ينوع الكاتب المغربي فؤاد العروي في كتاباته؛ فإلى جانب كونه روائيا وقصاصا أصيلا وباحثا أكاديميا، نجده حريصا على تخصيص حيز من وقته لكتابة نصوص ذات طابع نقدي، نقد المجتمع ومشاكل الهجرة والعادات والعلائق الإنسانية بوجه عام.
هذا الكاتب المقيم بالمهجر، وتحديدا بهولاندا، الذي اختار اللغة الفرنسية وسيلة للتعبير عن آرائه وما يختلج في وجدانه والذي حظيت إنتاجاته الأدبية بالتتويج في محافل دولية، على سبيل الذكر: «القضية الغريبة لسروال الداسوكين» الفائزة بجائزة الغونكور للقصة القصيرة.. ظل محافظا على روحه الخفيفة حتى وهو يكتب نصوصا ذات طابع جدي، كما أنه لم يضح بالبعد الجمالي والإبداعي لهذه النصوص، رغم منحاها التقريري.
الحلقة15
لماذا المغاربة..
في نشرة أفريقيا الفرنسية التي تعود إلى تاريخ يونيو 1897 (نعم، نوعية قراءاتي غريبة..)، نجد طريفة مسلية لكنها أكثر إفادة مما يبدو.
كان سلطان المغرب قد بعث إلى باريس السفير سيدي محمد بنموسى، شقيق الوزير الشهير با حماد، لأجل التحدث عن منطقة “توات” التي يعتبرها المغرب جزءا من أراضيه، وأن فرنسا كانت تقضم منها للتوسع على حسابها.
ما هو أول تساؤل كان مخاطبو بنموسى الفرنسيون قد طرحوه عليه؟
هو ذا السؤال:
ـ لماذا يتزوج المغاربة عدة نساء؟
إنه بعيد عن منطقة توات..
السفير الممتاز عرف في الحال كيف يقدم الإجابة الجيدة المهذبة والدبلوماسية (بمعنى الكاذبة):
ـ لأنه ينبغي أن يكون هناك العديد من المغربيات لأجل جمع كل المفاتن التي تملكها فرنسية واحدة.
تم الحكم على هذا الجواب بحسن الذوق، لكن الفرنسيين لم يتخلوا عن أي شيء بخصوص منطقة توات.
عند التفكير في هذه الحادثة الطريفة، قلت لنفسي إنه بعد مرور قرن، قليلة هي الأشياء التي تغيرت.
وضعية المهاجر، المغربي في هذه الحالة، عندما لا يكون في بلده، غالبا ما تكون مطبوعة على هذا النحو:
أسئلة ليس لها أي رابط. أسئلة خارجة عن الموضوع، مربكة، توقع في الخطأ.
نموذج حديث:
خلال غذاء عمل، اكتفيت بوجبة سلاطة لأسباب صحية بينما كان الطعام دسما جدا. أحد الوقحين اقترب مني وسألني بحدة:
ـ لماذا لا تأكلون لحم اللحوف، أنتم المغاربة؟
قوموا للحديث بعد ذلك عن الاقتصاد والاستراتيجيات، محور الندوة. وجدت نفسي بسرعة في حالة ضعف، مثل الرجل الطيب بنموسى، قبل قرن من الزمن.
لا شك أنكم عشتم هذا النوع من الحالات غير المرغوب فيها.
ربما علينا أن نتبنى استراتيجيات ذات طابع استباقي. بمجرد أن يقترب منا أحد ما، في عينيه سؤال سيبتدئ بـ “لماذا المغاربة..؟”، نرد عليه بأسرع من البرق:
ـ لماذا تقتلون الفقمات الرضع، سيدي؟
وقبل أن يعود من دهشته، نكون قد فررنا بجلدنا.
ترجمة: عبد العالي بركات