يوميات نادل -الحلقة 2-

وحيد أنا

في الوقت الذي بدأت فيه النجوم تتلاشى وتنطفئ الواحدة تلو الأخرى، كان مواء القطط بنغمات الثرثرة والتذمر والشكوى يؤثث الأرجاء عاكسا حالاتها المزاجية، وقطعان الكلاب التي اعتادت حياة التسكع، كانت تقتفي أثر الأزبال المترامية على الأرصفة وفي أركان الدروب، بينما انشغل كلب جامح استبدت به رغبة الجنس بمغازلة كلبة يبدو أنها التقطت إشارات تحرشه واستجابت له محركة ذيلها غير آبهة بنظرات العابرين، ممن قد ينتقدون هكذا رومانسية وحميمية كلبية.
بمشية التماوت وكأني خشبة محمولة أطوي الطريق إلى حيث تقبع لقمة عيشي مترفعا عن إتيكيت السير، الذي لا يتقنه إلا أصحاب الحظ العظيم.
نفحات الريح الباردة تلسع أنفي لتحوله إلى حبة كرز ناضجة لا سبيل لحمايتها من عضات الصقيع القاتلة، إلا بدفن الرأس بين حصون السترة الصوفية مع إبقاء العينين على أعتاب الحراسة تأهبا لمداهمة كلب شارد قد يحول صباحي إلى معركة لا تحمد عقباها.
في مشهد لصوصي مباح، ومن علب كارتونية محترقة، تسترق يدا عامل النظافة نصيبا من الدفء العابر الذي سرعان ما خبا بعدما لفظت ألسنة اللهب آخر أنفاسها منتحرة على بساط أرض باردة.
وحيدة هي أضواء إشارات المرور تتناوب على الظهور في مفترق طرق لم تفتض بكارته بعد بضجيج السيارات وأصوات المنبهات الصاخبة.
أخفف الوطء وأنا سائر بمحاذاة سور المقبرة كي لا أقض مضاجع من رقدوا هناك متقنين فن الصمت وللأبد .
صمت صادح ذاك الذي يخرج من بين الأجداث مشكلا صور المصائر الخالدة لكل من أسلم روحه لبارئها.
هي سنة الله على أرضه، وهو جدل الحياة والموت المتجسد في النباتات اليافعة المتدلية على شواهد القبور، في تناقض صارخ يحيل على تعايش نقيضين في ذات الحيز.
فرقعات محركات بعض الحافلات المهترئة المرابطة بالمحطة الطرقية والمتأهبة للإقلاع تغتال سهوي، وتحيلني على الحركية المشهودة في أروقة فضاء السفر ذاك.
بأصوات جهورية تتعالى صيحات «الكورتيا»، في شبه سباق عن جرد قائمة المدن الموضوعة على أجندة السفر بالحافلات المشتغلين تحت إمرة أربابها.
خوفا من أن تفوتهم مواعيد الإقلاع، يهرع المسافرون جارين أمتعتهم غير مبالين بالنداءات المسترسلة لمستخدمي الحافلات.
ما هي إلا لحظات حتى أجد نفسي أصارع قفلا نال منه الصدأ وغدا عصيا على الفتح.
بعد سلسلة محاولات أقلب خلالها المفتاح ذات اليمين وذات الشمال، أطلق سراحه..

< بقلم: هشام زهدالي

Related posts

Top