وسائل التواصل الاجتماعي والتسابق نحو المثالية‎‎

أصبح تسويق الجسد والصورة والمثل الجمالية.. من شيم العصر، ويشكل خطورة بالغة على متلقيه، حيث عرفت مؤخرا وسائل التواصل الاجتماعي على رأسها الأنستغرام والفيسبوك وسناب شات قفزة نوعية تتمثل في ادعاء المثالية وتقمص شخصيات عميقة ومثقفة إضافة إلى اعتماد تطبيقات تخفي كل العيوب نحو الكمال. إذ أضحى من الصعب التمييز بين الواقع والتمثيل حيث أصبحت المقالات منقولة من صفحة لأخرى دون الاحتفاظ باسم كاتبها حتى بات من الصعب ترقب مزاج أحد أصدقائك نظرا لكون التدوينة لا تمثل شخصه.. فمثلا بمناسبة الأعياد، تجد العالم في تسابق وصراع عمن سينشر أول وأحسن صورة له بحثا عن تسويق صورة لحياة مثالية بشكل مبالغ فيه عبر الأنترنيت. حيث تجدهم يتسابقون عمن سينشر صورة له بأبهى الأزياء للتباهي والتفاخر، فيقلدون بعضهم البعض، وتجد الكل يقيم بأفخم الفنادق ويرتدي أغلى الثياب.. الكل جميل مثقف راق وينشر العلم والمواعظ وءايات القرءان. فبشكل تلقائي لا يمكن أن تنقل الصفحات الإلكترونية تفاصيل ما يجري في الحقيقة، وعادة ما يميل مستخدمو المواقع إلى إضفاء لمسات تجميلية لحياتهم بدرجات مختلفة، فكلهم يعيشون قصة حب ورومانسية حتى أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي فضاء للنفاق ومنصة للتمثيل والتباهي نحو تقمص شخصيات وهمية يخفي خلفها مكامن ضعفه.. فمن هو اجتماعي في الواقع يحاول في العالم الافتراضي خلق صورة معاكسة له كنشر صورة توحي أنه في عزلة مع الكتب. ومن هو غير اجتماعي يحاول مجاهدا التقاط صور بين الفينة والأخرى في مقاهي أو مطاعم أو فضاءات عامة محاولا الادعاء أنه يعيش في عالم آخر ولو كلفه الأمر تغيير خلفيات المكان بالفبركة، حيث أصبحت هذه العملية سهلة بفضل ما تتيحه التقنيات الحديثة في التصوير والديزاين والفوطوشوب.. وهكذا أصبح الكل ممثلا، وصار الكل جميلا، وبات الكل سعيدا وتحول الكل إلى مثقف، ولا مكان لمظاهر الفقر والضعف والقبح بيننا.                 

 فعلا لقد سئمنا النفاق والتمثيل اللذين بلغا درجة الوقاحة والسذاجة والاستحمار، إذ تجدهم يقلدون ذاك وتلك حتى أصبحوا شخصيات أخرى منافية تماما لذواتهم الحقيقية، حيث لا مكان للجانب المظلم للإنسان ولا مكان للحاجة والفاقة وكل ما هو سلبي في الحياة. أصبحت قنوات التواصل الاجتماعي وسيلة بخسة لادعاء المثالية والكمال، حيث الكل يقلد الكل، كأنك أمام مسرحية سخيفة لمخرج فاشل يتطلع لخلق  نسخة مزيفة له غير مطابقة لشخصه.                       

 فلا مجال للمقارنة بين العالم الافتراضي والواقع. ما أن تتصفح جدار الفيسبوك والانستغرام  إلا وتتشابه الأقنعة والوجوه، لهذا وجب الابتعاد عن كل علاقة جدية عبر وسائل التواصل وخلقها في الواقع نظرا لغياب المصداقية. فالبعض يفرط في الحكايات عن حياته الشخصية لدرجة تثير الشك والعجب، والبعض الآخر قد يقتص التفاصيل التي لا يريد لأحد معرفتها ويتعمق في المقابل في التفاصيل التي يود أن يعرفها الآخرون فيما البعض الآخر ينقل صورا غير حقيقية ومنافية  تماما للواقع. حتى أن معايير تافهة أصبحت تجذب انتباه الشباب بشكل مبالغ فيه، حيث تجد نفس المقال ونفس المحتوى لكن واحد يحصد آلاف اللايكات والتفاعلات والمدح نظرا لكون صاحبة المحتوى ترتدي قميصا يبرز مفاتنها والآخر رغم أنه يحمل نفس المحتوى إلا أنه لا يتلقى أي تفاعل أو حتى إعجاب لكون صاحبه رجلا.. هذا فعلا شيء يثير التقزز بقدرما يجعلنا ننسى المحتوى ونهتم بالمظاهر حتى أن هاته الطرق أصبحت وسيلة للتسويق والترويج لبعض المنتوجات في المواقع الإلكترونية كما في الأسواق التجارية. 

 المضحك أن البعض قد يغريه هذا الكم الهائل من التمثيل واللاواقعية حيث تجده يتدمر يوميا بمجرد مقارنته بأشخاص وهمية تدعي المثالية وراء الشاشة، أحمق من يعتقد أن عالما كذلك الذي يبدو في الفيسبوك أو الانستغرام أو سناب شات حقيقي، واقعي ووردي، كما يبدو عليه ظاهريا. فمعظم المشاهير عند استضافتهم في البرنامج الإعلامية الحقيقية سرعان ما ينصدم العالم بالوجه الثاني لهم.. حيث تسقط الأقنعة وتجد أن أغلب الفنانين، مثلا، غير اجتماعيين وحزينين بشدة، وتعرضوا لعدة أزمات وخذلان من أقرب شخص لهم، ومنهم من يعانون الفقر بسبب قلة فرص الشغل…. إضافة إلى إصابة بعضهم بأمراض نفسية حادة أحيانا بسبب الإشاعات والانتقادات الكثيرة والمستمرة التي تمس حياتهم المهنية أو الشخصية ومحيطهم الاجتماعي، لكن عند زيارة مواقعهم أو صفحاتهم الإلكترونية تجد وجها آخر مغايرا تماما للواقع الحقيقي. ولعل خير مثال يتجلى فيمن يمثلون أدوار الحب والرومانسية كل يوم، ثم فجأة تسمع خبر طلاقهم بل ويتراشقون بالشتم والعتاب علانية على حائطهم الفيسبوكي.

 لهذا يجب على المتلقي أن ينظر بعقله وأن لا تغريه المظاهر والصور أو الأماكن أو الديكورات.

فالحياة ليست وردية إلى ذلك الحد ولا كاملة. الحياة مزيج بين أسود وأبيض، بين عسر ويسر، بين جميل وقبيح هذه هي الحياة.  وبذلك فهي جميلة بكل ألوانها وأطيافها وتناقضاتها، فلا داعي إذن لتقمص أدوار أو شخصيات مثالية كاملة لا تشبهنا، أو نشر صور مزيفة وخلق عالم  اصطناعي مفتعل بعيدا عن ذواتنا، فأنت جميل كما أنت في كل حالاتك خصوصا عندما تتصالح مع ذاتك بعيدا عن كل تصنع أو كذب أو نفاق. ينبغي على الشباب اليوم معرفة أن كل تلك الصور التي يتم تسويقها عبر الشبكات العنكبوتية  لا أساس لها من الصحة ولا تمت للواقع بصلة .

بقلم: إيمان أهياض

Related posts

Top