قبل أيام أُعلن عن انطلاق الدخول الأدبي في فرنسا، الذي يُعدّ سنويّاً من أهمّ وأكبر المواعيد الأدبية بالنسبة للكتّاب والنقاد والقراء ودور النشر والمكتبات على السواء، وهو يتزامن مع الدخول المدرسي في بداية سبتمبر من كل عام، وهذا “استثناء ثقافي فرنسي” قلّما نجده في بلدان أخرى، لأنّ الموسم الأدبي فيها ينطلق عادةً مع مطلع السنة. وعلى غرار الأعوام الماضية، تجنّدت الصحف والمجلات الفرنسية لمواكبة ومتابعة كلّ صغيرة وكبيرة تهمّ الإصدارات الجديدة، حتّى قبل الإعلان عن قوائم الكتب المرشحة للجوائز الأدبية الكثيرة المنتظر من سبتمبر إلى ديسمبر الأول: مثل جائزة غونكور، فلور، رونودو، ديسمبر، فيمينا، أنتراييه…إلخ، بحيث يصعبُ حصر العدد الكبير لأعضاء اللّجان المكلّفة باختيار الأعمال الفائزة، وهي خليطٌ يجمع بين الروايات والدراسات وأيضاً الإصدارات الرّوائية الأولى لكتّاب جُدد.
الدخول الأدبي في أرقام
وصل العدد الإجمالي للروايات المطروحة في المكتبات إلى 581 رواية. وقد ارتفعت نسبة الروايات الفرنسية هذه السنة إلى 390 رواية مقابل 363 عام 2016، أي بزيادة نسبة 6% ، وهي تترجم الانتظارات القويّة للناشرين بعد فترة صعبة في بداية العام، صادفت الانتخابات الرئاسية. ومن اللّافت أيضاً زيادة عدد الروايات الأولى لكتّاب يدخلون غمار الكتابة والنشر لأوّل مرّة، حيث وصلت إلى 81 رواية جديدة، مقابل 66 رواية عام 2016.
أما بالنسبة للروايات الأجنبيّة المترجمة إلى الفرنسية، فعددها يبلغ 191 رواية، ومن بينها روايات جديدة لكلّ من: أورهان باموق، مارغريت أيتوود، كولسون وايتهيد، فييت ثان نغويان، دوغلاس كوبلاند، ويني غيرا، حنيف قريشي، إليزابيث ستروت، كارل أوف كناوسغراد، لاورا كاسيشك، ويليام بويل، بارني نوريس، رون راش، خوان غابرييل باسكيز، جوناثان سافران فوير، إدغار هيلسينراث، جويس كارول أوتيس، كريستوف رانسكاير، دون ديليلو، كين فولت….
الكتب المُنتظرة
لا حديثَ هذه السنة عن تحفةٍ أدبية جديدة، أو عن كتابٍ متفرّد بإمكانه أن يفرض نفسه ببداهة وقوّة ويغطّي على باقي الكتب، لكن، مع ذلك، هناك الكثير من الروايات الجديدة المنتظرة، إذ سيعرف هذا الدّخول صراعاً محموماً ومثيراً بين دور النشر العملاقة. وقد بدأ فعلاً قبل أربعة أيام، حين تمَّ الإعلان عن بدء التّسويق العالمي لرواية “فتاة تردُّ الضّربة بمثلها” ، وهي الجزء الخامس من السلسلة البوليسية الشهيرة “ميلينيوم”، التي أبدع ثلاثيتها الكاتب الرّاحل ستيف لارسن، وأكملها من بعده دافيد لانغكرانتز. ومن المرتقب في 14 سبتمتبر/أيلول المقبل أن ينزل إلى المكتبات الإصدار العالمي لرواية الكاتب الغالي، كين بوليت، بعنوان “عمود النار”.
لكن الروايات التي سينتظرها كثيرون هي التي لن تُوزّع إلّا في أكتوبر/ تشرين الأول القادم، وعلى رأسها الرواية الجديدة للكاتب الشّهير دان براون، مؤلّف “شيفرة دافنشي”، التي ستحمل عنوان “الأصل”، وكذلك روايتان لاثنين من الفرنسيين الفائزين بجائزة نوبل للآداب خلال السنوات الأخيرة، ويتعلّق الأمر بباتريك موديانو، الذي تحمل روايته الأخيرة عنوان “ذكريات نائمة”، وجون – ماري غوساف لو كليزيو، الذي سيصدر رواية جديدة بعنوان “آلما”، دون إغفالِ عودة الكاتبة المعروفة كاثرين بانكول.
تراجع في سوق الكتب
في بداية كلّ دخولٍ أدبي تكون رهانات دور النشر كبيرة جدّاً، لكن سوق الكتاب هذا الموسم ليس في أفضل حالاته، إذ من المعروف أنّ الأعوام التي تشهدُ فيها فرنسا انتخابات تكونُ من أسوأ الأعوام بالنسبة لقطاع النشر. وهذه السنة، التي جرت فيها الانتخابات الرئاسية، ليست استثناءً عن القاعدة، بل حتّى الكتب السياسية لم تعرف إقبالاً بسبب الحملة الانتخابية الشّرسة، الّتي لم يكن متوقعاً لها أن تمرّ بتقلّبات ومنعطفات مفاجئة، وكان من نتائجها انخفاض مبيعات الكتب بنسبة 4.3% في يناير الماضي مقارنة مع عام 2016. وفي هذا السّياق، نشرت مجلة “ليفر إيبدو” في بداية غشت تقييماً للمبيعات بخصوص شهر يونيو، جاء فيه: ” لقد مضى الآن نصف عام والمبيعات في تراجع شهراً بعد شهر، والنتيجة أن الاتّجاه السنوي لهذا الانخفاض ازداد عن السنوات السابقة، بحيث وصل إلى 2%، وهو أسوأ معدّل في تاريخه”.
بالنسبة للكتّاب من أصول عربية، تمكن الإشارة إلى عودة المغربية ليلى سليماني، الفائزة بجائزة غونكور العام الماضي، بكتاب جديد لكنّه ليس رواية هذه المرّة، بل هو تحقيقٌ بعنوان “جنس وأكاذيب: الحياة الجنسية في المغرب”. لكن الحصّة الأكبر هي التي نالتها الكتب المتعلّقة بالجزائر. فمن بين 581 رواية معروضة في المكتبات، نجدُ حوالى عشر روايات اتّخذت من الجزائر موضوعاً لها، بعضها كتبه روائيون من أصلٍ جزائري، فيما البقيّة بأقلام فرنسية. وأغلب هذه الروايات تعود، عن طريق الخيال، إلى مرحلة الثورة الجزائرية، أو “حرب الجزائر” وما تُخفيه من أسرار غير معلنة، وهو موضوعٌ شائكٌ ومؤلم بالنّسبة لمن عايشوا تلك الفترة من التاريخ وحتّى للأجيال اللاحقة. وهذه العودة المتكرّرة إلى هذا الموضوع تجدُ تفسيرها في أنّ آخر الشّهود الأحياء على هذه الحرب هُم في طريق الاختفاء، بسبب وفاة بعضهم ووُصول آخرين إلى شيخوخة متقدّمة. وأغلب هذه الروايات تحكي إمّا عن فرنسيي الجزائر، حسب وجهة نظر كُتّابها، أو عن “الحركى” (الجنود الجزائريون في صفوف الجيش الفرنسي خلال الثورة الجزائرية).
ومن بين هذه الروايات نجد رواية “ثرواتنا” لكوثر أديمي، وبالمناسبة اختيرت هذه الرواية في القائمة الطويلة لجائزة غونكور لهذا العام التي أعلنت قبل أيّام، ورواية “مقاوم” لإيف بيشي، “في كثافة اللّحم” لجون – ماري بلا دو رولي، ” ذئب للإنسان” لبريجيت جيرو، “قلوب بطيئة” لتاساديت إماش، “مناخ فرنسا” لماري ريشو، ” طفل البيضة” لأمين الزاوي، ورواية “فنّ الفقدان” لأليس زونيتي، التي اهتمّت بها الصحافة كثيراً، فضلاً عن الرواية الثانية للكاتب الجزائري، كمال داوود، المثير للجدل، بعد روايته الأولى “معارضة الغريب” أو “ميرسو: تحقيق مضاد” بحسب الترجمة، “وهي رواية بعنوان “زبور أو المزامير”، تحكي عن طفل يتيم في قرية نائية بالجزائر مهووس بالأدب والكتابة ويجد فيها ملاذاً وعلاجاً من الأمراض المحيطة به.
نجيب مبارك