تمكن الفنان المسرحي والشاعر الصديق مصطفى حُمير من مغادرة فراش المرض بإحدى مصحات أكادير بعد أن تماثل للشفاء على إثر حادثة سير مؤلمة ألزمته الفراش وأدخلته في غيبوبة لمدة غير يسيرة.. وبهذه المناسبة نهنئ صديقنا الفنان والشاعر والمربي مصطفى حمير ونتمنى له الشفاء التام والعودة لحيويته المعهودة ولقلمه المشاغب.. والجميل.
بذات المناسبة يقترح علينا الزميل الأستاذ يوسف غريب هذا البورتريه المشفوع بكثير من التقدير والمودة لمبدعنا سي المصطفى…
إهداء إلى الشاعر مصطفى حمير
مصطفى حمير.. المشاغب الجميل
نعم.. وأنت هناك… كنا نحن هنا ننتظر إطلالتك كالعادة بين نخلتين على مشارف المدينة.. ننتظر جرعتنا اليومية من شغبك الجميل.. ونحن نفتعل موضوعا أو حدثا كي ننتشي بهذا الاتجاه المعاكس ومنذ زمان.. قبل أن يتحول إلى برنامج كان هو ملح كل لقاءاتتا بكل أزمنتها.. وباختلاف أمكنتها.. على مدى أكثر من 30 سنة.. كنا ننتظر أيضا.. تلك الجملة / اللازمة التي تودعنا بها…
كنا طيلة هذه المدة شرسين فيما بيننا ونحن نناقش غيابك.. كان الأحمد فينا رزينا هادئا مطمئنا.. صارخا فينا أحيانا بقولته المشهورة «واش نتا حسن من الأطباء؟».
كنا طيلة هذا الغياب مذهولين.. لأننا نسينا أنك لم تكتب بعد قصيدتك الأخيرة..
وعدت واقفا كالألف…
ولم تمِل كبقية الحروف
لأن الميل سقم…
عدت إلينا.. وعادت بي الذاكرة إلى يوميات رمضان الماضي فخاطبتك بـ:
هذا قدرك… أيها الشاعر
خذ كلمتك الآن.. تحرك.. فالصمت متواطئ.. والجغرافيا جاحدة.. عش هذا الاهتمام اليومي.. وتأمل نفسك الصوفي حيث الشعر يهدي من اللسان إلى القلب وصولا إلى الروح..
تأمل أيضا هذه الأجساد بلا روح..
مصطفى حمير وشعرنة اليومي
أسعد لحظاته حين يأتي باكرا إلى زاويته المفضلة بأحد مقاهي المدينة.. تراه مهرولا.. يقرب الطاولة أكثر إلى صدره.. بإشارة منه يعرف النادل نوعية مشروبه.. يفتح المحفظة.. الأوراق.. الأقلام.. الصمت.. معلنا بذلك قطع الصلة مع المحيط.. يسافر إلى عالمه.. بين الحين والآخر يمسح المكان بعينيه.. ثم يغطس من جديد..
هو طقسه اليومي ومنذ عرفته ثمانينيات القرن الماضي.. لا تجده إلا قارئا لرواية ما.. كاتبا لقصيدة… أو شاهدا لشريط سينمائي ما..
هو نفسه عند رواد مسرح الهواة ممثلا مركزيا في كل التجارب الدرامية لجمعية أنوار سوس ولأكثر من عشرين سنة… ولعل وثائق أرشيف الجمعية وذاكرة المسرح هنا بأكادير شاهدة على الروائع الخالدات مثل «الجاحظ وتابعه الهيثم»، «الجندي والمثال»، بل شاهدة أيضا على أسلوبه المتفرد في التمثيل والإتقان لتعبيرات جسدية وانفعالية… هكذا كان ممثلا مبدعا تجاوز التمثيل نحو الإخراج.. أغنى بتلك التجربة الساحة التربوية التعليمية بمسرحيات وإنتاجات تربوية ساهمت بشكل كبير في تكوين وتوجيه مجموعة من التلاميذ باكتشاف ذواتهم والتعرف على ثقافات الشعوب الأخرى من خلال المشاركة الدولية عبر المسرح التربوي بمعية رفيقه الأستاذ أحمد العمالكي…
كان مصطفى حُمير يطل على قرائه من خلال عموده الأسبوعي بصفحة فضاء أكادير بجريدة «البيان».. بأسلوب الوصف لأعلام وشخصيات محلية… لعل أروعها إلى الآن… مذكرات معلم بالبداية..
لكن لا يذكر هذا الاسم وسط المدينة وخارجها إلا ونجد شيطان الشعر غالبا على كل الاهتمامات الأخرى.. إذ لا أستطيع أن أحصي عدد القصائد المتوفرة حاليا والقابلة للطبع والنشر.. لأن لا أحد يستطيع أن يساير السرعة التي يكتب بها هذا الشاعر المتميز.. ليس في الأمر أية مبالغة…
فنحن أمام ظاهرة إبداعية خلاقة.. لغة كانت أم إيقاعا.. في المبنى كما في المعنى.. لتتحول القصيدة عنده إلى شعرنة اليومي.. وتحليل تفاصيله في تأملات وأسئلة مسكونة بالألم حينا والأمل أحايين أخرى.. الأمل في أن تفك هذه العزلة الجغرافية على مبدعات ومبدعي الجنوب بشكل عام.. فلا يعقل أن تكون دار النشر الفرنسية السباقة إلى طبع ونشر الديوان الأول لشاعرنا وبشروط غير منصفة… بل وبهذا الحضور النوعي كتابة وقراءة هنا وهناك ولمدة تتجاوز 20 سنة لم يطبع له إلا ديوان واحد من طرف مديرية الثقافة..
هذا قدرك… أيها الشاعر
هل نحتاج إلى شعراء في زمن هكذا!!! ؟
نعم… فالشعر عادة ودوما ينتصر للحياة..
خذ كلمتك الآن… تحرك… فالصمت متواطئ… والجغرافيا جاحدة… عش هذا الاهتمام اليومي.. وتأمل نفسك الصوفي حيث الشعر يهدي من اللسان إلى القلب وصولا إلى الروح…
تأمل أيضا هذه الأجساد بلا روح.
بقلم: يوسف غريب