كارثة بيئية بإقليم تارودانت، بالضبط في قرى: أضوار – بوغانيم – أكفاي – أضار وامان – تين واينان، التابعة لكل من جماعات: مشرع العين – تازمورت – أصادص والتي أضحت تشكل “المثلث الأسود”، جراء وحدات صناعة الفحم الخشبي حيث ترزح ساكنة هذه القرى تحت نير الأدخنة السامة المنبعثة من هذه المصانع التقليدية، مما ينتج عنه معاناة مستمرة، ليلا ونهارا. هذه المفاحم انتشرت في المنطقة بشكل لافت، في تحد صارخ للبيئة الذي يفترض صونها وحماية الساكنة التي أمسوا محاصرين بالتلوث من كل جانب، ملحقة عدة أضرار مباشرة بالدرجة الأولى بصحة الأطفال والنساء والشيوخ، نتيجة استنشاقهم المسترسل واليومي للسموم الخانقة، ناهيك عن الأضرار التي تطال البيئة وتؤثر على الثروة النباتية والحيوانية.
معاناة مستمرة للإنسان والبيئة من أدخنة وحدات صناعة الفحم الخشبي
تعاني مجموعة من المداشر بإقليم تارودانت نموذج قرى: أضوار – بوغانيم – أكفاي – أضار وامان – تين واينان، التابعة لكل من جماعات: مشرع العين – تازمورت – أصادص، من مخاطر كثير ناجمة عن نشاط وحدات صناعة الفحم، والتي تتسبب في الكثير من المشاكل الصحية والبيئة للساكنة بهذه المداشر التي أمست متضررة بفعل التلوث التي تتسبب فيها الادخنة المنبعثة من هذه المفاحم. فما حكاية وحدات صناعة الفحم بإقليم تارودانت؟، وما هو وضعها القانوني؟، وما هي خطورتها على الصحة والبيئة؟، كل هذه الأسئلة وغيرها، يجيب عنها هذا التحقيق الذي قامت به بيان اليوم وحاولت من خلاله ملامسة الجوانب المتعلقة بهذا الموضوع، بدءا بالمتضررين من ساكنة المنطقة والمنتخبين وانتهاء بالمسؤولين والحقوقيين.
على طول جانبي الطريق الإقليمية رقم : 1723P المؤدية إلى ”بوغانيم” والمتفرعة عن الطريق السريع رقم 1714P، تنتشر هنا وهناك زهاء 64 وحدة لصناعة الفحم، بجانب كل وحدة صناعية كميات هائلة من قطع الأشجار اليابسة، متراكمة بعضها فوق البعض وبجانبها أكوام من الفحم الخشبي المعدة للنقل لأجل التسويق، تنبعث أدخنة بيضاء وسوداء من هذه المفاحم التي هي عبارة عما يسميه أهل المنطقة بـ ” الكوشة”، ويقصد بها كومة الأخشاب التي تضرم فيها النار و تغطى مباشرة بالتراب من أجل الاحتراق البطيء الذي يعطي الفحم الخشبي ( الفاخر)، وتستغرق هذه العملية ما بين 3 أيام إلى 6 أيام، وذلك حسب كمية الخشب الموضوعة في “الكوشة” فتنتشر في الأجواء والقرى المجاورة الأدخنة الملوثة لتجبر المارين على غلق أنوفهم، وحبس أنفاسهم، أما الساكنة فهم في وضع أسوء من ذلك.
جولة قامت بها بيان اليوم بقرية “أضار وامان” مكنتها من مجموعة من المعلومات حول هذه المفاحم الملوثة للبيئة، وخلالها التقت بالناشط الجمعوي: حسن آيت عدي من نفس القرية والذي أفاد بأن المجتمع المدني كان قد قام بالأمس القريب بالتصدي لإنجاز مشروع المطرح الإقليمي (مزبلة كبرى) بهذه المنطقة، لكن ساكنة المنطقة تلقت صفعة جديدة وهي الترخيص لعدد كبير من وحدات إنتاج الفحم الخشبي لتغزو أراضي الجموع، عوض أن تستفيد الساكنة القروية من برنامج تنموي شامل بالاستثمار في هذه الأراضي الشاسعة في إطار مشاريع مدرة للدخل، فمن زار هذه المنطقة، يقول المتحدث، سيقف على كارثة بيئية حقيقية وبجميع المقاييس، مضيفا، أن المجتمع المدني قام بمجموعة من اللقاءات محليا مع فعاليات سياسية وجمعوية بالمنطقة ومع ممثلين المؤسسات المعنية للبحث عن الحلول الممكنة و الناجعة خرجت بعدها بوعود حبرا على ورق. وتابع المتحدث كلامه: ” بالموازاة مع ذلك
نظمنا ورشات تحسيسية للساكنة حول خطورة الغازات المنبعثة من هذه المفاحم كما تمت مراسلة جميع المصالح المعنية والمتدخلة في حماية البيئة وحقوق الإنسان من طرف الجمعيات الفاعلة بالمنطقة والساكنة والمنتخبين قصد رفع الضرر مع تنظيم وقفات احتجاجية تنديدا بخطورة هذه الكارثة البيئية لكن لا حياة لمن تنادي وعدد المفاحم في تزايد مستمر…
هذه المعطيات التي أفاد بها الناشط الجمعوي حسن أيت عدي تفتح الباب للتساؤل حول من يحمي حق سكان هذه القرية في بيئة سليمة؟، ولماذا هذه المنطقة بالذات مستهدفة بمثل هذا النوع فقط من المشاريع الملوثة التي وصل عددها 50 وحدة صناعية ملوثة في أراضي الجموع والأراضي السلالية بالمثلث الأسود (مشرع العين – تازمورت – أصادص).
بيان اليوم قامت بالاتصال برئيس جماعة مشرع العين ونائبه لتسألهما حول موضوع التراخيص الممنوحة لأرباب هذه المفاحم ومن الجهة المانحة. بالنسبة لرئيس الجماعة فقد أوضح أنه: “أولا مشكل المفاحم تعاني منه المنطقة منذ 15 سنة تقريبا، أما فيما يخص الرخص أؤكد أن المجلس الجماعي لم يمنح أي رخصة لأي كان لإنشاء (وحدة الحرق)، فمسطرة الترخيص تمر عبر طلب يقدمه صاحب الوحدة المراد إنشاؤها إلى ممثل السلطة المحلية، مرفقا بوثيقة تحدد ملكية الأرض موضوع وحدة الحرق، كما تحدد الكمية المراد حرقها”. وأضاف المتحدث أنه بناء على هذه الوثائق التي يقدمها طالب الترخيص يسلم له ترخيص بالحرق، يقدمه للمصلحة الإقليمية للمياه والغابات، ليحصل بعد ذلك على ترخيص بنقل الفحم.
أما نائب رئيس نفس الجماعة، فأوضح أنه بالنسبة للأراض السلالية وأراض الجموع، التي تقام عليها وحدات الحرق، فهي أراض لا يتصرف فيها إلا بإذن من وزارة الداخلية، حيث يقدم الراغب في ملف طلب الحصول على ترخيص بالحرق، وثيقة استغلال الملك المراد بالإذن، مشيرا، إلى وجود مراسلة رقم 2228 /10/04/2014 من العامل السابق، والتي تنص على وقف منح هذا النوع من الرخص في هذه المنطقة، غير أنه يضيف، لم يعمل بها بل زادت وحدات الحرق.
كما أشار نفس المتحدث إلى أن اللجنة الإقليمية المختلطة المكلفة بدراسة الشكايات المتعلقة بوحدات صنع الفحم، قامت بمعاينة وحدات صناعة الفحم بكل من جماعات: الخنافيف والمهادي ومشرع العين، وأصدرت تقريرا خلصت فيه إلى ضرورة توفر هذه الوحدات على عقد كراء يربطهم بوزير الداخلية. ويستبان من خلال هذه المعطيات المقدمة أن تنفيذ القرارات والتوصيات تصطدم بعائق يحول دون سريانها، رغم الشكايات والوقفات الاحتجاجية التي عبر من خلالها المتضررون والجمعيات والمنتخبون، لم يتحقق أي شيء على أرض الواقع ينصفهم ويرفع عنهم الضرر، هذا ما عبر عنه أحد الفاعلين الجمعويين من قرية أضوار قائلا: “… نحن نعيش مأساة حقيقية لا أحد يسمعنا أو يشعر بما نعانيه، أليس من حقنا وحق أبنائنا أن نستنشق هواء نقيا”.
من جهة أخرى، اتصلت بيان اليوم بالأستاذة فاطمة الشعبي منسقة لجنة النوع والمناخ والتي أفادت في الموضوع قائلة: “بخصوص المفاحم التي تنبعث منها غازات كثيرة مثل أول أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكبريت، فإن أقل ما يقال عنها، إنها كارثة بيئية وصحية بالنسبة لساكنة المنطقة”. وأضافت المتحدثة: “اللقاءات التواصلية والبحث الميداني سواء عبر المعاينة أو المقابلة المباشرة، اللذين قمنا بهما في إطار قافلة ” أدرار” في المرحلة الخاصة بتارودانت سجلنا من خلالها في تلك الجماعات التي استوطنت فيها المفاحم بشكل كبير، عدة حالات أمراض الجهاز التنفسي كالحساسية والربو… ناهيك عن حالات الاختناق وعسر في التنفس. لقد سجلنا موقفنا في عدة محطات لرفع الضرر عن الساكنة جراء المفاحم، كما أن الوعي والبعد البيئيين يجب تحضيرهما في البرامج والمخططات والمشاريع الجماعية والإقليمية والجهوية”.
ومن جانبه أفاد منسق الائتلاف الجهوي للبيئة والتنمية المستدامة إبراهيم أعراب، في حديث لبيان اليوم حول الموضوع بحيث قال بأن الائتلاف مهتم بالموضوع وهو يعي جيدا خطورة المفاحم على صحة الساكنة والبيئة ويراقب الوضع عن كثب منذ زيارة أعضائه للمنطقة في شهر غشت 2017 في إطار التحضيرات للقمة الثانية للبيئة مبديا تضامنه مع الساكنة.
وأضاف المتحدث: “حاليا نحن عاكفون على إعداد تقرير عام وشامل حول الحالة البيئية لجهة سوس-ماسة تتضمن الحالة البيئية لمنطقة تواجد المفاحم بجماعة مشرع العين والذي سيقدم لجهات عدة قصد إيجاد الحل ورفع الضرر عن ساكنة المنطقة”.
يذكر أن الائتلاف الجهوي للبيئة والتنمية المستدامة نظم قافلة “أدرار” للنوع الاجتماعي والمناخ في إطار التحضيرات للقمة الثانية للمناخ بأكادير في غضون السنة الماضية بشراكة مع الجهة ومع كتابة الدولة بالتنمية المستدامة، وتم خلال هذه القافلة ترتيب لقاء تواصلي مع المنتخبين والفاعلين الجمعويين بمقر عمالة تارودانت بحضور مسؤولين جهويين وإقليميين وممثلي عدة مصالح، حيث تم طرح العديد من المشاكل ذات البعد البيئي والاجتماعي التي تعاني منها ساكنة الإقليم، وكان من أهمها بل وأخطرها انتشار وحدات صناعة الفحم بجماعة أصادص وجماعة تازمورت وجماعة مشرع العين.
خلاصة
لقد أصبح لزاما إيجاد حل لمشكلة المفاحم المؤرقة بهذه المناطق المتضررة في أقرب الآجال وعقلنة إنتاج الفحم النباتي وفق شروط تضمن الصحة للساكنة وحماية البيئة، واستثمار التكنولوجيا الحديثة والاستفادة من التجارب الناجحة في مجال صناعة الفحم.
فالظاهر أنه يوماً بعد يوم يتعزز الإقرار لدى منظمة الصحة العالمية، بأهمية الأمن الصحي كأساس للنمو الاقتصادي في أنحاء العالم. فالشعوب التي تتمتع بصحة جيدة أقدر على الإنتاج والتجارة والاختراع، بينما الشعوب المريضة تصبح عالة ترهق الميزانيات العامة.
> عادل تليدي (صحافي متدرب)