قد تكون الصور المرّوعة التي تبثها الفضائيات كل يوم تقريباً، للنساء المهاجرات بشكل غير شرعي، بواسطة القوارب المطاطية المتهالكة، ووسط بحار هائجة، فراراً من جحيم الحرب والجوع والجرائم الوحشية، هي الصور الأكثر حقيقية عن حالة المرأة، أي الأكثر تعبيراً وتجسيداً عن حجم ومستوى المعاناة. إنهنّ يهربن وحيدات أو مع أطفالهن، فراراً من الموت وبحثاً عن فرصة أخرى للحياة. مئات الآلاف من النساء في العالم العربي أصبحن (خارج كل شرط إنساني) للحياة. لقد انحطت هذه الشروط حتى باتت رؤية النساء (المهاجرات) المتسولات في شوارع المدن أمراً مألوفاً. وإذا ما أضفنا هذه الصور المفزعة إلى صور النساء (المعنفات) والمضطهدات ومسلوبات الحقوق، فسوف يغدو النضال من أجل الاعتراف بحقوق المرأة شرطاً أخلاقياً.
لقد شاعت في الكثير من الأوساط الاجتماعية على مستوى العالم (والمنطقة العربية بشكل خاص) فكرة شديدة الغموض عن صلة قوى اليسار بـ (احتفال 8 مارس) كيوم عالمي للمرأة، وغالباً ما جرى الربط في إطار هذه الفكرة وتلقائياً، بين النضال من أجل حقوق المرأة في المساواة والكرامة، وبين اليسار بأحزابه وقواه الاجتماعية وأفكاره. مصدر هذا الربط – في الأصل – أن تسمية 8 مارس يوماً عالمياً للمرأة، صدرت عن الاجتماع الدولي للاشتراكيين عام 1910 في كوبنهاغن (الدانمارك) حين اعتبر المشاركون أن الثامن من مارس من كل عام، يجب أن ُيكرّس يوماً عالمياً للمرأة، وتكريم الحركات الحقوقية التي كانت تنادي بالمساواة. لقد مضى وقت طويل (ما يزيد عن قرن كامل) على هذا القرار الذي أصبح، مع الوقت، يوماً عالمياً بالفعل. ومع ذلك، لا يبدو أن هذا الاحتفال العالمي قد أّدى أو ساهم في تفكيك القيود والأغلال عن معاصم النساء. لا الأغاني ولا المسيرات ولا يافطات الغضب والاحتجاج، أفلحت في انتزاع الحقوق. وبرغم كل هذا؛ فإن استمرار هذا التقليد السنوي على مستوى العالم، يؤكد المقولات الكبرى لقوى اليسار والاشتراكية؛ بأن مسائل التحرر والاستقلال والحريات والحقوق المدنية وتفكيك شروط التبعية، جنباً إلى جنب النضال من أجل تحرر المرأة من عبودية القوانين والتقاليد الجائرة، هي مسائل مترابطة بشكل وثيق.
لا يمكن للمرء أن يكون تقدمياً في النظرة إلى مسائل التحرر الوطني والاستقلال وتفكيك شروط التبعية، ورجعياً في النظر إلى مسألة حقوق النساء. بهذا المعنى يصبح الربط بين هذا اليوم وقوى اليسار أمراً حقيقياً.
اليساريون والاشتراكيون وحدهم من قاد النضال الاجتماعي على مستوى العالم من أجل حقوق النساء. وبذلك فقد تعزز (الربط التلقائي) بين هذا اليوم وأفكار اليسار والاشتراكية، لأن اليساريين والاشتراكيين بعمومهم، برهنوا أنهم ظلوا في الطليعة دوماً. ولذا، يحق لهم أن يشعروا بالفخر والاعتزاز، بأنهم تمكنوا من تكريس هذا اليوم، كيوم عالمي للنضال من أجل انتزاع الحقوق الإنسانية لملايين النساء في العالم.
وفي هذا اليوم أيضاً، وحين نتطلع إلى مئات آلاف النساء المعذّبات في المنطقة العربية والعالم، جراء الحروب والنزاعات الداخلية؛ فسوف يصبح النضال من أجل الحق في الكرامة والمساواة شرطاً (للتقدمية) والتحضرّ والإنسانية.
*مفكر عراقي مقيم في هولاندا
بقلم: د. فاضل الربيعي*