تتواصل بشكل رتيب ومتقطع، دورات النسخة الرابعة عشرة من البطولة الوطنية الاحترافية لكرة القدم بقسمها الأول، وجاءت هذه الانطلاقة بنفس شاكلة المواسم الماضية، باستثناء إحداث تغيير حول نظام المسابقة، خاصة بالنسبة لعملية الصعود والنزول.
نسخة رابعة عشرة من عمر الدوري الذي يسمى بـ “الاحترافي”، تجاوز عقده الأول بأربع سنوات، لكن كلما تزايد عدد السنوات، تراكم –ويا للغرابة- حجم المشاكل، إلى درجة وصول الأغلبية الساحقة من الأندية، لحافة الإفلاس المبين.
انطلق موسم جديد من البطولة، دون أن يتم إيجاد حلول للاختلالات التي تعصف بالأندية، مشاكل بالجملة، تزايد الديون قاد نحو إفلاس مالي، عقود غير مصادق عليها، مكاتب بعضها فاقدة للشرعية، ظهور صراع من نوع خاص بين الشركة والجمعية الأم، والعديد من الملفات المتراكمة، إلى درجة لم يعد هناك أمل في أي تطور منشود، في ظل واقع محبط لكل العزائم…
أندية وجدت نفسها مجبرة على البحث عن ملاعب لاحتضان مبارياتها، فرق لا تتوفر حتى على ملعب خاص بالتداريب، والعديد من الظواهر السلبية التي تعصف بأندية “البطولة برو”.
إن ما وصلت إليه الأغلبية الساحقة من الأندية الوطنية، يعبر عن إدانة حقيقية لنوع من التسيير، أصبح عائقا حقيقيا أمام مسارها، إلا أن هذه الوضعية المؤسفة، لا تلغي مسؤولية الأجهزة التي تقوم على الشأن الكروي على الصعيد الوطني، من جامعة مشرفة وعصبة مدبرة…
فالتمادي في التساهل، وغض الطرف عن حالات مماثلة، كما كان معمول به في السابق، وعدم التدخل الحازم في مجموعة من المواقف الحاسمة، وتفادي التشدد أمام حدوث المخالفات، ترك الحبل على الغارب، مما شجع على التمادي في ارتكاب الأخطاء، إلى أن وصلت الأمور إلى حد الإفلاس الحقيقي…
فكثيرا ما ارتفعت أصوات مطالبة، تحث على ضرورة التشدد تدريجيا في تطبيق بنود دفتر التحملات، والحرص على حماية الأندية والممارسة بشكل عام، إلا أن غياب الصرامة، والدخول في اعتبارات خاصة، تطغى عليها أحيانا المجاملة والتحالفات الظرفية، ساهم في تقويد الأمور، والتشجيع على التمادي في ارتكاب الأخطاء…
لكن عندما حضرت الصرامة، وتم تطبيق التشدد في التعامل مع الملفات، وقف “حمار الشيخ في العقبة”، وأصبحت أغلب الأندية – إلا من رحم ربي- عاجزة عن تدبير أمورها الداخلية، مع تسجيل نجاح بعض المسيرين في حل الإشكالات العالقة، خاصة المالية منها.
فما وصلت إليه الأندية من أزمة طاحنة، سببها أيضا غياب الشفافية، وعدم الوضوح في التسيير وغياب الحكامة، والتفكير أساسا في تحقيق المصالح الخاصة، يحدث هذا في غياب تام للمراقبة والمحاسبة، الشيء الذي جعل الأندية مجرد وسيلة للكسب غير المشروع، وعقد صفقات في الظلام دون حسيب أو رقيب.
هذه هي الوضعية القاتمة لبطولة وطنية احترافية، كان من المفروض بعد نسختها الـ (14) أن تكون قد قطعت أشواطا مهمة، على درب المأسسة والتطور، ووضع آليات التدبير والتسيير المحكم، واحترام التخصصات، وتشجيع رهان التكوين والتأطير، وإبراز النخب والكفاءات العالية.
إلا أن شيئا من هذا لم يحدث، لتستمر سيطرة التسيير الهاوي في الإشراف على أندية تنشط ببطولة “احترافية”.
>محمد الروحلي