاد تكون مستحيلة، فتبقى النّقط سالفة الذكر عبارة عن أدوات نقدية تساعدنا على تحديد زاوية تناول العرض بالدراسة والتّحليل. في مجال مسرح الشارع، تكاد كلّ تجربة، متخصصة في اختيارات جمالية معيّنة، أن تصبح نوعا مسرحيّا حضريّا قائما بذاته، وهنا يَكْمُن غنى وتنوع الفرجات المسرحية الخارجية.
> عوامل انتشار مسرح الشّارع بالمغرب
تتصف التجارب المغربية القليلة إلى حدود اليوم بالبساطة في التقنيات وصغر حجمها، باستثناء بعض المشاريع الفنية التي اقتُرِحَت ومُوِّلت من طرف مؤسّسات دولية أو بتعاون مع نظيراتها المغربية، مثل تجربة عرض: “القراصنة”، سالف الذكر، والذي قُدِّم لسنوات متتالية فوق المياه، على مصب أبي رقراق بين مدينتي الرباط وسلا.
نستطيع رصد بعض وجوه نجاح وانتشار ظاهرة مسرح الشارع اعتمادا على مؤشرات متعدِّدة، أهمُّها:
> التنوع المُقْتَرح في الفرجات المسرحية
> الاشتغال الفنّي
> بساطة إنجازات العروض
> إقبال وتجاوب الجمهور المغربي
> مجّانية العروض
> الدعم الرسمي والخصوصي
> انتظام معظم الفعاليات في جمعيات أو مقاولات أو مؤسّسات فنية، ممّا يٌسهّل العمل والتعامل.
العيون/ بيان اليوم: زكريا العكاري
الصور بعدسة: الفنان عبد العزيز خليلي