تشكل البرامج الفكرية والعلمية الندرة في محطاتنا الإذاعية وقنواتنا التلفزية، وبالرغم من هذه النسبة القليلة التي تعد على رؤوس أصابع اليد الواحدة؛ فإن بعضها هو ما تتوفر فيه خصائص البرنامج الثقافي الذي يمكن أن تخرج منه بخلاصة مفيدة، ولا يمنحك الإحساس بالندم على الوقت الذي أهدرته في متابعة برنامج تلفزي أو إذاعي يدعي أصحابه أنه يشكل إضافة نوعية إلى خريطة البرامج الأخرى.
****
يمكن القول إنه على امتداد تاريخ إعلامنا المسموع والمرئي على حد سواء، لم تكن الإدارات المتعاقبة على هذه المؤسسات تولي الأهمية التي يستحقها الفكر والعلم والثقافة بوجه عام؛ بحيث تخصص له على الأقل ساعة واحدة في يوم كامل، لا بل رأينا كيف أن بعض المسؤولين عن البرمجة كانوا يتعمدون تأخير بث حلقات برنامج ثقافي ما إلى ساعات متأخرة من الليل، علما بأنه لم تكن الفرصة متاحة لاستدراك متابعته في وقت أنسب عن طريق شبكة الأنترنت، كما هو حاصل اليوم، من حسن الحظ.
كانوا يبررون هذا التأخير بأن جمهور الشأن الثقافي محدود جدا، بمعنى أن الفكر والعلم والمعرفة شأن يهم فئة معينة من النخبة في مجتمعنا، وبالتالي فإن البرمجة يجب أن تخضع لهذه الشروط، في حين أن الحقيقة ليس سوى تكريس توجه معين معاد لكل ما يمت بصلة إلى الاهتمامات المشار إليها آنفا.
لقد تم خلق جيل من الشباب له اهتمامات بعيدة عن كل ما هو ثقافي، جيل له دراية بأدق التفاصيل المرتبطة بنجم لاعب كرة القدم هنا أو هناك، على سبيل المثال، في حين أنه لا يكاد يذكر اسم مفكر أو أديب أو عالم.. إلى غير ذلك.
أحيانا نسعد حين نسمع عن ظهور برنامج إذاعي أو تلفزيوني مغربي، له اهتمام بشأن ما من الشؤون الثقافية والعلمية، ونترقب موعد بثه، غير أننا سرعان ما نصاب بخيبة الأمل، حين نكتشف أن من أسند إليه تنشيط هذا النوع من البرامج، ليس له إلمام بالموضوع، وأن الإعداد يتم بشكل مرتجل كما أن الضيف الذي يتم استدعاؤه لا نجد له إسهامات جديرة بالاهتمام بخصوص المحور الذي يتناوله البرنامج.
من المؤكد أن بلدنا لا تعدم طاقات لها الكفاءة لتنشيط برامج ثقافية، ومن هذه الطاقات من درس بالفعل التنشيط الثقافي وتخرج في معاهد مختصة، غير أنها شغلت مسؤوليات لا تمت بصلة إلى مجال تخصصها، وكان من الأجدر توظيفها لتنشيط برامج ثقافية سواء في المحطات الإذاعية أو القنوات التلفزية أو في غيرها من الفضاءات.
****
التنشيط الثقافي إذن ليس بالأمر الهين، وهو كذلك ليس مجرد ملء للفراغ، وبالتالي يجدر بالمسؤولين عن الفضاءات الإعلامية وغيرها، أن يوظفوا الكفاءات المؤهلة لتحمل هذه المسؤولية.