مولد المؤلف

عرفت أفلام الويسترن وما زالت تعرف إقبالا جماهيريا وشعبية كبيرة في مختلف بقاع العالم مند بدايات السينما، ولم يطرح ولو للحظة أننا في كل مرة، نشاهد نفس الحكاية أو أن الأمر يتعلق بنوع من التكرار. يكفي أن يتغير المخرج والممثلون أو الديكور لرسم أفق انتظارجديد. تخضع إذن هذه النوعية من الأفلام، الجنس السينمائي الأمريكي بامتياز، كما باقي الأجناس السينمائية الأخرى، لنفس الخطاطة الدرامية ولنفس المعايير التي تحدد طباع الشخصيات والأجواء العامة للفيلم، والكيفية التي تتطور بها الأحداث المؤدية في النهاية إلى مشهد المبارزة المعروف.
 كان على هوليود في عصرها الذهبي، أن لا تتوقف عن صنع الأفلام لأن الطلب كان في تزايد والسوق يطلب بشراهة، الجديد والقديم. كان كاتب السيناريو يشتغل بعيدا عن الأجواء الاعتيادية للكتابة حيث كان يكتب تحت الطلب كموظف ليعطي جسدا للحكايات المقترحة من طرف المنتج أو أن يجد تنويعات لنفس الجنس السينمائي، وغالبا ما كان المخرج يستدعى لإدارة الفيلم كأي تقني مع هامش ضيق لتغيير السيناريو والقيم التي كان ينبني عليها .
منذ اختراع  السينماتوغراف، استطاعت سينما القارة العجوز أن تحقق شعبية دون أن تقيم أية قطيعة مع إرثها الثقافي حيث جاءت الأفلام بطابع أدبي ومسرحي وجاء المخرج كاستمرارية للمؤلف والمخرج المسرحي. اندمجت السينما بسرعة في السياق الثقافي السائد بينما كان على السينما الأمريكية أن تنطلق من واقع حديث وبالتالي أن تخلق تقاليد جديدة.
في غياب إرث ثقافي وبدون تاريخ، كان على أمريكا أن تنطلق من واقع حاضرها وأن تحوله في فترة وجيزة إلى نمط تعبيري. انطلق إذن جنس أفلام الويسترن من قصص رعاة البقر وغزو الغرب، حيث شكلت هذه الأفلام مرحلة مهمة في تبلور السرد السينمائي وخلق ألفة بين المتفرج والسينما، أي أن المتفرج يذهب لمشاهدة الفيلم في إطار نوع من التعاقد الغير معلن بينه وبين الفيلم الذي سيشاهده.
أمام أفلام تستعيد نفس الحكاية مع تغييرات طفيفة وبنفس المكونات متناولة من طرف مخرجين مختلفين، نكون مجبرين على القيام بنوع من المقارنة، ليست تفضيلية فقط ولكن للوقوف على ملامح أسلوب كل مخرج على حدة، ينتبه المتفرج إلى اختلاف المعالجات، وحيث يصبح ممكنا أن نميز بين مخرج يعمل كتقني ينفذ ويدير عملا ومخرج آخر يحور المعنى ويجعل حكاية متوقعة غير متوقعة، راسما من عمل إلى آخر خيطا بين أعماله على اختلاف أجناسها. بفعل هذا التكرار بدأ الميزونسين (الإخراج كمفهوم) يطفو إلى السطح، الوضع الذي جعل جيلا من النقاد الفرنسيين الذين سيتحولون فيما بعد إلى مخرجين، ينتبهون إلى أن المؤلف الحقيقي في الفيلم هو المخرج وليس النجم، وبالتالي ظهور سياسة سينما المؤلف التي انطلقت أولا من إعادة الاعتبار لكبار مخرجي هوليود كهتشكوك وهوارد هوكس… بشكل يتجاوز إرادة مسيري استوديوهات، وشكلت هذه السينما المنطلق لسينما بعيدة جغرافيا وسياسيا عن هوليود: الموجة الفرنسية الجديدة في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي.
إن درس التاريخ يعلمنا أن أي سينما شابة ليس مفروضا عليها أن تعيش تاريخ السينما والفن  بشكل كرونولوجي وليس مفروضا عليها أن تعيش كل المراحل  كل على حدة، لكنها مطالبة بأن تحاول أن تنطلق من حاضرها. قد يصبح ذلك ممكنا حينما تتصالح مع حاضرها وماضيها إن وجد، كما هو شأن السينما الهوليودية. لا يهم إن أخطأت الطريق لأنه في كل الحالات الجميل في الطريق أنه مرتجل والجميل فيه أنه يسمح بالتوقف أو العودة للخلف للحظة، ربما هذه العودة قد تكون هي الطريق المختصرة للالتحاق بركب  التاريخ.

بقلم: محمد الشريف الطريبق

الوسوم ,

Related posts

Top